هل العراق مستعد مالياً لإعادة التجنيد الإلزامي؟
في وقت تغص المؤسسات العسكرية في العراق بالمتطوعين الذين تقدر أعدادهم بنحو 400 ألف عنصر أمني، تطفو على السطح محاولات لإعادة ما عرف داخل البلاد بـ"خدمة العلم"، المعطلة منذ نحو عقدين.
وتشكل التخصيصات المالية نحو 20%، من إجمالي واردات الموازنة العامة للبلاد التي تذهب لدعم المؤسسة العسكرية وتأمين رواتب منتسبيها فضلاً عن قضايا التجهيز والتسليح وموضوعات الدعم اللوجستي.
وإذا ما شرع قانون الخدمة الإلزامي فإن أمام ميزانية الدولة العامة تأمين أكثر من 30 مليار دينار شهرياً إذا افترضنا أن أعداد المجنّدين 500 ألف شاب، بحسب تقديرات مراقبين ومختصين في الشأن الاقتصادي.
تقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم لـ"ارفع صوتك"، إن قانون التجنيد الإلزامي "خطوة غير مجدية اقتصادياً وهي بمثابة الهروب لتجاوز الكثير من الأزمات المفصلية والمرحلية الحادة".
وتضيف أن "القانون يمثل زيادة في فجوة الموارد مقابل قلة المعروض السلعي تجاه الطلب عليه، مما ينجم عنه الكثير من مؤشرات التضخم والتشوه الهيكلي"، لافتة إلى أن "الدولة ستدفع رواتب إضافية تزيد من عجز الموازنة دون أن يقابلها إنتاج".
وإذا سرى تشريع قانون "خدمة العلم" بحسب سميسم، فإن هنالك بعض المسارات قد تحول ذلك الأمر إلى مشروع رابح، فيما لو اتبعها صناع القرار السياسي، كأن يتم "توجيه الطاقات الشبابية العسكرية إلى بناء المشاريع وإنشاء البنى التحتية، كما تفعل الكثير من الدول التي تعتمد على الدماء الطوعية في الجيش لمؤازرة الجانب المدني".
من جانبه، يرى الخبير الأمني رحيم الشمري، أن "هنالك تحديات جمة وعديدة تقف أمام استئناف العمل بالتجنيد الإلزامي، في مقدمتها الجانب المادي الذي يعنى بتوفير القواعد والثكنات ومراكز التدريب لاستقبال مئات الآلاف ممن يزجّ بهم نحو ما يعرف بخدمة العلم".
ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "تحريك هذا الملف تقف وراءه ربما غايات وإرادات همها تعضيد الفساد ونهب المزيد من الثروات تحت غطاء شرعي في ظل ارتباك الأوضاع العامة في العراق".
وكانت لجنة الأمن والدفاع النيابية كشفت مطلع الشهر الحالي، عن تحرك للعودة إلى العمل بالخدمة الإلزامية وفق مسودة قانون قدمت خلال عام 2018، ولا تزال معطلة التمرير والتصويت عليها من قبل مجلس النواب حتى الآن.
و أكدت اللجنة على لسان رئيسها خالد العبيدي، في تصريح متلفز "وجود إصرار لدى أعضاء اللجنة على مناقشة قانون خدمة العلم باعتباره ضرورة في الوقت الحالي"، لافتاً إلى أن "وزارة الدفاع أعدت المشروع بشكل جيد ويتضمن امتيازات تجعل الشباب يقبلون على أداء خدمة العلم".
المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول كشف في وقت سابق عن بعض فقرات القانون الجديد، حيث أشار إلى أنه تضمن اقتراح راتب شهري للمشمول بالخدمة قد يصل إلى 700 ألف دينار، فيما لفت إلى أن الأعمار من (19-35)، عاماً هم من سيشملهم التجنيد الإلزامي.
وبشأن التكلفة المادية والاستعدادات اللوجستية ، أكد رسول أن هنالك مراكز ومؤسسات ومبان ومقار عسكرية تستوعب الأعداد الوافدة من التجنيد الإلزامي.
وحول الكلف المادية والتخصيصات اللازمة، يقول :أسعار النفط بدت بالتحسن والارتفاع ومن المؤكد أن تمرير قانون التجنيد نيابياً يسبقه من قبل المعنيين في الأمر تصورات وجداول بالإمكانات المادية اللازمة".
إلا أن الخبير الأمني رحيم الشمري، يؤكد أن ذلك الأمر "غير متحقق في جوانب توفر مقار والمبان الكافية، حيث أن أغلب الثكنات العسكرية التي كانت قبل 2003، تهالكت وتطاولت على بعضها مؤسسات حزبية، وتحوّل بعضها إلى مساكن عشوائية".
ويتابع: "ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فإن أغلب القواعد التي أنشاتها قوات التحالف الدولي كانت تبنى من مواد الحديد وطبقات السندويش بنل، التي غالباً تعتمد في الاستخدامات المؤقتة قصير الأجل".
ورافق حديث العودة إلى خدمة التجنيد الإلزامية جدل ونقاش كبيرين على مستوى الأوساط الرسمية والعامة تمحور أغلبه عن إمكانات البلاد الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية منها في استقبال الفكرة مجدداً بعد سنوات من الغياب.
الخبير الأمني أحمد الشريفي وخلال حديثه لـ"ارفع صوتك"، يرى أن ذلك الأمر "يتنافى وبناءات العراق وفق المفاهيم الحديثة ما بعد سقوط الدكتاتورية وهو سمة تلتصق بالأنظمة الشمولية المغلقة".
ويقول إن "بعض المروجين لقانون الخدمة الإلزامية يتعكزون على امتصاص البطالة بين صفوف الشباب وكان بالأحرى أن يتوجه صناع القرار إلى تفعيل القطاع الخاص ودفع الروح بالصناعات العراقية الكبرى التي من شأنها تحقيق استقرار وفسحة رخاء في الميزان الاقتصادي للبلاد".
وسبق ذلك أن قدمت لجنة الأمن والدفاع النيابية مشروعاً لقانون الخدمة الإلزامية في عام 2016، ضم 75 مادة قانونية اعتمدت على الإرث القانوني المستقى من قانون التجنيد الإلزامي السابق، إلا أنه رفض من قبل حكومة عادل عبد المهدي.
وينص مشروع قانون الخدمة الذي قدمته حكومة الكاظمي، على أن فترة تأدية الخدمة تتراوح بين عام ونصف العام إلى عامين، لمن لا يملك شهادة أو تحصيلاً علمياً، ولمدة عام واحد للحاصلين على الشهادة الإعدادية، وستة أشهر للحاصلين على شهادة البكالوريوس، ولمدة شهرين للحاصلين على الشهادات العليا، أما خيار "دفع البدل النقدي" فهو "لمن لا يستطيع الخدمة".
وكان الحاكم الأميركي المدني بول بريمر، أصدر قرارا في 23 مايو 2003، قضى بحل القوات المسلحة العراقية وتسريح جميع عناصر الجيش العراقي والحرس الجمهوري، ومنذ ذلك الحين تحول نظام العمل بالجيش العراقي إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية.