العراق

هل العراق مستعد مالياً لإعادة التجنيد الإلزامي؟

ارفع صوتك
18 يونيو 2022

في وقت تغص المؤسسات العسكرية في العراق بالمتطوعين الذين تقدر أعدادهم بنحو 400 ألف عنصر أمني، تطفو على السطح محاولات لإعادة ما عرف داخل البلاد بـ"خدمة العلم"، المعطلة منذ نحو عقدين.

وتشكل التخصيصات المالية نحو 20%، من إجمالي واردات الموازنة العامة للبلاد التي تذهب لدعم المؤسسة العسكرية وتأمين رواتب منتسبيها فضلاً عن قضايا التجهيز والتسليح وموضوعات الدعم اللوجستي.

وإذا ما شرع قانون الخدمة الإلزامي فإن أمام ميزانية الدولة العامة تأمين أكثر من 30 مليار دينار شهرياً إذا افترضنا أن أعداد المجنّدين 500 ألف شاب، بحسب تقديرات مراقبين ومختصين في الشأن الاقتصادي.

تقول الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم لـ"ارفع صوتك"، إن قانون التجنيد الإلزامي "خطوة غير مجدية اقتصادياً وهي بمثابة الهروب لتجاوز الكثير من الأزمات المفصلية والمرحلية الحادة".

وتضيف أن "القانون يمثل زيادة في فجوة الموارد مقابل قلة المعروض السلعي تجاه الطلب عليه، مما ينجم عنه الكثير من مؤشرات التضخم والتشوه الهيكلي"،  لافتة إلى أن "الدولة ستدفع رواتب إضافية تزيد من عجز الموازنة دون أن يقابلها إنتاج".

وإذا سرى تشريع قانون "خدمة العلم" بحسب سميسم، فإن هنالك بعض المسارات قد تحول ذلك الأمر  إلى مشروع رابح، فيما لو اتبعها صناع القرار السياسي، كأن يتم "توجيه الطاقات الشبابية العسكرية إلى بناء المشاريع وإنشاء البنى التحتية، كما تفعل الكثير من الدول التي تعتمد على الدماء الطوعية في الجيش لمؤازرة الجانب المدني". 

من جانبه، يرى الخبير الأمني رحيم الشمري، أن "هنالك تحديات جمة وعديدة تقف أمام استئناف العمل بالتجنيد الإلزامي، في مقدمتها الجانب المادي الذي يعنى بتوفير القواعد والثكنات ومراكز التدريب لاستقبال مئات الآلاف ممن يزجّ بهم نحو ما يعرف بخدمة العلم".

ويقول لـ"ارفع صوتك" إن "تحريك هذا الملف تقف وراءه ربما غايات وإرادات همها تعضيد الفساد ونهب المزيد من الثروات تحت غطاء شرعي في ظل ارتباك الأوضاع العامة في العراق".

وكانت لجنة الأمن والدفاع النيابية كشفت مطلع الشهر الحالي، عن تحرك للعودة إلى العمل بالخدمة الإلزامية وفق مسودة قانون قدمت خلال عام 2018، ولا تزال معطلة التمرير والتصويت عليها من قبل مجلس النواب حتى الآن.

و أكدت اللجنة على لسان رئيسها خالد العبيدي، في تصريح متلفز "وجود إصرار لدى أعضاء اللجنة على مناقشة قانون خدمة العلم باعتباره ضرورة في الوقت الحالي"، لافتاً إلى أن "وزارة الدفاع أعدت المشروع بشكل جيد ويتضمن امتيازات تجعل الشباب يقبلون على أداء خدمة العلم".

المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، يحيى رسول كشف في وقت سابق عن بعض فقرات القانون الجديد، حيث أشار إلى أنه تضمن اقتراح راتب شهري للمشمول بالخدمة قد يصل إلى 700 ألف دينار، فيما لفت إلى أن الأعمار من (19-35)، عاماً هم من سيشملهم التجنيد الإلزامي.

وبشأن التكلفة المادية والاستعدادات اللوجستية ، أكد رسول أن هنالك مراكز ومؤسسات ومبان ومقار عسكرية تستوعب الأعداد الوافدة من التجنيد الإلزامي.

وحول الكلف المادية والتخصيصات اللازمة، يقول :أسعار النفط بدت بالتحسن والارتفاع ومن المؤكد أن تمرير قانون التجنيد نيابياً يسبقه من قبل المعنيين في الأمر تصورات وجداول بالإمكانات المادية اللازمة".

إلا أن الخبير الأمني رحيم الشمري، يؤكد أن ذلك الأمر "غير متحقق في جوانب توفر مقار والمبان الكافية، حيث أن أغلب الثكنات العسكرية التي كانت قبل 2003، تهالكت وتطاولت على بعضها مؤسسات حزبية، وتحوّل بعضها إلى مساكن عشوائية".

ويتابع: "ما بعد سقوط نظام صدام حسين، فإن أغلب القواعد التي أنشاتها قوات التحالف الدولي كانت تبنى من مواد الحديد وطبقات السندويش بنل، التي غالباً تعتمد في الاستخدامات المؤقتة قصير الأجل".

ورافق حديث العودة إلى خدمة التجنيد الإلزامية جدل ونقاش كبيرين على مستوى الأوساط الرسمية والعامة تمحور أغلبه عن إمكانات البلاد الاقتصادية والسياسية وحتى الاجتماعية منها في استقبال الفكرة مجدداً بعد سنوات من الغياب.

الخبير الأمني أحمد الشريفي وخلال حديثه لـ"ارفع صوتك"، يرى أن ذلك الأمر "يتنافى وبناءات العراق وفق المفاهيم الحديثة ما بعد سقوط الدكتاتورية وهو سمة تلتصق بالأنظمة الشمولية المغلقة".

ويقول إن "بعض المروجين لقانون الخدمة الإلزامية يتعكزون على امتصاص البطالة بين صفوف الشباب وكان بالأحرى أن يتوجه صناع القرار إلى تفعيل القطاع الخاص ودفع الروح بالصناعات العراقية الكبرى التي من شأنها تحقيق استقرار وفسحة رخاء في الميزان الاقتصادي للبلاد".

وسبق ذلك أن قدمت لجنة الأمن والدفاع النيابية مشروعاً لقانون الخدمة الإلزامية في عام 2016، ضم 75 مادة قانونية اعتمدت على الإرث القانوني المستقى من قانون التجنيد الإلزامي السابق، إلا أنه رفض من قبل حكومة عادل عبد المهدي.

وينص مشروع قانون الخدمة الذي قدمته حكومة الكاظمي، على أن فترة تأدية الخدمة تتراوح بين عام ونصف العام إلى عامين، لمن لا يملك شهادة أو تحصيلاً علمياً، ولمدة عام واحد للحاصلين على الشهادة الإعدادية، وستة أشهر للحاصلين على شهادة البكالوريوس، ولمدة شهرين للحاصلين على الشهادات العليا، أما خيار "دفع البدل النقدي" فهو "لمن لا يستطيع الخدمة".

وكان الحاكم الأميركي المدني بول بريمر، أصدر قرارا في 23 مايو 2003، قضى بحل القوات المسلحة العراقية وتسريح جميع عناصر الجيش العراقي والحرس الجمهوري، ومنذ ذلك الحين تحول نظام العمل بالجيش العراقي إلى التطوع والخدمة غير الإلزامية.

ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.