محللون دعوا إلى "تدويل أزمة الهجمات التركية في شمال العراق" - أرشيفية
محللون دعوا إلى "تدويل أزمة الهجمات التركية في شمال العراق" - أرشيفية

نشطت تركيا مؤخرا في هجماتها على شمال العراق تحت ذريعة مهاجمة المقاتلين الأكراد، الأمر الذي اعتبرته بغداد "انتهاكا صارخا لسيادة العراق".

وخلال السنوات الماضية، أطلقت أنقرة عدة عمليات عسكرية في شمال العراق والتي أطلقت عليها أسماء: "قفل المخلب" و"مخلب النمر" و"مخلب النسر".

وقصفت تركيا، الأربعاء، "مركزا لحزب العمال الكردستاني"، وقتل الجمعة أربعة مقاتلين من الحزب، في قصف نفذته طائرات مسيرة تركية.

وتتعرض منطقة سنجار، الذي تتركز فيه الأقلية الأيزيدية في العراق، لهجمات تركية متكررة تستهدف مقار لحزب العمال الكردستاني.

ردود فعل الحكومة العراقية على الهجمات التركية لم تتجاوز حدود البيانات الصحفية، والتنديد بتهديد أمن المدنيين من قبل وزارة الخارجية، والتي أعلنت أنها "ستتخذ إجراءات مقررة بعد إكمال التحقيقات اللازمة بشأن هذا الاعتداء".

وقال محللون تحدثوا لموقع "الحرة" إن الإجراءات التي تتخذها بغداد تجاه الاعتداءات التركية "غير كافية"، داعين إلى "تدويل الأزمة".

 

انتهاك سيادة العراق

الخبير القانوني العراقي، علي التميمي، أكد أن تركيا تخالف القوانين الدولية "بتنفيذها عمليات عسكرية في شمال العراق"، مشيرا إلى أنها تنتهك ميثاق الأمم المتحدة الذي يوجب "احترام سيادة الدول".

وأوضح في حديث لموقع "الحرة" أن تركيا تتذرع باتفاقية كانت أنقرة قد أبرمتها مع النظام السابق، ولكن هذه الاتفاقية لم يتم تجديدها بعد 2003 ولم تودع منها نسخة في الأمم المتحدة.

ويخوض حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون على أنه منظمة "إرهابية"، تمردا ضد الدولة التركية منذ 1984، ويتمركز في مناطق جبلية نائية في العراق. 

المحلل السياسي العراقي، رعد هاشم، قال إن رد فعل الحكومة العراقية "بإدانة الهجمات غير كاف، خاصة وأن ما يتم هو عبارة عن اعتداء على دول مجاورة بشكل صريح".

وطالب في رده على استفسارات "الحرة" بضرورة تحرك السلطات في العراق على جميع المستويات، والحديث مع "أنقرة بلهجة أكثر حدة بسبب انتهاكاتها في البلاد"، مضيفا أن "القوات التركية دخلت في شمال العراق من دون أخذ موافقات من العراق أو وجود تفويض أممي للقيام بهجماتها واستهداف حزب العمال الكردستاني".

في الوقت الذي تجري فيه أنقرة عملية عسكرية في شمال العراق تستهدف فيها عناصر حزب العمال الكردستاني، تجري منافسة من نوع آخر بين تركيا وإيران.

وذكر هاشم أن البرلمان العراقي عليه التحرك أيضا بدفع الحكومة لوقف الانتهاكات التركية، ووقف تصدير مثل هذه الأزمات للداخل العراقي، و"إزالة أي تواجد" لقوات غير عراقية "أكانت تركية أو حتى إيرانية" داخل البلاد.

من جانبه، قال المحلل السياسي التركي، يوسف أوغلو، إن "الأَوْلى ببغداد عدم إدانة الهجمات التركية في شمال العراق، إذ أنها قصفت أهدافا محددة كانت عبارة عن مراكز تدريب لحزب العمال الكردستاني المصنف ضمن قوائم الإرهاب".

ودعا أوغلو في اتصال هاتفي مع الحرة "بغداد إلى التنسيق مع أنقرة، لإيجاد جهود مشتركة لوقف انتهاكات حزب العمال الكردستاني للأمن القومي التركي".

وأوضح أن أنقرة "دائما ما تنسق مع إدارة إقليم كردستان، وأن لديها تفاهمات مع الجهات الرسمية، بهدف إخراج حزب العمال الكردستاني من شمال العراق".

ويرى أوغلو أن أنقرة تقوم "بما عجزت عنه الحكومة العراقية بإخراج حزب العمال الكردستاني، وذلك لحماية تركيا من التهديدات الأمنية، حتى وإن كانت داخل أراضي دولة مجاورة"، مشيرا إلى أن ميثاق الأمم المتحدة يتيح لأنقرة القيام بهذه الهجمات.

وقصفت تركيا، الأربعاء، في العراق "مركزا لحزب العمال الكردستاني كان يجتمع فيه قادة كبار" من الحزب، حسبما أفادت الخميس قناة "تي آر تي خبر" التلفزيونية التركية الرسمية.

 

تدويل الأزمة

وفي منتصف أبريل، أعلنت تركيا، التي تقيم منذ 25 عاما قواعد عسكرية في شمال العراق، تنفيذ عملية جديدة ضد المقاتلين الأكراد. 

ودعا التميمي إلى "تدويل أزمة الهجمات التركية في شمال العراق"، وتصعيد القضية في مجلس الأمن الدولي بتقديم شكوى رسمية، مؤكدا أن ذريعة "دفاع" أنقرة عن مصالحها بمهاجمة حزب العمال الكردستاني مسألة ليست ذات جدوى.

ولفت أن "الهجمات التركية" ترقى لمستوى "جرائم ضد الإنسانية" خاصة باستهدافهم لبلدات وقرى يسكنها مدنيون، ناهيك عن تهديدها "لأمن وسلم المنطقة".

وأضاف التميمي أن بغداد يجب عليها إشراك الولايات المتحدة لمساعدة العراق في الدفاع عن نفسه بموجب الاتفاقية الثنائية الموقعة في 2008.

وخلال شهر مايو، كانت سنجار مسرحا لمواجهات بين الجيش العراقي ومقاتلين أيزيديين تابعين لحزب العمال الكردستاني، الأمر الذي أدى لنزوح أكثر من عشرة آلاف شخص، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.

ويتفق هاشم مع التميمي في حاجة بغداد إلى "تدويل الأزمة مع تركيا"، مشيرا إلى أن "بغداد لوحدها لن تكون قادرة على وضع حد لانتهاك السيادة العراقية".

وقال إن على "الحكومة العراقية التعامل بطريقة مختلفة لوقف النزاعات والمعارك التي تجري على أراضيها بين أطراف خارجية".

وانتقد هاشم نشاطات "الحكومة العراقية الدبلوماسية التي تسعى لإصلاح العلاقات السعودية الإيرانية، فيما تتناسى قضاياها الأساسية لحماية أمن واستقرار العراق"، لافتا إلى ضرورة "عدم السماح بجعل هذا الملف ورقة تتلاعب بها الأحزاب المسلحة ذات الأجنحة الميليشياوية التابعة لإيران".

وأكد المحلل أوغلو أن تركيا لا تقصف أي أهداف مدنية مستبعدا قيام بغداد بأي ردود عسكرية ضد العمليات التركية في شمال العراق.

وطالب السلطات العراقية بضرورة بذل المزيد من الجهود العسكرية من أجل دعم العمليات التركية ضد "الميليشيات المسلحة الإرهابية" التابعة لحزب العمال الكردستاني.

ووفق تقرير للمجلس النرويجي للاجئين صدر في مايو، تعيق الاشتباكات المسلحة وبطء إعادة الإعمار في سنجار، المعقل التاريخي للأقلية الأيزيدية في العراق، عودة ثلثي العائلات النازحة من المنطقة.

وتتهم وحدات حماية سنجار، المنضوية كذلك ضمن الحشد الشعبي، الجيش العراقي بأنه يريد السيطرة على منطقتها وطردها منها، في حين يريد الجيش العراقي تنفيذ اتفاقية بين بغداد وأربيل، تقضي بانسحاب المقاتلين الأيزيديين وحزب العمال الكردستاني من المنطقة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.