حذرت منظمة "اليونيسف"، بالاشتراك مع "منظمة العمل الدولية"، من أن تزايد معدلات الفقر والحرمان قد يشكل تهديداً كبيراً على واقع الأطفال في العراق.
وقالت المنظمتان في بيان مشترك إن "تعطيل الخدمات واعتماد آليات التكيف السلبية من قبل الأسر الفقيرة أدى إلى زيادة الحرمان وعدم المساواة وخاصة لدى الأطفال الأكثر ضعفاً، بما في ذلك المتضررين من النزاع، والنازحين، فضلاً عن هؤلاء في المجتمعات المضيفة".
ويشكل الأطفال الغالبية من حوالي 4.5 مليون عراقي من المعرضين لخطر الفقر بسبب تأثير النزاع وجائحة كورونا، حيث يواجه طفل واحد من كل اثنين (48.8 بالمئة) أشكالاً متعددة من الحرمان سواء في التعليم، أو الصحة، أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي، بحسب البيان.
وأضاف البيان أنه "لا بد من توسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتعزيز المساواة في الوصول إلى الخدمات الاجتماعية ذات جودة مع التركيز على التعليم والصحة".
وقال البيان إن "الأزمات الأخيرة ـ كما النزاع المسلح والنزوح والتحديات الاقتصادية والاجتماعية- وما تبعها من انتشار الجائحة، التي حولت تعليم الأطفال إلى التعليم عن بعد، مما زاد من خطر التسرّب من المدرسة، توضح تزايدا في عمالة الأطفال بأسوأ أشكالها التي تحرمهم من طفولتهم وتعليمهم، كما أنها تزيد من مخاطر تعرضهم للأخطار الجسيمة والأمراض والاستغلال".
والعراق من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، بحسب البيان الذي أكد أن "العراق صادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن الحد الأدنى لسن العمل، 1973 (رقم 138)، واتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن أسوأ أشكال عمل الأطفال، 1999 (رقم 182)، وهما ضروريان للقضاء على عمل الأطفال".
التعنيف والاستغلال
يشهد العراق حضورا واضحا لعمالة الأطفال، يكاد يصل إلى نصف مليون طفل عامل.
"أعتقد أنه عانى الكثير. فقد دفعته الأوضاع الصعبة للعمل مقابل توفير قوت يوم أسرته المكونة من أم وثلاثة فتيات".. هكذا تحدث مصطفى هادي، صاحب محل حلاقة رجالية، عن أسامة الذي انضم للعمل بمحله مؤخراً بعد رحيل والده بسبب إصابته بالسرطان.
يقول مصطفى لـ "ارفع صوتك" إن "هذا الطفل الصغير هو واحد من عشرات غيره اضطروا لترك مقاعدهم الدراسية مقابل العمل في مهن، ربما يكون الكثير منها شاقة وخطيرة".
ووفقاً للمتحدث الرسمي باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، فإن "هناك أقل من نصف مليون طفل عامل في العراق"، مبيناً أن "نسبة الفقر بين الأطفال ارتفعت إلى 38 بالمئة، فيما بلغت نسبة الفقر بشكل عام في العراق 25 بالمئة.
يهتم مصطفى بالطفل أسامة الذي لا يتجاوز العشرة أعوام من عمره، إذ يذكره بطفولته التي قضى سنواتها في العمل من مكان لآخر بسبب ظروف أسرته القاسية هو الآخر.
ويضيف:" أتألم كثيراً عندما أرى ما يحدث للأطفال الآن، لأنني عشت حياتهم وعانيت كثيراً من الحرمان والتعنيف، إلاّ أن أكثر الأشياء التي ما زلت أعاني منها حتى اللحظة هي عدم قدرتي على إكمال دراستي".
ويشير إلى الكثير من الأطفال الذين يعملون بأماكن غير آمنة مثل بيع الأكياس في الأسواق المحلية أو جر عربات التسوق أو غسل السيارات وغيرها، حيث يكونون عرضة لمختلف أنواع الاستغلال، فضلاً عن مخاطر العصابات الإجرامية المنظمة.
أحلام ضائعة
تعتقد سندس مختار، وهي خريجة قسم رياض الأطفال في كلية التربية، أن الكثير من الأسر العراقية الآن تواجه صعوبة في توفير احتياجاتها المهمة وتحديداً بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهو الأمر الذي تبدو تأثيراته على الأطفال أكثر من الكبار.
تقول لـ "ارفع صوتك" إن "هذا الحال ما هو إلاّ تبعات ناتجة عن الإهمال الحكومي الطويل لشريحة الأطفال الذين يحملون الكثير من المعاناة أقلها الحرمان من طفولتهم والتعامل القاسي معهم من قبل الآخرين، وخاصة أصحاب العمل".
وتضيف سندس التي تعمل الآن مدربة في رياض الأطفال، أن "الأطفال الذي ينحدرون من أسر فقيرة يعاني أغلبهم من اضطرابات نفسية كالقلق والخوف وفقدان الثقة، فضلاً عن ميلهم للعدوانية مع أطفال غيرهم وخاصة تجاه الذين من أسر ميسورة الحال".
وتشير إلى أن سلوكيات هؤلاء الأطفال تكشف بوضوح عما تعرضوا له من إهمال وحرمان، "عندما تتزايد معدلات الفقر، نعلم أن أطفال هذه المرحلة لن يكونوا بخير عندما يكبرون، لأنهم فرصهم في التعليم والصحة وكذلك أحلامهم قد ضاعت".
وترى وزارة التخطيط العراقية أن عمالة الأطفال تستوجب إيجاد حل جذري، إذ أن خطتها الخمسية تهدف إلى جعل نسبة الفقر 16 بالمئة، فيما تسعى الوزارة إلى جعل نسبة الفقر في العراق خلال العام 2030 تبلغ صفر بالمئة، بحسب المتحدث باسمها عبد الزهرة الهنداوي.