لم يكن عادل نعيم (28 عاماً) من بغداد، يعرف أي شيء عن إصابته بالدرن عندما نصحه الطبيب المعالج بالامتناع عن التدخين نهاية عام 2021، وكان قد تعافى من المرض نفسه قبل سبعة أعوام بالضبط من تشخيصه.
يقول لـ"ارفع صوتك": " الكثير ممن أصيبوا بالدرن كانوا يدخنون، لذا لم أكن أرغب بالامتناع عن ذلك، لأنني بالفعل لم أتمكن".
وقضى عادل صباه في معمل دباغة، إذ اضطر للعمل بعد رحيل والده عندما كان عمره 17 عاماً، حتى بلوغه الحادية والعشرين، وتحديداً بعد إصابته بالدرن، وكان الطبيب ينصحه دوماً بالامتناع عن التدخين الذي اعتاد عليه مذ كان طفلاً عمره 13 سنة.
لماذا لم تترك التدخين؟ يقول عادل: "التدخين هو الشيء الوحيد الذي يشعرني بالراحة في حياتي الصعبة، خصوصاً أنني لا أملك القدرة على الزواج أو الاستقرار في عمل مناسب".
وفي العراق، مُنع التدخين داخل الأماكن العامة، مثل المسارح، ودور العرض، والفنادق، والنوادي، والمطاعم، وقاعات الاجتماعات والمناسبات، ومكاتب العمل، والأسواق التجارية، بقرار من وزارة الصحة عام 2021.
وفي العام نفسه، أوصت هيئة الإعلام والاتصالات، وسائل الإعلام كافة مراعاة المحتوى الإعلامي، عبر تجنب مشاهد التدخين وتعاطي المخدرات والمشروبات الكحولية التي تحمل دلالات سلبية ومضرة لفئات المجتمع كافة، وفق ما أوردت في بيانها آنذاك.
مشكلات في التنفس
"معظم الذين يدمنون على التدخين لا يقلعون عنه حتى وإن أصيبوا بمشكلات صحية، كما أن أكثرهم يعودون للتدخين في حال تركه بعد التعافي من أي مرض"، تقول رنا عقيل (27 عاماً) لـ" ارفع صوتك".
وتضيف: "أنا مثلا لا أستطيع فهم عدم قدرتي على ترك التدخين رغم معرفتي بمضاره".
ورنا التي تعمل في صالون نسائي للشعر والتجميل، تقول إنها وبسبب التدخين "أصيبت بمشكلات في التنفس وتغيّر في نبرة صوتها".
وبدأت التدخين عام 2014، بعد انفصالها عن خطيبها، واصفة أنها كانت "علاقة فاشلة"، وتدخن يومياً قرابة علبتي سجائر.
"لقد تأثرت بأمي التي كانت مدمنة على التدخين، منذ صغري، لكنني لم ألجأ إليه إلا بعد تعرضي لأزمات نفسية شديدة"، تتابع رنا.
وتشير إلى أن الإقلاع عن التدخين قد يقودها "لفقدان السيطرة على أعصابها والانفعال بسرعة"، حسب وصفها.
طلبة المدارس
من جهته، يقول مروان حسن، الذي يدير متجراً للبقالة، إن إجراءات منع التدخين أو التحذير من أضراره "تفشل دائماً، فشعبية التدخين في تزايد، خاصة بين الشباب وصغار السن".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "الأوضاع الاجتماعية ربما كانت حافزاً لإقبال صغار العمر وخاصة طلبة المدارس على التدخين".
ويعتمد مروان في تحديد مستويات الإقبال على التدخين حسب مبيعاته اليومية من السجائر، التي ترتفع معدلاتها "خلال دوام المدارس والجامعات، بينما تنخفض أيام العطل".
ويرى أن هناك "مشكلة" تتمثل بـ"إفراط صغار السن بتدخين نوعيات مختلفة من السجائر في آن واحد، وقد يسبب ذلك ضرراً أكبر على صحتهم".
ويبيّن مروان: "التدخين في السابق كان ضمن المحظورات الاجتماعية لصغار السن والنساء بل حتى البالغين، إذ يُنظر للمدخنين من هؤلاء ابتعادهم عن القيم الأخلاقية وعدم احترامهم لمن هم أكبر منهم سناً، لا أتذكر يوماً أنني دخنت أمام والدي الذي رحل وأنا بعمر 33 عاماً، احتراماً له، لأن التدخين أمام كبار السن يعد من الأمور المعيبة والبعيدة عن حسن السلوك".
"المفاهيم الاجتماعية خاصة الأخلاقية تغيرت كثيراً عن السابق وتبدلت، بسبب الانفتاح الحاصل بين العالم عبر وسائل التواصل"، يتابع مروان.
مكافحة التدخين
وتشير إرشادات المتخصصين في وزارة الصحة إلى أن "التدخين ظاهرة سلبية في العراق، ونحاول جاهدين مع القطاعات المختلفة مكافحتها عبر الإجراءات الكفيلة، من خلال فرض الضرائب على بضائع السجائر ومنع التدخين في الأماكن العامة، فضلاً عن رفع مستوى الوعي من خلال الجهود الإعلامية".
وزارة الصحة تجد ضرورة تعديل قانون مكافحة التدخين في بعض مواده، وبالفعل هذا ما حدث، إذ قامت من خلال اللجنة الوطنية بتعديله ورفعه إلى الجهات المعنية، بحسب مدير الصحة العامة في الوزارة عبر تصريح على هامش ورشة لمكافحة التبغ بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.
ووفقاً لمدير شعبة مكافحة التبغ في وزارة الصحة عباس جبار فإن الإحصائيات في العراق تؤكد وفاة شخص كل 20 دقيقة بسبب التدخين، كما أن مجموع ما يحرقه المدخنون العراقيون يوميًا يبلغ ملياري دينار.
في أرقام صادمة أشارت وزارة الصحة العراقية إلى أنّ العراق يُسجّل حالة وفاة واحدة كل 20 دقيقة بسبب التدخين. pic.twitter.com/AmXUC5EGY2
— IrfaaSawtak ارفع صوتك (@IrfaaSawtak) June 16, 2022