صورة أرشيفية لعودة نازحين إلى الحويجة بعد انتصار القوات العراقية بدعم التحالف على تنظيم داعش- ا ف ب
صورة أرشيفية لعودة نازحين إلى الحويجة بعد انتصار القوات العراقية بدعم التحالف على تنظيم داعش- ا ف ب

ينتظر كامل إبراهيم حسين، وهو من أهالي قرية البرغلية في قضاء الحويجة جنوب غرب محافظة كركوك العراقية، الحكومة والمنظمات لمساعدته في استكمال العلاج من الإصابات التي تعرض لها إثر انفجار عبوة ناسفة بسيارته في ديسمبر 2019.

وتعرض لإصابتين بالغتين إثر الانفجار، إحداهما في وجهه أسفرت عن فقدانه احدى عينيه وفقد على أثرها سمعه أيضا، والثانية في بطنه، ما زال يعاني منهما بشدة.

ويقول كامل لـ"ارفع صوتك": "صرفت ما كنت أمتلكه من مال على العلاج خلال السنوات الماضية، الإصابة منعتني من ممارسة عملي وأقعدتني في البيت، ولم أحصل على أي مساعدة أو دعم من الحكومة أو المنظمات حتى الآن، لذلك أوضاعي الصحية متدهورة ولم يعد بإمكاني مواصلة العلاج، لأنني أحتاج إلى عمليات جراحية تكلف مبالغ باهظة".

قبل تعرضه للانفجار، كان كامل يعمل بسيارته في مجال نقل المحاصيل الزراعية من القرى إلى كركوك وأطرافها، لكن الانفجار دمر سيارته ولم تعد أوضاعه الصحية تسمح له بالعمل، لذلك تعتمد العائلة في توفير قوتها على ما يتقاضاه أحد أبنائها من العمل كعامل بأجر يومي.

لغم أرضي مزروع في محافظة البصرة على الحدود العراقية الإيرانية
إزالة الألغام بالمناطق المحررة أكثر تعقيدا بسبب كورونا
العمل كان يمضي قدما لا سيما في مناطق عودة النازحين قبل تأثر العراق بالوباء، وتم تنظيف ملايين الأمتار المربعة من الألغام المرتجلة. والالغام المرتجلة هي نوع خاص غير منتج في دول معروفة بل قام تنظيم داعش بصناعتها وتتصف بتركيبتها المعقدة

وتشكل مخلفات تنظيم داعش من العبوات الناسفة والألغام عائقاً رئيساً أمام عودة الحياة إلى القرى والبلدات التابعة لقضاء الحويجة جنوب غرب محافظة كركوك، وتمنع كثافة انتشارها المزارعين والرعاة من ممارسة أعمالهم اليومية، خصوصاً مع بطء عمليات إزالتها.

وزرع التنظيم طيلة فترة سيطرته على قضاء الحويجة والقرى والبلدات التابعة له في كركوك التي استمرت من عام 2014 لغاية سبتمبر 2017، آلاف الأطنان من المتفجرات بين المناطق التي سيطر عليها والخاضعة للقوات الأمنية العراقية.

وبحسب مصادر أمنية عراقية لا توجد خرائط محددة لحقول الألغام التي زرعها داعش، لأنه اعتمد على الزرع العشوائي للألغام والعبوات الناسفة وغالبيتها متفجرات محلية الصنع.

ورغم عودة الحياة إلى مركز قضاء الحويجة الذي كان من أبرز معاقل التنظيم الإرهابي الرئيسة في العراق بعد الموصل، إلا أن المعاناة مستمرة مع تفجّر تلك المخلفات وإيقاع الضحايا بين السكان، كل حين وآخر.

ورغم استمرار فرق رفع الألغام والمتفجرات سواء الحكومية او التابعة للمنظمات الدولية والمحلية لعملياتها في تطهير الأراضي من الألغام في كركوك، إلا أن محافظة كركوك تؤكد أن الشريط الذي كان خط تماس بين القوات الأمنية والتنظيم البالغ طوله أكثر من 70 كيلومترا وعرضه (5-10) كيلومترات ما زال الأخطر والأكثر زرعاً للعبوات ومخلفات الحروب.

ويوضح مسؤول في مديرية الدفاع المدني بمحافظة كركوك لـ"ارفع صوتك"، مفضلا عدم ذكر اسمه: "تمكنت مديرية الدفاع المدني في محافظة كركوك عبر فرقها الخاصة من رفع أكثر من 18 ألف مقذوف حربي متنوع من مركز قضاء الحويجة وأطرافه بعد تحرير القضاء مباشرة".

"وساهمت هذه الجهود في عودة العائلات النازحة إلى مناطقها، لكن ما زالت هناك بعض المناطق الزراعية خاصة الواقعة في حدود ناحية سيروان، تحتوي على الألغام والعبوات الناسفة وتوقع الضحايا من المزارعين والفلاحين والأطفال بين الحين والآخر"، يضيف المسؤول.

 ويشير إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة عن أعداد الضحايا لدى مديريته، موضحاً أن عمليات تطهير الأراضي حاليا تعتمد على بلاغات الأهالي بوجود عبوات أو مقذوفات حربية، تتوجه بناء عليها فرق الدفاع المدني إلى المنطقة الملوثة لتطهيرها.

وكشف محافظ كركوك، راكان الجبوري، خلال المؤتمر الدولي للمانحين في الأعمال المتعلقة بالألغام في العراق الذي احتضنته بغداد فبراير الماضي أن "138 قرية في كركوك هدمت بالكامل، ودمرت معظم بيوتها بتفجير العبوات وبقيت فيها عبوات أخرى كثيرة وذخائر متنوعة"، مشيرا إلى أن كثافة المتفجرات تعيق عودة أكثر من 40 ألف نازح إلى هذه القرى.

وبحسب الجبوري، يتعرض السكان المحليون والقوات الأمنية شهرياً إلى انفجار عبوتين أو أكثر من المخلفات الحربية والعبوات المزروعة في المنطقة.

من جهته، يقول الناشط محمد علي الجبوري، وهو من أهالي قضاء الحويجة، إن مواجهة المخلفات الحربية لا يمكن أن تقتصر على الإجراءات المتعلقة بتطهير الأراضي منها فقط.

"نحن بحاجة إلى تحرك لمساعدة ضحايا هذه المخلفات الحربية من الناحيتين المادية والمعنوية، وتقديم الدعم النفسي لهم وإعادة تأهيلهم كي يتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية، والعمل على الحد من مخاطر هذه المخلفات على مستقبل الحياة في هذه المناطق"، يبين محمد لـ"ارفع صوتك".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.