العراق

استهداف منشآت غاز ونفط عراقية.. هل "يطرد" الاستثمارات؟

دلشاد حسين
01 يوليو 2022

يعتبر الخبير العراقي في قطاع النفط، كوفند شيرواني، أن الهجمات المتكررة على بنى تحتية اقتصادية عامة متمثلة في حقل مهم للغاز الطبيعي في كردستان، بمثابة "تحذير" للإقليم من المضي في تطوير موارد الغاز الطبيعي.

ويضيف لـ"ارفع صوتك": "تطوير الإقليم لموارد الغاز الطبيعي يمكن أن يجعل العراق يستغني عن استيراد الغاز وبعدها الكهرباء من إيران، التي تجني سنويا 2-3 مليارات دولار من ذلك".

ويرى شيرواني أنه "في حال التعاون بين الإقليم والحكومة الاتحادية مستقبلاً في استثمار وإنتاج الغاز الطبيعي، يمكن أن يكون العراق مصدّراً للغاز إلى أوروبا عن طريق تركيا، وسدّ جزء من الطلب المتزايد على الغاز الطبيعي بعد تراجع الصادرات الروسية". 

ويضيف أن "الجهات المنفذة لهذه الهجمات تخدم بدرجة واضحة أجندة إقليمية وليست عراقية، وتلحق ضررا بالغاً باقتصاد الإقليم وهو جزء من العراق الفيدرالي، وتمثل رسالة عدائية للاستثمارات والتعاون بين العراق ودول الخليج، فالشركة المستهدفة والعاملة في تشغيل الحقل الغازي هي شركة إماراتية".

ويؤكد شيرواني أن الهجمات الصاروخية التي يتعرض لها إقليم كردستان "انتهاك لسيادة الدولة العراقية وهيبة مؤسساتها" مردفاً "بعض الفصائل المسلحة غير المنضبطة بوسعها إطلاق الصواريخ وزعزعة الاستقرار دون أن تتمكن الدولة من ردعها".

"وتزامنت هذه الهجمات مع أحداث الفوضى التي شهدتها محافظة ميسان جنوب العراق، إثر إغلاق جماهير غاضبة الطرق المؤدية للحقول النفطية. والحوادث الأخرى من هذا النوع ستعطي رسالة سلبية عن استقرار الأوضاع في العراق بشكل عام، وتجعله بيئة طاردة لا جاذبة للاستثمارات والمستثمرين في قطاع النفط والقطاعات الأخرى"، يتابع شيرواني.

 

هجمات متكررة

وتصاعدت وتيرة الهجمات على منشآت النفط والغاز في إقليم كردستان خلال الأشهر الماضية من العام الحالية، وكانت آخرها تعرض حقل كورمور الغازي في ناحية قادر كرم التابعة لقضاء جمجمال بمحافظة السليمانية بإقليم كردستان، وتعمل فيه شركتا "دانة غاز "و"الهلال" الإماراتيتين، لثلاث هجمات صاروخيه متتالية خلال يومي 22/23 يونيو الحالي.

وتعرضت مدينة أربيل عاصمة كردستان العراق وضواحيها، خلال فترة عام ونصف الماضية لأكثر من 12 هجوما، خمسة هجمات نفذت بطائرات مسيرة،والبقية بصواريخ، بينها الهجوم الصاروخي الذي استهدف المدينة في مارس الماضي وأعلن الحرس الثوري الإيراني مسؤوليته عنه

وأشارت المعلومات بعد كل هجوم خلال الأشهر الماضية إلى وقوف المليشيات العراقية الموالية لإيران خلفه. ورغم أن هذه المليشيات لا تعلن مسؤوليتها، إلا أنها وعبر الصفحات الرسمية التابعة لها على شبكات التواصل الاجتماعي تعلن دعمها لها.

وقال رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور بارزاني، الأربعاء الماضي، خلال ترأسه الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء: إن "الهجمات تهدف لإلحاق الضرر بالموارد المالية والاقتصادية وتعطيل عملية الاستثمار في الإقليم". 

وبحسب بيان لمجلس وزراء الإقليم، صدر عقب الاجتماع، "أوعز المجلس للوزراء والوزارات والجهات المعنية للقيام بواجبها في حماية المنشآت الوطنية للإقليم خاصة وأنها تعدّ مصدراً لتوفير رواتبه ونفقاته العامة"..

وكشف وكيل وزارة الثروات الطبيعية في إقليم كردستان، أحمد المفتي، في مؤتمر صحافي، قبل أسبوع، أن "حقل كورمور ينتج 450 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا يستخدم لإنتاج الكهرباء"، نافيا أي احتمال لانسحاب شركة "دانة غاز" الإماراتية من الحقل.

وقال إنها "ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الحقل للهجوم، دون أن يتوقف إنتاج الغاز بأي شكل من الأشكال".

والاثنين الماضي، أي بعد المؤتمر، أعلنت شركة "دانة غاز" تعليق عملها "بشكل مؤقت" في مشروع توسيع حقل كورمور، "دون أن يؤثر ذلك على إنتاج الغاز الطبيعي من الحقل".

وأنشئ مشروع "غاز كردستان" عام 2007، بعد توقيع شركتي "دانة غاز" و"الهلال" الإماراتيتين اتفاقية مع حكومة الإقليم، من أجل الحصول على حق تخمين وتطوير وإنتاج وتسويق وبيع المنتجات النفطية في حقلي كورمور وجمجمال، وباشر المشروع بإنتاج الغاز في أكتوبر 2008.

 

ضرر اقتصادي

في نفس السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي خطاب عمران الضامن، أن استهداف المشروعات الاستثمارية في إقليم كردستان "محاولة للإساءة لتجربة الإقليم الاقتصادية الفتية والناجحة لأغراض سياسية".

ويقول لـ"ارفع صوتك": "في حال استمرار هذه الهجمات، سوف تؤدي إلى هجرة المشروعات الاستثمارية القائمة وطرد المستقبلية، ما سيضر بالاقتصاد العراقي في مجالات ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع مستويات الفقر، لأن إقليم كردستان يوفر فرص عمل لمئات الآلاف من سكان الإقليم ومحافظات العراق الأخرى من مختلف أطياف ومكونات الشعب العراقي".

ويشير الضامن إلى أن الأوضاع الحالية "تتطلب من سلطات إقليم كردستان تكثيف الجهود الأمنية والاستخبارية لإحباط الهجمات المستقبلية، بالإضافة إلى اعتماد وسائل السلامة والأمان في جميع المشروعات المستهدفة".

وعززت حكومة إقليم كردستان من تدابيرها الأمنية والعسكرية في ناحية قادر كرم، التي يقع فيها حقل كورمور للغاز، بهدف حماية الحقل والحد من الهجمات الصاروخية التي يتعرض لها.

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.