العراق

قانون النفط والغاز العراقي.. سنوات من التأجيل والخلاف

30 يونيو 2022

نقلا عن موقع الحرة

لا يزال الخلاف بين بغداد وأربيل على ملف النفط قضية غير محسومة منذ أكثر من عقدين، وقد دعت الولايات المتحدة، الأربعاء، الحكومتين إلى التفاوض بشأن هذا الخلاف والاستفادة من بعثة الأمم المتحدة المكلفة بالمساعدة.

وينص قانون النفط والغاز في العراق، الذي ينتظر التشريع في البرلمان منذ عام 2005، على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون مناطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع.

لكن منذ عام 2003، تختلف بغداد وأربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، على موضوع إدارة حقول الإقليم النفطية.

وتقول بغداد إن الإقليم لا يصرح بمبالغ تصدير النفط الحقيقية ولا يسلم تلك المبالغ إليها، بينما تقول كردستان إن الصادرات من الحقول النفطية في أراضيه يجب أن تخضع لإدارته، سواء من ناحية منح التراخيص للاستكشافات الجديدة، أو إدارة الحقول الموجودة أصلا، أو التحكم في الإنتاج والتصدير للوجهات التي يختارها، أو التعاقد على الشراء والتطوير.

ويشير قانون النفط الكردستاني إلى أن "وزارة النفط في الإقليم أو من تخوله تتولى مسؤولية "التنظيم والإشراف على العمليات النفطية... وكذلك كل النشاطات التي تتعلق بها من ضمنها تسويق النفط"، وأيضا "التفاوض وإبرام الاتفاقات وتنفيذ جميع الإجازات ومن ضمنها العقود النفطية التي أبرمتها حكومة الإقليم".

ويقول القانون إن للحكومة العراقية حق "المشاركة في إدارة" الحقول المكتشفة قبل عام 2005، لكن الحقول التي اكتشفت بعدها تابعة لحكومة الإقليم.

 

سبب متجدد للخلاف

ويحصل إقليم كردستان العراق على نسبة من الموازنة العراقية يمكن لحكومة الإقليم أن تنفقها على القطاعات الخدمية والتشغيلية والاستثمارية، بدون الرجوع لبغداد. وتتكفل الموازنة الاتحادية أيضا بدفع رواتب موظفي الإقليم.

ويقول الصحفي، أحمد حسين، إن "إقليم كردستان مجبر وفق قوانين الموازنة على تسليم حصص من النفط للحكومة الاتحادية، لكن الإقليم لم يف بهذه الحصص في أي عام منذ 2005".

ويضيف حسين لموقع "الحرة" أن "رئيس الوزراء في حكومة 2014-2018، حيدر العبادي، كان أول من استخدم رواتب الموظفين الكرد للضغط على حكومة الإقليم للإيفاء بحصصها".

ولا توجد إحصائيات حكومية عن النفط المصدر من إقليم كردستان، لكن وزارة النفط العراقية نشرت تحليلا في مايو الماضي قال إن حكومة الإقليم ارتكبت "مخالفات قانونية وإجرائية" في بيع النفط تسببت بخسائر كبيرة.

ويقول تحليل المنشور على موقع الوزارة: "تشكل العوائد المالية لحكومة الإقليم بنسبة لا تزيد عن 80 في المئة كمعدل بعد استقطاع كلف الإنتاج (كلفة إنتاج برميل النفط)، بينما تشكل العوائد المالية لجولة التراخيص الأولى والثانية (أقامتها بغداد)  من 94.5 في المئة إلى 96.5 في المئة، وإن كلفة الإنتاج تعادل (4) أضعاف كلف الإنتاج في جولات التراخيص لوزارة النفط الاتحادية".

وقالت الوزارة "من جانب أخر، وقعت حكومة الإقليم على نفسها من خلال عقود المشاركة بالإنتاج التزاما تعاقديا بإعفاء المقاولين من الضرائب وسمحت لهم بتضخيم أرباحهم دون فرض أي نوع من أنواع الضرائب أو مشاركتهم تلك الأرباح المتضخمة وخصوصا عند أتفاع أسعار النفط عالميا".

وأضافت: "كما تود وزارة النفط التوضيح بأن الإقليم لم يلتزم بالحصص المخصصة للعراق بموجب اتفاقيات "أوبك" مما انعكس سلبا على الكميات النفطية المخصصة للعراق من حقول الوسط والجنوب وبالتالي قد انعكس سلبا على العوائد المالية للحكومة الاتحادية، رغم تحمل أعبائها بتأمين رواتب أبناء شعبها في الإقليم".

ولم يرد المتحدث باسم حكومة الإقليم على اتصالات موقع "الحرة" للسؤال عن موقف أربيل من الموضوع، ولم يرد أعضاء في الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم على أسئلة الموقع.

ويقول الصحفي أحمد حسين إن "غياب الشفافية والأرقام تجعل التكهنات هي السائدة في موضوع كبير وحساس"، مشيرا إلى أن "حاجة الكتل المتصارعة سياسيا في بغداد لأصوات النواب الكرد تجعل الحكومات تتغاضى دائما عن المكاشفة بشأن ما يجري بخصوص نفط الإقليم منذ 2005 وحتى الآن".

 

قانون النفط والغاز

وفي أبريل الماضي، قضت المحكمة الاتحادية العراقية بأن قانون النفط الكردستاني، المقر والفاعل منذ عام 2007 "غير دستوري".

وبعد قرار المحكمة، عينت وزارة النفط، بحسب رويترز، شركة المحاماة الدولية، كليري غوتليب ستين، وهاملتون للتواصل مع بعض شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان "لبدء مناقشات لجعل عملياتها تتماشى مع القانون العراقي المعمول به".

وأدت الجهود كما يبدو إلى انسحاب شركة "شلمبرغير" لخدمات حقول النفط، الإثنين، من إقليم كردستان، التزاماً بقرار المحكمة الاتحادية.

أعلنت شركة "شلمبرجر" الأميركية لخدمات حقول النفط، الاثنين، انسحابها من إقليم كردستان، التزاماً بقرار المحكمة الاتحادية.

وهذه هي المرة الأولى التي تظهر فيها الشركات العاملة في الإقليم التزاما من هذا النوع بقرارات بغداد.

وقالت وزارة النفط، بحسب رويترز، إنها ستقوم بإجراءات قانونية لضمان التزام الشركات المصدرة لنفط الإقليم بقرارات بغداد. وقال مصدر لرويترز إن شركات أخرى تلقت خطابا مباشرا من وزير النفط.

لكن وزارة الموارد الطبيعية في إقليم كردستان العراق قالت إن تصرفات الوزارة "غير قانونية".

وقال بيان للوزارة نشر في 13 يونيو: "استدعت المحكمة التجارية (الكرخ) في بغداد، الشركات العالمية العاملة في إقليم كردستان وذلك بناء على طلب وزير النفط العراقي. والشركات هي (دي.إن.أو) و(يسترن زاكروس) و(أتش.كيه.إن) و(شارمان) و(غينيل إنيرجي) و(أداكس) و(غولف كيستون)، والتي تنفذ أعمالها وفقا لقانون النفط والغاز في إقليم كردستان رقم 22 لسنة 2007 والذي أقره برلمان كردستان بما يتوافق مع أحكام الدستور العراقي".

وقال البيان إن الاستدعاء "يمثل أحدث سلسلة من الإجراءات غير القانونية التي اتخذها وزير النفط في حكومة تصريف الأعمال ببغداد، ويبدو أن هذه الممارسات غير القانونية تستند إلى الحكم الصادر عن محكمة في بغداد تسمي نفسها "المحكمة الاتحادية العليا"، والتي أصدرت في 15 فبراير 2022 قرارا يحمل دوافع سياسية ويهدف لإلغاء قانون النفط والغاز لسنة 2007 في كوردستان، في حين أن أي محكمة في بغداد لا تملك صلاحية اتخاذ قرار كهذا".

واتهمت الوزارة المحكمة الاتحادية بأنها "غير دستورية".

واتهمت وزارة النفط الاتحادية بأنها تقوم بـ"ترهيب ومضايقة الشركات العاملة في إقليم كردستان".

وفي 5 يونيو الماضي، رفع وزير الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان دعوى مدنية على وزير النفط في الحكومة الاتحادية، تقول إن "وزير النفط في الحكومة الاتحادية مسؤول عن إرسال الرسائل والرسائل الإلكترونية إلى تلك الشركات بهدف ترهيبها والتدخل في حقوقها الخاصة بالعقود المبرمة مع حكومة الإقليم" بحسب البيان.

 

دعوات لحل الخلافات

ودعت واشنطن، الثلاثاء، بغداد وأربيل لحل خلافاتهما، وخاصة النفطية.

وقال متحدث في الخارجية الأميركية لـ"الحرة"، إن "على حكومة العراق وحكومة إقليم كردستان الجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل لقضية النفط يكون مقبولاً للطرفين وتجنب اتخاذ خطوات تؤجج التوترات".

وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "التفويض الجديد لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق "يونامي" يكلفها على وجه التحديد بمساعدة الأطراف على تحقيق ذلك".

ويكتسب النفط العراقي، وهو ثاني أكبر مصدر للنفط في "أوبك"، أهمية خاصة في ظل الظروف العالمية الحالية، حيث أدى الصراع في أوكرانيا وتداعيات فيروس كورونا إلى ارتفاع تاريخي في أسعار النفط الخام.

ويقول المحلل والخبير السياسي، محمد نعناع، إن "الكرد كانوا لا يريدون إقرار قانون النفط والغاز مستفيدين من فقرة دستورية تغلب دساتير الإقليم على الصلاحيات الحصرية للحكومة سنوها وفقا لقانونهم الخاص".

ويضيف نعناع لموقع "الحرة": "لكن الآن بعد قرار المحكمة الاتحادية يحتاج الإقليم غطاء قانونيا لعقد الاتفاقيات مع الشركات الدولية التي بدأت تتخوف من الاستثمار في النفط والغاز في إقليم كردستان خصوصا بعد إقدام الجماعات المسلحة على استهداف مواقع شركة "دانا غاز" بالتزامن مع قرار المحكمة الاتحادية بعدم مشروعية قانون الإقليم ودعوتها إلى إخضاع الثروة النفطية للحكومة الاتحادية حسب المواد 110 و 111 من الدستور".

وتعرض حقل تديره شركة "دانا غاز" الإماراتية في السليمانية، في إقليم كردستان، إلى ثلاث هجمات صاروخية خلال الأسبوع الماضي.

وسجل أول استهداف بالصواريخ لمنشآت نفطية في الإقليم في أبريل، ثم استهدفت في مايو مصفاة نفط كاوركوسك، وهي من أكبر المصافي في المنطقة الغنية بالنفط والواقعة شمال غرب أربيل، وفقا لوكالة روداو الإخبارية الكردية.

ودعت رئيسة كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني البرلمانية، فيان خليل، إلى تشريع قانون النفط والغاز.

وتأتي دعواتها عقب مبادرة لـ"الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" لحل الانسداد السياسي الحالي في البلاد تضمنت دعوة مماثلة لتشريع القانون.

ويقول المحلل نعناع إن "الحدس الأقرب هو أن يقر القانون سريعا بعد تشكيل الحكومة لكن بشرط وجود الديمقراطي الكردستاني فيها، بمعنى وجود اتفاقات مسبقة مضمونة للإقليم في عملية صياغة بنود القانون الجديد".

لكن، كفاح محمود، المحلل السياسي ومستشار الرئيس السابق لكردستان العراق، مسعود بارزاني، قال لموقع "الحرة" إنه "في الوضع الحالي فإن تشريع القانون صعب جدا بسبب التناحر السياسي الشديد، والفشل في تشكيل حكومة وطنية تتعامل مع ملفات الأزمة بثوابت دستورية تحت مظلة المصالح العليا للعراق وشعوبه ونظامه الفيدرالي".

وأضاف: "لا أتصور مع هذه التداعيات التوصل إلى حلول جذرية، وكل ما يمكن عمله هو ترحيل الإشكاليات وترقيعها لحين تغيير المشهد السياسي بشكل جدي".

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.