تواجه تركيا اتهامات بالتواطؤ في جرائم "إبادة جماعية"، ضد الإيزيديين في سوريا والعراق، فيما تنفي أنقرة ذلك وتؤكد أنها "مزاعم لا أساس لها من الصحة".
ويسلط تقرير أعدته مجموعة من الحقوقيين، الضوء على المسؤولية الملزمة التي تتحملها الدول لمنع الإبادة الجماعية على أراضيها، حتى لو تم تنفيذها من قبل طرف ثالث مثل تنظيم "داعش"، وفقا لتقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية.
إبادة جماعية وغض الطرف
وقالت لجنة العدالة الإيزيدية، إن "جرائم الإبادة الجماعية" قد جرت ضد الأقلية الدينية الإيزيدية في سوريا والعراق، منذ عام 2013.
في 3 أغسطس من العام 2014، شن عناصر تنظيم داعش الإرهابي هجمات وحشية على قضاء سنجار مما أدى إلى تشريد مئات آلاف النازحين من الأقلية الإيزيدية التي تعرضت لجرائم وصفتها الأمم المتحدة لاحقا بـ"الإبادة الجماعية"، والتي تضمنت القتل والذبح والاستعباد الجنسي للنساء والفتيات.
ولسنوات تعرضت هذه الأقلية للاضطهاد بسبب معتقداتها الدينية، لا سيما على يد تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، والذي قتل أبناءها وهجرهم وسبا نساءها، وفقا لـ"فرانس برس".
وحقق التقرير الذي استمر لمدة ثلاث سنوات، في سلوك 13 دولة، وخلص إلى أن ثلاثة دول "أخفقت في أداء واجبها في اتخاذ خطوات معقولة لمنع الإبادة الجماعية"، وفقا لما نقلته صحيفة "الغارديان".
واتهمت اللجنة السلطات التركية "بالتواطؤ في الإبادة"، وقالت إنها فشلت في مراقبة حدودها لوقف التدفق الحر لمقاتلي "داعش"، بما في ذلك عدد كبير من المواطنين الأتراك.
"واعتبارا من أبريل 2014، غض المسؤولون الأتراك الطرف عن بيع ونقل واستعباد النساء والأطفال الإيزيديين، وقامت بتدريب مقاتلين تابعين لداعش لمحاربة الأكراد في سوريا، مما يعزز مرتكبي الإبادة الجماعية"، وفقا لتقرير اللجنة.
وقال التقرير: "كان المسؤولون الأتراك يعرفون و / أو تعمدوا التعمية عن الأدلة على أن هؤلاء الأفراد سيستخدمون هذا التدريب لارتكاب أعمال محظورة ضد الأيزيديين"، حسب ما نقلته صحيفة "الغارديان".
وأقر التقرير المكون من 278 صفحة أنه بحلول يونيو 2014، دعا العراق الأمم المتحدة إلى الاعتراف بالفظائع التي ارتكبها تنظيم "داعش"، لكنه اتهم الحكومة العراقية بـ"عدم التنسيق مع السلطات الكردية أو اتخاذ تدابير لإجلاء الإيزيديين إلى بر الأمان".
وأوضح التقرير أن الحكومة السورية "فشلت في منع نقل واحتجاز الإيزيديين على أراضيها".
وأيدت نتائج التحقيق محامية حقوق الإنسان البريطانية، هيلينا كينيدي، وقالت إن "تركيا يجب أن تواجه اتهامات أمام محكمة العدل الدولية بالتواطؤ في أعمال إبادة جماعية ضد الإيزيديين"، وفقا للصحيفة.
"اتهامات مزعومة"
من جانبه قال السفير التركي لدى بريطانيا، أوميت يالتشين، إن "الانتقادات لا أساس لها وغير عادلة".
وأضاف "منذ السنوات الأولى للصراع في سوريا لعبت تركيا دورا رئيسيا في حماية المدنيين والأقليات السورية بمن فيهم الإيزيديون من هجمات وانتهاكات الجماعات الإرهابية"، وفقا لما نقلته الصحيفة عنه.
وأشار إلى أن "تركيا فتحت أبوابها وأصبحت ملاذا آمنا لملايين السوريين والإيزيديين"، مضيفا أنها وفرت الحماية لشعوب المنطقة من خلال ثلاث عمليات لمكافحة الإرهاب في سوريا، على حد قوله.
وتابع" يعيش الإيزيديون اليوم بسلام في مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة السورية في شمال غرب سوريا".
وخلال العام الماضي، حاولت عائلات أيزيدية العودة إلى ديارها في شمال شرق سوريا ولكن تم منعها من قبل حزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب الكردية، حسب السفير التركي في بريطانيا.
وفي سياق متصل، نفى الأكاديمي والباحث السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، الاتهامات الواردة في التقرير، وقال إنها "ليست جديدة".
ولم ترتكب تركيا تلك الجرائم "المزعومة"، وهناك جهات أممية مخولة بالتحقيق في جرائم الإبادة الجماعية، وليس كل من يطلق الاتهامات يكون "ذو مصداقية"، وفقا لحديث أوغلو لموقع "الحرة".
وعن الاتهامات الموجة لتركيا بغض الطرف عن "تدريبات داعش" على الحدود، يقول أوغلو: "هذه الحدود ليست خاضعة للسيطرة التركية، وهناك انفلات حدودي في سوريا والعراق".
وتشن القوات التركية على نحو متكرر عمليات ضد القواعد الخلفية لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق، الذي تصنفه "إرهابيا"، وهو ما يتسبب في معاناة للمدنيين في تلك المنطقة، وفقا لفرانس برس.
ونفذت تركيا بمساعدة الجيش السوري الحر المعارض أربع عمليات في شمال سوريا منذ عام 2016، واستولت على مئات الكيلومترات من الأراضي، وهو ما تصف دمشق بـ"انتهاك لسيادتها وسلامة أراضيها"، وفقا لـ"رويترز".
واعترف أوغلو بوجود "ضحايا مدنيين" نتيجة التدخل التركي في سوريا والعراق، لكنه يصف ذلك بـ"كلفة متوقعة للحرب ضد الإرهاب".
وتتخذ بعض "الفصائل الإرهابية" من قرى المدنيين مقرا لها، وتستخدم تلك المقرات لاستهداف تركيا، لكن أنقرة تحاول قدر الإمكان تركيز هجومها على تلك التنظيمات وتتجنب "استهداف المدنيين"، حسب حديث أوغلو.
وتبنت الأمم المتحدة قانون الناجيات الإيزيديات في مارس 2021، ويعترف القانون بالجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش ضد النساء والفتيات من الأقليات، بما في ذلك الاختطاف والاستعباد الجنسي والزواج القسري والحمل والإجهاض، كإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية.
وقد شن داعش، خلال فترة احتلاله لأجزاء من العراق، حملة إبادة جماعية ضد الإيزيديين الذين يعيشون في شمال البلاد. وتعرض الآلاف منهم لعنف لا يمكن تصوّره بسبب هويتهم، بما في ذلك العنف الجنسي والإعدامات الجماعية والإجبار على تغيير الديانة وغيرها من الجرائم. ولا يزال الكثير منهم في مخيمات النزوح أو في عداد المفقودين، بحسب الأمم المتحدة.