صورة أرشيفية لطفل من الموصل شمال العراق يلهو ببندقية بلاستيكية خلال شهر رمضان 2020
صورة أرشيفية لطفل من الموصل شمال العراق يلهو ببندقية بلاستيكية خلال شهر رمضان 2020

قبل أيام من حلول عيد الأضحى، أجرت السلطات الأمنية العراقية حملات تفتيشية للأسواق ومراكز التبضع الرئيسة، بهدف مصادرة الألعاب النارية وأسلحة الأطفال ذات الاستخدام الخطر، التي يتزايد الطلب عليها في المناسبات العامة.

وشكلت ظاهرة حيازة الألعاب على شكل أسلحة ذات خراطيش بلاستيكية ومعدنية، بالإضافة للمفرقعات النارية ذات الحجوم والأنواع المختلفة، صدارة اهتمام الأطفال، حتى باتت المناسبات والأعياد في العراق ساحة حرب جنودها أطفال.

في تصريح لـ"ارفع صوتك"، يقول المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد المحنا، إن "أغلب الألعاب النارية تدخل البلاد عبر توريدات غير رسمية، إما عن طريق التهريب أو تضمينها عناوين أخرى بغرض تمريرها رسمياً".  

ويؤكد أن "دوائر الوزارة بدأت بتنفيذ حملات توعوية وتثقيفية تشمل الأسواق والمناطق خصوصاً الشعبية منها، للتنبيه بمخاطر تلك الألعاب وتهديدها للإنسان".

من جهته، يقول الخبير القانوني علي التميمي، إن "الأمر بات يتطلب حلولاً ومعالجات كبقية الدول التي عملت على هذا الجانب، ويقع ذلك على كاهل وزارة الداخلية".

وبشأن الحملة التي أطلقتها السلطات الأمنية بتقييد الألعاب النارية، يصفها التميمي بـ"الخطوة المهمة"، مردفاً "جاءت منسجمة مع القوانين النافذة التي تمنع المتاجرة أو استخدام الأسلحة المستخدمة كألعاب للأطفال التي تسبب الضرر وتشكل خطراً على المجتمع".

ويوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "من بين تلك القوانين قانون حظر الألعاب النارية وحظر الألعاب المحرضة على العنف (رقم ٢ لسنة ٢٠١٢) والاستيراد أو تصنيع أو تداول أو بيع الألعاب المحرضة على العنف أي الألعاب النارية، حيث عاقب عليها القانون بالحبس ٣ سنوات وبالغرامة ١٠ مليون دينار لمن فعل ذلك".

 

الحروب وألعاب الفيديو

ويعزو خبراء ومختصون في العلوم الاجتماعية والنفسية ازدياد إقبال الأطفال على التسلية بالأسلحة والألعاب النارية والمفرقعات، إلى طبيعة الأحداث التي عاشتها البلاد وما زالت تحت وطأتها من حروب واقتتال ونزعات عشائرية وتقاليد ضربت بجذورها عقلية الفرد بما يأصّل ثقافة العنف.

الأكاديمي والمختص بعلم الاجتماع جاسم الساري، يروي لـ"ارفع صوتك"، جملة من الأسباب التي أذكت غزيرة الطفل ورفعت من رغباته في اقتناء الألعاب العنيفة والخطرة.

يقول: "الحروب وعسكرة المجتمع في ثمانينيات القرن الماضي وحتى ما قبلها، وصعوداً إلى ما بعد 2003، وشيوع السلاح المنفلت، نمت ذائقة الفرد العراقي بشكل عام نحو البندقية والبارود والحلول العنيفة، مما سمح بتناقل تلك الثقافات إلى الأبناء من الأطفال والمراهقين".

"اليوم ما نلاحظه من تنامي ذلك اللون من الميل يعكس حقيقة تلك التراكمات والحوادث التي سجلتها البلاد، وبات علينا التفكير بشكل أكثر جديّة في قطع الطريق على تلك الجينة المعنفة خشية انتقالها إلى الأجيال اللاحقة"، يضيف الساري.

ويشير إلى أسباب أخرى شجعت على شيوع تلك الظاهرة، من بينها الألعاب الإلكترونية، خصوصاً لعبتي "البوبجي"، و"زومبي"، وغيرها المعروفة بطبيعتها الحربية والترغيب باستخدام الأسلحة والقتال وحروب الميدان العسكرية.

الفنان وسفير الطفولة في العراق هاشم سلمان، يتحدث عن ذلك الأمر بحسرة وألم كبيرين، لكون الأطفال وعلى حد قوله يعيشون اغتراب أعمارهم بالقفز بهم نحو لغة غريبة وأساليب تمكن فيهم روح العنف على حساب المعرفة والوعي.

ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "البلدان المصنعة للمفرقعات والألعاب النارية هي ذاتها تحظر استخدامها في الداخل فكيف بنا ونحن ساحة مفتوحة ومباحة لتلك الوسائل المدمرة".

ويقود سلمان حملة ميدانية وعبر وسائل الإعلام لتقييد استخدام الألعاب النارية من قبل الأطفال والتنبيه بمخاطرها الجسدية والاجتماعية مستقبلاً.

 

"عين صديقي"

في نفس السياق، يروي مصطفى رياض (29 عاماً) ، من محافظة بغداد، قصته مع ابن أحد أقربائه البالغ من العُمر 11 عاماً.

يقول لـ"ارفع صوتك": "في العام الماضي كان حفيد عمّي يريد شراء بندقية (بلاستيكية) من النوع الحديث فمنعته عن ذلك، ليشتري لعبة أخرى".

والسبب حسب مصطفى، أن هذا النوع من الألعاب "مضر في المقام الأول، من جهة الإصابات التي تخلفها للأطفال خصوصاً في العين ومحيطها، وثانياً لأنها تشجع على العنف ومحظورة رسمياً للأطفال".

في المقابل، يرى أن "ألعاب السيارات والفيديو البديل الأفضل للأسلحة".

ويتابع مصطفى: "ذكرياتي جداً مؤلمة مع هذه الألعاب، لأنها أفقدت عين أحد أصدقائي عندما كان يلعب في الشارع، وهذه الألعاب بالنسبة لي وللكثير من الأهالي مرفوضة، لكنهم يشترونها أغلب الوقت بسبب ضغط الأطفال".

 

تحذيرات رسمية

وأوّل الشهر الجاري، حذرت مديرية شرطة بغداد من بيع ألعاب الأطفال التي يستخدم فيها الصچم (الخردق) والليزر.

وأورد بيان الشرطة: "استناداً لما جاء بقانون حظر الألعاب المحرضة على العنف (رقم 2 لسنة 2013) وحفاظاً على سلامة الأطفال الأبرياء من الإصابات التي تسببها ألعاب الأطفال التي تعمل بالصچم، حذر قائد شرطة بغداد جميع أصحاب محال بيع ألعاب الأطفال سواء كانوا بائعي الجملة أو المفرد في الشورجة أو خارجها من بيع ألعاب الأطفال التي يتم فيها استخدام الصچم والليزر".

ولم تعد لعب الأطفال كسابق عهدها قبل نحو عقدين من الزمن، بعد أن كانت مختصرة على أسلحة بلاستيكية خالية المخاطر في الاستخدام، وكذلك دمى ومكعبات هندسية ووسائل تسلية أخرى، لا تخلو من أنشطة ذهنية وفكرية تساعد على تطوير مهارات تلك الاعمار.

وكانت وزارة الصحة أطلقت على لسان متحدثها سيف البدر، تحذيراً قبيل أيام من عيد الفطر الماضي، من الألعاب النارية، خصوصاً أن بعضها يتسبب بإصابات بالغة تؤدي إلى تلف كبير في العين أو فقدانها أو حصول حوادث حريق .

وسجلت مستشفيات وزارة الصحة العراقية نحو 100 إصابة خلال احتفالات رأس السنة الحالية، بحسب إحصائية رسمية.

وكانت استشارية مجلس الأمن الوطني ناقشت في مارس الماضي، ضوابط استيراد وتداول الألعاب النارية، موجهة بتشكيل لجنة مشتركة من الجهات ذات العلاقة، لمراجعة وتعديل التعليمات الصادرة بشأنه، بما ينسجم مع التطور والاستقرار الأمني الذي يشهده العراق.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.