تسلّل اليأس إلى قلب هيرش، الكردي العراقي الذي يكاد راتبه لا يكفيه إلى نهاية الشهر فيما النزاعات السياسية استنفدت صبره.
يقول "لا مستقبل هنا"، مشيرا إلى أنه يسعى إلى الهجرة مع عائلته بشكل غير قانوني إلى أوروبا... مرة أخرى.
يقطن هيرش الطالب البالغ من العمر 36 عاماً في حيّ من أحياء السليمانية، ثاني مدن إقليم كردستان العراق، في الطابق الأول من منزل فسيح مع زوجته وابنيه.
في غرفة الجلوس، يشاهد ابنه هاودين البالغ من العمر ثماني سنوات برنامج "بيبا بيغ" Peppa Pig، بينما يلعب ابنه الآخر هزان بالكرة.
يقول الفتى البالغ من العمر 12 عاماً بإنكليزية جيّدة "أنا أعشق ريال مدريد، أنا من المعجبين ببنزيما".
لكن هذه الصورة الأولى لعائلة من الطبقة الوسطى، خادعة. قريباً، يقول هيرش إنه سيحزم وعائلته الحقائب ويحاولون من جديد سلوك طريق الهجرة غير القانونية إلى أوروبا، على غرار آلاف الأكراد العراقيين.
لا يفصح هيرش عن الطريق الذي سيسلكه إلى أوروبا: هل تكون المحطة الأولى تركيا ومن هناك بحر إيجه ثمّ اليونان؟ يرفض كشف تفاصيل عن رحلته.
كلّ ما يقوله لوكالة فرانس برس، أنه يرغب بالوصول إلى المملكة المتحدة. ويضيف "في حال لم أتمكن من الوصول إلى بريطانيا، سأبقى في ألمانيا".
ويشرح الرجل "في هذه البلدان، يمكن لك أن تعمل وأن تضمن دراسة لأولادك"، مضيفاً "أنا أهتم بحياة أولادي أكثر من نفسي".
ويبين أن لديه دافعا قويا لإخراج عائلته من "هذه الغابة" حيث غالباً ما يفوّتون حصصاً مدرسية بسبب إضراب المعلمين اليائسين هم أيضا من عدم تقاضي رواتبهم.

"ترهيب"
يعمل هيرش في مكتب طباعة بالإضافة إلى وظيفته في إحدى دوائر الحكومة المحلية في إقليم كردستان. ويقول متململاً "الحكومة تطلب منا العمل، لكن بالمقابل لا تدفع لنا الرواتب المتراكمة منذ سنوات".
ونجح إقليم كردستان الذي يتمتّع بحكم ذاتي واسع، في الترويج لمنطقة مستقرّة قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية.
بالنسبة لسكان الإقليم، الواقع مختلف تماماً. فنسبة البطالة في الإقليم وصلت عام 2021 إلى 17,4% من القوة العاملة في المنطقة، مقابل 14% على مستوى العراق، وفق وزارة التخطيط العراقية.
وتعيش عائلتان من ثلاث على راتب أو إعانة من الحكومة، لكنّ هذه المعاشات الشهرية تتأخّر دائماً على خلفية الخلاف بين الحكومة المحلية والحكومة الاتحادية. وتتهم أربيل الحكومة الاتحادية بأنّها لا تقوم بدفع الحصة المخصصة لموظفي الإقليم في الموازنة الاتحادية.
من جهته، يقول شيفان فاضل الباحث في مركز "انترناشونال بيس ريزرتش" في ستوكهولم: "في السنوات الأخيرة، ترافقت الأزمة الاقتصادية مع فكرة أن الفساد بات مستشرياً، وعدم المساواة إلى تزايد، وأن الوضع السياسي بحالة جمود".
"تلك هي العوامل الرئيسية التي أطلقت موجة الهجرة الأخيرة من إقليم كردستان"، حسب فاضل.
تضاف إلى ذلك عمليات "الترهيب" و"التوقيفات التعسفية" التي تقوض حريّة التعبير، كما يشير تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2021.
وليس تهديد السلاح بعيداً أيضاً عن الإقليم. ففي شمال العراق، تشنّ تركيا عمليّة عسكرية تقول إنها تستهدف قواعد لمتمردي حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة "إرهابياً".

جوازات سفر مزوّرة
ويعرب هيرش عن استيائه من "الصراعات السياسية" في الإقليم الغنيّ بالنفط، وتمسك بزمام الأمور فيه عائلتان: بارزاني في أربيل وطالباني في السليمانية.
يقول "الآن جاء دور أبنائهم"، مندداً بالقيادات "المنفصلة عن الواقع" الصعب للمواطنين. ويتحدّث عن تعرّضه إلى "تهديدات"، دون أن يوضح ماهيتها.
على غرار آلاف المهاجرين من إقليم كردستان، وجد هيرش نفسه الخريف الماضي عالقاً على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا.
وبين أكتوبر وديسمبر 2021، حاول هيرش وعائلته ثلاث مرات الدخول إلى بولندا. في المرتين الأوليين، دفع المال لمهرّب ليساعده.
ويروي أنه أثناء محاولة عبور الحدود: "هاجمنا كلب مع مجموعة من رجال الشرطة. هاجم الكلب ولدي. ودفاعاً عن ولدي، ضربت الكلب، فقام رجال الشرطة بمهاجمتنا وضربوني بقوة، ثم اعتقلونا".
في محاولتهم الثالثة، حصل هيرش وعائلته على جوازات سفر يونانية مزوّرة.
ويروي الرجل "حاولنا أن نعبر الحدود عن طريق بريست، آخر مدينة بيلاروسية... لكن اعتُقلنا بسبب الجواز المزوّر، وأدخلونا السجن لمدة أسبوع".
رُحّل هيرش إلى إقليم كردستان في ديسمبر، لكن كلّ تلك الصعوبات لم تخرج من رأسه فكرة الرحيل والمحاولة من جديد "للخروج من هذه الغابة" على حدّ تعبيره.
