العراق

عمل تطوعي يقابله نبذ اجتماعي.. غاسلات الموتى في العراق

12 يوليو 2022

أمام باب المطبخ في باحة المنزل الخارجية، شرعت الأخوات الثلاث بتعليق ستائر من القماش كحواجز تغطي جثة جدتهن التي ستبدأ الحاجة عالية (56 عاماً)، بطقوس غسلها وتكفينها.

هكذا تسرد الحاجة عالية، وهي امرأة تأخذ على عاتقها مهمة تغسيل الموتى من النساء والأطفال واحدة من القصص التي واجهتها، فتقول لـ "ارفع صوتك" إن "حمام المنزل كان صغيراً، لذا اضطررنا لاستغلال باحته الخارجية بعد إحاطة السرير بستائر من الجهات كافة، كي نتمكن من غسلها وتكفينها". 

في الغالب، تنفذ طقوس غسل جثث النساء في منازلهن، لكن البعض منهم ما زالوا يفضلون غسلهن في غرف خاصة متوافرة في الجوامع والمساجد، أو في مغتسلات خاصة بالنساء في المقابر.

وترى الحاجة التي توارثت هذه المهمة من والدتها أنها تطوعية، غايتها مساعدة الناس في محنة الفقد. 

بدأت عالية المهنة حين كانت شابة في التاسعة عشرة، وكان الخوف الشديد من رؤية الموتى والاقتراب منهم يتملكها، وقبل أن يتبدد مع مرور الأيام، رفضت الدخول مع والدتها ومساعدتها في تغسيل الجثث مراراً.

ولا تجني أموالاً تُفرض على أهل المتوفاة مقابل تغسيل الجثة، باعتباره "عملاً تطوعياً" والأمر متروك للأهل بالدفع من عدمه.

"غاسلات الموتى في السابق كن لا يطلبن المال من أهل الميت، إذ كان المتعارف عليه أن يمنح خاتم المرأة المتوفاة هدية لمن تقوم بغسل جثتها"، تضيف عالية.   

ودأبت النساء في السابق على أن يتركن وصية لكل من يعيش معهن في "أن الخاتم الذي تواظب إحداهن على ارتدائه في إصبعها طيلة حياتها، من نصيب المرأة التي ستقوم بتغسيل جثتها وتكفينها". 

وفي الوقت الحالي، تتخذ الكثير من غاسلات الموتى من فكرة الحصول على مناشف تغسيل الجثة، ثمناً لعملهن التطوعي بذريعة أن الكثير من عائلات الميت لا يتمكنون من شراء المناشف لتدني مستواهم المعيشي.  

وواجهت الحاجة عالية الكثير من القصص خلال مهمتها هذه التي تعد رسمية ومرخصة من قبل الجهات الحكومية، بعضها تبدو غريبة وغير متداولة، لذلك فهي ترى أنها من "أخطر وأقدس المهام التي من الممكن أن تُستغل بطريقة غير إنسانية" وفق تعبيرها.

 

نظرة المجتمع

الكثير من اللواتي يتطوعن بهذه المهمة يتعرضن للابتزاز والاستغلال، خصوصاً من قبل العاملين في  السحر والشعوذة، وهدفهم الحصول على "المياه التي تغتسل فيها الجثة أو خصلة شعر من رأسها أو الصابونة، مقابل مبالغ مالية كبيرة"، كما تقول أم علي (62 عاماً).  

كما تمثل نظرة المجتمع تحدياً كبيراً، فالكثير من الناس يرفضون الاقتراب منهن أو التعامل اليومي معهن أو تناول الطعام أو الماء من أيديهن.

تضيف أم علي، لـ"ارفع صوتك" أن "من تعمل بتغسيل الموتى تواجه الكثير من التحديات في تعاملها مع الآخرين وخاصة المعارف والأقارب والجيران، لشعورهم بالقرف أو التقزز، لأن الأمر يتعلق بجثة ميت".

"بل يتعداه الأمر إلى الابتعاد عن الزواج من أبناء وبنات غاسلات الموتى، إلاّ إذا كانوا ينحدرون من عائلات تمتهن بعض الأعمال المشابهة أو التي تتعلق بالميت، إذ يرى البعض أن هناك علاقة بين هذه المهمة وممارسات السحر والشعوذة، بينما غيرهم لا يشعر بالراحة النفسية عند الاقتراب منا أو التعامل معنا"، تتابع أم علي.

وتؤكد أن هذه المهنة التي تعلمتها من زوجها دافن الموتى "من أصعب الأعمال، خاصة عند النساء، لقلة أعدادهن التي تزيد من مشقته".

وتقول أم علي أن هذه المهنة تأتي بالوراثة بين نساء العائلة ورجالها، ونادراً ما ينخرط فيها أحد لا تاريخ عائلي يجمعه بها.

 

فيروس كورونا

أخت زوجها سماح عبد (43 عاماً)، المتزوجة من رجل يعمل في بيع الأعشاب الطبية، عملت أيضاً في غسل الموتى لكنها لم تتمكن من الاستمرار لأنها فضلت حياة أخرى. 

تقول سماح لـ "ارفع صوتك"، إن "قرار الابتعاد عن مهمة غسل الموتى، كان مع انتشار فيروس كورونا خشية انتقال العدوى إليها".

يظهر الحزن على وجه سماح عندما تتحدث عن القصص التي واجهتها في تغسيل الموتى، فهي لا تحبها ولكنها كانت مضطرة بسبب ضغوط زوجها.

تضيف "كثيرون لا يتقبلون أصحاب المهن التي لها علاقة بالموت والجنائز والقبور. بالنسبة لهم، ترتبط هذه المهن ارتباطاً وثيقاً بمن هم أدنى منهم مكانة ويتعاملون بفوقية كبيرة، فضلاً عن شعورهم الدائم بأنهم قد ينقلون الأمراض النفسية وخاصة المتعلقة بالجن".

لكن انتشار الوباء كان "منقذها"، موضحة أن "قلق زوجها على حياتهما وأطفالهما كان وراء الابتعاد عن هذه المهنة". 

وتشير سماح إلى أنها لم تتقبل يوماً هذه المهنة التي مارستها بشكل متقطع لأكثر من تسع سنوات، لأنها كانت تدفعها للشعور بالاكتئاب والحزن، فتمضي أياما بلا طعام أو تعود على طبيعتها بعد كل عملية غسل.

"مهما كان الدافع إنساني وتطوعي وراء تغسيل الموتى، فإن العديد من الناس يجدون الأمر صعباً، وغالباً ما يتحدثون معك وكأنك شخصاً غير مقبول أو غير طبيعي"، تقول سماح.

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.