الصورة من مدينة كربلاء/ المصدر: صفحة الناشط يوسف سيرجيو على تويتر
الصورة من مدينة كربلاء/ المصدر: صفحة الناشط يوسف سيرجيو على تويتر

قال رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، مصطفى الكاظمي إن القوات التركية "ارتكبت مجدداً انتهاكاً صريحاً وسافراً للسيادة العراقية وحياة المواطنين العراقيين وأمنهم، باستهداف أحد المصايف السياحية في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، اليوم الأربعاء بقصف مدفعي".

"مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى بين المدنيين العزّل، وأغلبهم من النساء والأطفال"، أضاف الكاظمي.

ووصف القصف بـ"الاعتداء الغاشم"، مؤكداً أنه "يثبت أن الجانب التركي لم يعر الانتباه لمطالبات العراق المستمرة بإيقاف الانتهاكات العسكرية ضد الأراضي العراقية وأرواح العراقيين".

وتابع الكاظمي: "العراق إذ يقدر ويلتزم بمبادئ حسن الجوار، ويرفض رفضاً قاطعاً استخدام أراضيه من قبل أي جهة للاعتداء على جيرانه، فإنه يرفض في المقابل استخدام المسوغات الأمنية لتهديد حياة المواطنين العراقيين، والاعتداء على أراضي العراق، بما يعدّ تنصلاً من مبادئ حسن الجوار والاتفاقات الدولية".

وبيّن أن العراق "يحتفظ بحق الرد على هذه الاعتداءات وسيقوم بكل الإجراءات اللازمة لحماية شعبه وتحميل الطرف المعتدي كل تبعات التصعيد المستمر".

ويأتي ذلك رداً على مقتل 8 مدنيين على الأقلّ، الأربعاء، وإصابة 20 آخرين بجروح، في قصف تركي طال منتجعا سياحيا في زاخو بإقليم كردستان شمال العراق، حسبما نقلت فرانس برس عن مصادر محلية.

وسبق الكاظمي تصريحات رسمية تدين الاعتداء، من رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بالإضافة إلى خطاب شديد اللهجة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي انتقد بيان وزارة الخارجية العراقية واصفاً إياه بـ"الهزيل".

وطالب الصدر بـ"تقليل التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، وغلق المعابر والمطارات بين البلدين"، بالإضافة إلى "رفع شكوى لدى الأمم المتحدة وبالطرق الرسمية، وإلغاء الاتفاقية الأمنية مع تركيا".

فيما كتب الحلبوسي: "لا ينبغي أن يكون العراق ساحةً مفتوحةً لتصفية الحسابات الإقليمية والصراعات الخارجية، ويدفع لأجلها العراقيون فواتير الدماء بلا طائل. ندعو الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق، واعتماد كلِّ السبل؛ لحفظ البلاد، وحماية أبناء الشعب".

وكان مئات النشطاء والإعلاميين العراقيين وغيرهم من رواد مواقع التواصل، طالبوا الحكومة العراقية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، رداً على ما وصفوه بـ"المجزرة"، التي نالت من مدنيين  ذهبوا للمصيف وعادو "في توابيت". 

واستخدم العراقيون وسم #طرد_السفير_التركي للتعبير عن مواقفهم وغضبهم تجاه ما حدث، كما قامت مجموعة من المتظاهرين بإغلاق مركز لإصدار الفيزا (التأشيرة) التركية وإنزال العلم التركي في محافظة النجف.

وتصدر الوسم إلى جانب وسمي "القصف التركي" و"النجف"، الترند العراقي، حتى إنهاء كتابة هذا التقرير، في تصعيد إلكتروني كان متبوعاً على الفور بردود فعل غاضبة على الأرض.

الترند العراقي على تويتر

وتظاهر "المئات من الشباب الغاضبيين أمام السفارة التركية في الوزيرية وسط بغداد" حسب ما نشر الناشط العراقي يوسف سيرجيو.

وفي كربلاء أيضاً، تم إغلاق مركز الفيزا، وكتب المتظاهرون شعارات منددة على جدرانه.

الصورة من مدينة كربلاء/ المصدر: صفحة يوسف سيرجيو على تويتر

الكاتب العراقي إياد العنبر، غرد عبر تويتر قائلاً "الدولة التي يحكمها جبناء وفاسدين و.. من الطبيعي أن تكون دماء شعبها رخيصة، وسيادتها مستباحة".

الروائية العراقية شهد الراوي، علقت أيضاً على ما جرى بتغريدة: "ما تقوم به تركيا من قصف الأراضي العراقية، وقتل المدنيين الأبرياء هو عدوان سافر وبربري في كل القواميس والشرائع الدولية. الرد الحكومي على هذا العدوان، يجب أن يكون بمستوى الأرواح البريئة التي فقدها الوطن اليوم وكل يوم". 

وغرّد الناشط زايد العصّاد بقوله "ما تم الاعتداء عليه وقصفه ليست ثكنات يسكنها الإرهابيون، ولا مناطق اشتباك ولا حدود خالية من المدنيين، الذي تم قصفه مصيف هرب العراقيون إليه لسرقة لحظات بسيطة وهادئة بعيدًا عن مصائب الحياة لتواجههم المدفعية التركية وتقضي على حياتهم بفسحتها ومصائبها".

وبرفقة الهاشتاغ نفسه، غردت الإعلامية سجد الجبوري صورة لأحد الأطفال المصابين في القصف، قائلة "لمن يمتلك أسلحة ثقيلة ويريد تصفية حساباته ويحفظ أمنه القومي على حساب جيرانه "العراق أسهل خيار لكم.. شعبه لا بواكي لهم ولن يحاسبكم أحد".

وعبر تطبيق "كلوب هاوس" ناقش عشرات العراقيين ردات الفعل الرسمية، والردود الممكنة على الأرض، ودعا منطمو النقاش إلى تظاهرة، صباح غد الخميس، أمام مبنى السفارة التركية في بغداد.

وبعض المحاورين اعتبر أن قطع العلاقات الدبلومسية والتجارية بين العراق وتركيا، ليست "بهذه البساطة"، باعتبار أن "المتضرر الأكبر" منها سيكون العراق ومواطنيه.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.