حيدر العبادي، وقاسم الأعرجي
حيدر العبادي، وقاسم الأعرجي

على وقع أحداث متسارعة تجري القوى السياسية في بغداد وكردستان، حوارات توصف بمفاوضات "الأمتار الأخيرة"، قبيل تعيين الجلسة البرلمانية المرتقبة الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية.

وتأتي تلك المباحثات العاجلة والإصرار على تجاوز نقاط الخلاف داخل الفريقين، متأثرة بالتسريبات المنسوبة لرئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، التي أشعلت الرأي العام وفتحت باب الاحتمالات على مصراعيه، مما يقتضي تدارك الفراغ وتجنب غضب الشارع العراقي الذي بات على حافة الانفجار.

وتتوزع الأزمة الراهنة عند جبال كردستان وغرف العاصمة بغداد، على أمل ان ينتهي كل فريق من تصفية المواقف ومن ثم الجلوس معاً للمضي بتحالف ينبثق منه الكتلة النيابية الأكبر صاحب التخويل في تكليف مرشح رئاسة الوزراء لتشكيل الحكومة.

نوري المالكي في صورة  من أرشيف فرانس برس- 2017
"الإطار التنسيقي": المالكي والعامري لن يترشحا لرئاسة الوزراء
ويأتي بيان الإطار، وهو تكتل للأحزاب الشيعية العراقية، بعد يوم واحد من بيان لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، طالب فيه المالكي، بالتنحي والاعتكاف عقب "تسريبات صوتية" منسوبة لرئيس الوزراء الأسبق يتناول فيها الصدر بكلمات مثل "حرامي" و "قاتل".

فيما يخرج البيت السني من مجريات مشهد الأطراف المتنافسة بعد أن حصد نصيبه مقدماً بالحصول على رئاسة البرلمان في جلسة وصفت حينها بـ"الصاخبة" في يناير الماضي.

وكان الحزب الديمقراطي الكردستاني أنهى، الاثنين الماضي، جولة تفاوضية قادها وزير الخارجية العراقية فؤاد حسين مع وفد الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، جاءت مخرجاتها الأولية ببوادر انفراج نهائي لأزمة اختيار مرشح رئيس الجمهورية.

وتسربت من خلال ذلك اللقاء أنباء عن اتفاق كردي- كردي بشأن العديد من الملفات الخلافية بين الجانبين، منها إجراء الانتخابات النيابية في كردستان المتوقعة أكتوبر المقبل، والتفاهم على توزيع المناصب والأدوار بما يأتي كمقدمة لحسم الخلاف بين مرشحي الطرفين لرئاسة الجمهورية.

النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، جياي تيمور وفي حديث لـ"ارفع صوتك"، يؤكد أن "اجتماع السليمانية كان إيجابياً ورشحت منه بوادر لانتهاء عقدة تسمية مرشحي رئاسة الجمهورية".

وعقب انتهاء الاجتماع في السليمانية، زار رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافال طالباني الزعيم الكردي مسعود البارزاني في مقره بمصيف صلاح الدين في أربيل، لتكون جسلتهما بمثابة استكمل لتلك المناقشات وكتابة الورقة الأخيرة التي سيحملها الكرد معهم إلى بغداد.

في هذا، يقول تيمور إن "هناك ثلاث طروحات ومقترحات أحدها قدمه الاتحاد بأن يتنازل عن جميع المناصب السيادية في الحكومة الاتحادية المقبلة، مقابل تولي مرشحه برهم صالح المنصب لولاية ثانية، وطرح الديمقراطي ذات الفكرة بأن يتنازل هو أيضاً عن المناصب مقابل منصب الرئيس".

"والطرح الثالث تضمن طلب الديمقراطي تنازل برهم صالح عن الترشيح مقابل تقديم الحزبين مرشح تسوية كردي للمنصب من المستقلين وهناك عدة أسماء"، تابع تيمور.

وقدم الاتحاد الوطني الكردستاني، صالح المنتهية ولايته، مرشحاً لرئاسة الجمهورية فيما يرشح الديمقراطي الكردستاني ريبر أحمد لشغل ذلك المنصب.

ومنذ تشكيل أول حكومة برلمانية منتخبة عام 2006، جرت الأعراف السياسية على أن يكون منصب رئيس الجمهورية من نصيب الكرد وتحديداً من الاتحاد الوطني الكردستاني، يقابله تقديم تنازلات لغريمه التقليدي الديمقراطي إزاء المناصب الوزارية في بغداد وكردستان.

العداء بين المالكي والصدر مستمر منذ عام 2006- من أرشيف فرانس برس
"حرب التسريبات".. هل تنتهي حياة المالكي السياسية "إلى الأبد"؟
ويقول المعموري في حديث لموقع "الحرة" إن "ما يطلبه الصدر من حلفاء المالكي صعب، لكنه غير تعجيزي، ويبدو أن الصدر يريد استغلال الخلاف الأخير بين كتل الإطار الشيعي السياسية لإخراج عدوه التقليدي، نوري المالكي، من المعادلة، وربما إلى الأبد".

وفي بغداد، أنهى الإطار التنسيقي اجتماعاً، الثلاثاء، انبثق عنه تشكيل لجنة داخلية مؤلفة من أربع قياديين مهمتها تسمية مرشح رئيس الوزراء.

وأوردت وكالة "بغداد اليوم" العراقية، أن مصادر مطلعة أكدت "اختيار أربع شخصيات قيادية في الإطار لتسمية رئيس الوزراء المقبل على أن يتم طرحها في اجتماع تقرر عقده، اليوم الأربعاء".

وأوضحت المصادر أن "اللجنة التي شكلها الإطار التنسيقي لاختيار رئيس الوزراء تضم أربعة قياديين من الخط الأول، هم: همام حمودي، وقيس الخزعلي، وعمار الحكيم، وعبد السادة الفريجي".

"والمرشحون لرئاسة الوزراء هم حيدر العبادي ومحمد السوداني وعبد الحسين عبطان وعلي شكري وقاسم الأعرجي "، حسب المصادر، لافتةً إلى أن "الأوفر حظ بينهم العبادي والأعرجي".

وأشارت إلى أن "عدة محددات وضعت لاختيار شخصية رئيس الوزراء، سيتم على ضوئها اختيار شخصية مقبولة لدى جميع الأطراف".

يتزامن مع ذلك تصريح متلفز لنوري المالكي، أكد من خلاله "أن رئيس الوزراء المقبل سيكون من الخط الثاني ضمن الإطار التنسيقي"، متبعاً بالقول : "إلا أننا بانتظار التوافق الكردي بشأن رئاسة الجمهورية".

من جانبه يؤكد عضو كتلة الفتح، علي حسين لـ"ارفع صوتك"، أن "الإطار التنسيقي في جلسة مفتوحة وعلى مدار الأيام المقبلة انتهاءً بانعقاد جلسة البرلمان التي سيتم فيها التصويت على مرشح رئاسة الجمهورية وتسمية مرشح رئاسة الوزراء".

ويوضح أن "اللجنة المشكلة ستضع المرشحين لرئاسة الوزراء وفق المعايير والمواصفات التي حددها الإطار وإذا ما تم طرح شخصية واحدة سيكون التوافق عليها بالأجماع".

 "وإذا ما طرحت اللجنة أكثر من مرشح ستخضع للتوافق من قبل أقطاب الإطار العشرة وفي حالة عدم الحسم سيتم اللجوء إلى الهيئة العامة"، يتابع حسين

ويستكمل مجلس النواب غداً الخميس، جلسته التي بدأها، الاثنين، في استضافة قادة الكتل السياسية للوقوف على آخر التطورات التي وصلت لها الأطراف الكردية والشيعية بشأن تسمية رئيس الجمهورية والوزراء.

ويجري الحديث عن انعقاد جلسة مرتقبة لمجلس النواب الأسبوع المقبل ستكون مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح الكتلة النيابية الأكبر لرئاسة الوزراء.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.