سمي العراق قديما بأرض السواد، لكثرة أشجاره ونخيله وبساتينه العامرة ذات اللون الأخضر القاتم المائل للسواد. وكان تنوع التضاريس والتربة والمناخ عاملا أساسيا في إثراء البلاد بأنواع مختلفة من الزروع. فتلك التي تتطلب أجواءً حارة وأكثر جفافا تزرع في جنوب البلاد، والتي تنبت في الأجواء المعتدلة تزرع في الوسط، والأشجار التي تثمر في بيئة باردة وممطرة أو في سفوح الجبال أو بين أحواض الوديان تزرع في شمال البلاد.
ومن أهم الثروات العراقية الضاربة في القدم زراعة النخيل وتجارة التمور. فأرض العراق الخصبة في الجنوب والوسط، فضلا عن الأجواء الحارة، تمثل بيئة مناسبة لزراعة الخيل.
وتمثل البصرة جنة النخيل في العراق على الإطلاق. يقول الكاتب الهندي سي أم كرستجي مؤلف كتاب "أرض النخيل من مومباي إلى البصرة"، واصفا نخيل البصرة التي نزلت بها سفينته عام 1916: "حينما ندخل في هذا النهر الواسع العريض –يقصد شط العرب– نكون قد دخلنا إلى الموطن الأصلي للنخلة. إن جودة ثمرتها تعود بدرجة كبيرة لعذوبة مياه الشط، وتشاهد الغابات الكثيفة لهذه الشجرة وهي تغطي كلتي ضفتي الشط على مدى أميال إلى الداخل، ممتدة من الشرق إلى الغرب".
لم تكن البصرة وحدها هكذا؛ فهذه المناظر كانت مألوفة بمحاذاة نهري دجلة والفرات وتفرعاتهما في بغداد وديالى والأنبار وصلاح الدين ومحافظات الفرات الأوسط وذي قار وواسط وميسان.
يذكر خبير النخيل العراقي البصري عبد الجبار البكر في كتابه "نخلة التمر" إن "عدد أصناف النخيل في العالم يتجاوز الألفين، وفي العراق وحده هناك 600 صنف، وفي إيران 400 صنف، وفي ليبيا 400 صنف، وفي مختلف أقطار شبه الجزيرة العربية أكثر من 400 صنف، وإن كل منطقة من مناطق زراعة النخيل تختص بأصناف معينة من التمور".
ومع تطور وسائل النقل، وازدياد الإقبال العالمي على التمور، أولت حكومات العهد الملكي اهتماما مبكرا بهذا القطاع، حتى أصبحت واردات التمور تحل ثانية بعد واردات النفط.
يظهر هذا جليا من التطور السريع في الإنتاج في النصف الأول من القرن الماضي. فبعد أن كانت الكميات المصدرة من العراق سنة 1906 لا تتجاوز 31 ألف طن؛ وصلت عام 1952 إلى أكثر من 330 ألف طن؛ أي أنها تضاعفت بمقدار 11 مرة خلال 46 عاما.
بشكل عام، تبدأ النخلة بالإثمار في حدود عامها الثامن، وتكون في قمة عطائها من الإنتاج في عامها الخامس عشر.
ولأهمية القطاع خلال تلك الفترة، أسست الحكومة "لجنة التمور" عام 1935، ثم "جمعية التمور العراقية" التي حلت محلها؛ والتي ارتبطت مع شركة "أندرووير" البريطانية بعقد احتكاري لشراء التمور من الفلاحين، وتسويقها وبيعها إلى مختلف بلدان العالم عام 1939.
وفي عام 1950 تأسست "شركة تجارة التمور العراقية"؛ والتي احتكرت بدورها تسويق وبيع التمور العراقية؛ فوصل المنتوج المحلي من التمور إلى نحو 78 دولة في مختلف قارات العالم، من بينها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واليابان وجنوب أفريقيا وأستراليا والبرتغال وغيرها.
ووصلت أول دفعة تصدير رسمية من التمور إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1914 عبر ميناء البصرة، وكانت من نوع "الحلاوي".
وكانت أشجار النخيل في العراق عام 1953 تقارب 31 مليون نخلة في عموم البلاد؛ في البصرة لوحدها 15 مليون نخلة؛ مما جعل منها سلة العراق الاقتصادية في النفط وتجارة التمور.
لكن، سرعان ما تغير الوضع في العراق وفقد هذا القطاع أهميته؛ متأثرا بالاضطرابات الأمنية والاقتصادية في البلاد: الحروب المستمرة، ارتفاع نسب ملوحة المياه، الجفاف، زحف المدن وتحول المناطق الزراعية إلى أراض سكنية.
هكذا، بعد أن كان نخيل العراق يضاعف عدد ساكنيه؛ أصبح خلال العقود الأخيرة في أقل مستوياته التاريخية، خاصة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2021، أعلنت وزارة الزراعة أن 17 مليون نخلة فقط توجد في العراق؛ تنتج حوالي 735 ألف طن من التمور، صُدر منها عام 2020 نحو 600 ألف طن إلى الخارج. لكن رغم هذا التراجع، مقارنة بـ31 مليون نخلة عام 1953 وحتى الثمانينات، ما زال العراق في المراتب الأولى في قائمة كبار منتجي التمور عالميا.
ويمتاز التمر في العراق بتعدد أنواعه وجودته. من أبرز أصنافه: الحلاوي، الخضراوي، الساير، الزهدي، الديري، البريم، البرحي، الخستاوي، تبرزل، أسطة عمران، أصابع العروس؛ وغيرها.