كانت أشجار النخيل في العراق عام 1953 تقارب 31 مليون نخلة في عموم البلاد؛ في البصرة لوحدها 15 مليون نخلة.
كانت أشجار النخيل في العراق عام 1953 تقارب 31 مليون نخلة في عموم البلاد؛ في البصرة لوحدها 15 مليون نخلة.

سمي العراق قديما بأرض السواد، لكثرة أشجاره ونخيله وبساتينه العامرة ذات اللون الأخضر القاتم المائل للسواد. وكان تنوع التضاريس والتربة والمناخ عاملا أساسيا في إثراء البلاد بأنواع مختلفة من الزروع. فتلك التي تتطلب أجواءً حارة وأكثر جفافا تزرع في جنوب البلاد، والتي تنبت في الأجواء المعتدلة تزرع في الوسط، والأشجار التي تثمر في بيئة باردة وممطرة أو في سفوح الجبال أو بين أحواض الوديان تزرع في شمال البلاد.

ومن أهم الثروات العراقية الضاربة في القدم زراعة النخيل وتجارة التمور. فأرض العراق الخصبة في الجنوب والوسط، فضلا عن الأجواء الحارة، تمثل بيئة مناسبة لزراعة الخيل.

وتمثل البصرة جنة النخيل في العراق على الإطلاق. يقول الكاتب الهندي سي أم كرستجي مؤلف كتاب "أرض النخيل من مومباي إلى البصرة"، واصفا نخيل البصرة التي نزلت بها سفينته عام 1916: "حينما ندخل في هذا النهر الواسع العريض –يقصد شط العرب– نكون قد دخلنا إلى الموطن الأصلي للنخلة. إن جودة ثمرتها تعود بدرجة كبيرة لعذوبة مياه الشط، وتشاهد الغابات الكثيفة لهذه الشجرة وهي تغطي كلتي ضفتي الشط على مدى أميال إلى الداخل، ممتدة من الشرق إلى الغرب".

لم تكن البصرة وحدها هكذا؛ فهذه المناظر كانت مألوفة بمحاذاة نهري دجلة والفرات وتفرعاتهما في بغداد وديالى والأنبار وصلاح الدين ومحافظات الفرات الأوسط وذي قار وواسط وميسان.

يذكر خبير النخيل العراقي البصري عبد الجبار البكر في كتابه "نخلة التمر" إن "عدد أصناف النخيل في العالم يتجاوز الألفين، وفي العراق وحده هناك 600 صنف، وفي إيران 400 صنف، وفي ليبيا 400 صنف، وفي مختلف أقطار شبه الجزيرة العربية أكثر من 400 صنف، وإن كل منطقة من مناطق زراعة النخيل تختص بأصناف معينة من التمور".

ومع تطور وسائل النقل، وازدياد الإقبال العالمي على التمور، أولت حكومات العهد الملكي اهتماما مبكرا بهذا القطاع، حتى أصبحت واردات التمور تحل ثانية بعد واردات النفط.

يظهر هذا جليا من التطور السريع في الإنتاج في النصف الأول من القرن الماضي. فبعد أن كانت الكميات المصدرة من العراق سنة 1906 لا تتجاوز 31 ألف طن؛ وصلت عام 1952 إلى أكثر من 330 ألف طن؛ أي أنها تضاعفت بمقدار 11 مرة خلال 46 عاما.

بشكل عام، تبدأ النخلة بالإثمار في حدود عامها الثامن، وتكون في قمة عطائها من الإنتاج في عامها الخامس عشر.

ولأهمية القطاع خلال تلك الفترة، أسست الحكومة "لجنة التمور" عام 1935، ثم "جمعية التمور العراقية" التي حلت محلها؛ والتي ارتبطت مع شركة "أندرووير" البريطانية بعقد احتكاري لشراء التمور من الفلاحين، وتسويقها وبيعها إلى مختلف بلدان العالم عام 1939.

 وفي عام 1950 تأسست "شركة تجارة التمور العراقية"؛ والتي احتكرت بدورها تسويق وبيع التمور العراقية؛ فوصل المنتوج المحلي من التمور إلى نحو 78 دولة في مختلف قارات العالم، من بينها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واليابان وجنوب أفريقيا وأستراليا والبرتغال وغيرها.

ووصلت أول دفعة تصدير رسمية من التمور إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1914 عبر ميناء البصرة، وكانت من نوع "الحلاوي".

وكانت أشجار النخيل في العراق عام 1953 تقارب 31 مليون نخلة في عموم البلاد؛ في البصرة لوحدها 15 مليون نخلة؛ مما جعل منها سلة العراق الاقتصادية في النفط وتجارة التمور.

لكن، سرعان ما تغير الوضع في العراق وفقد هذا القطاع أهميته؛ متأثرا بالاضطرابات الأمنية والاقتصادية في البلاد: الحروب المستمرة، ارتفاع نسب ملوحة المياه، الجفاف، زحف المدن وتحول المناطق الزراعية إلى أراض سكنية.

هكذا، بعد أن كان نخيل العراق يضاعف عدد ساكنيه؛ أصبح خلال العقود الأخيرة في أقل مستوياته التاريخية، خاصة في السنوات الأخيرة. ففي عام 2021، أعلنت وزارة الزراعة أن 17 مليون نخلة فقط توجد في العراق؛ تنتج حوالي 735 ألف طن من التمور، صُدر منها عام 2020 نحو 600 ألف طن إلى الخارج. لكن رغم هذا التراجع، مقارنة بـ31 مليون نخلة عام 1953 وحتى الثمانينات، ما زال العراق في المراتب الأولى في قائمة كبار منتجي التمور عالميا.

ويمتاز التمر في العراق بتعدد أنواعه وجودته. من أبرز أصنافه: الحلاوي، الخضراوي، الساير، الزهدي، الديري، البريم، البرحي، الخستاوي، تبرزل، أسطة عمران، أصابع العروس؛ وغيرها.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.