يتواصل "الاعتصام المفتوح" لأنصار التيار الصدري في العراق، الأحد، بداخل مبنى البرلمان لليوم الثاني على التوالي بعد سيطرة المتظاهرين على مقر السلطة التشريعية، في وقت أطلق فيه رئيس إقليم كردستان مبادرة حوار لحل الأزمة.
ويقيم أنصار الزعيم الشيعي البارز، مقتدى الصدر، مجالس عزاء حسينية بداخل مقر البرلمان وبثّت أناشيد عاشورائية دينية عبر مكبّرات صوت وذلك خلال أول أيام شهر محرم في العراق والذي يحيي فيه المسلمون الشيعة ذكرى مقتل الإمام الحسين ابن علي.
وصباح الأحد، كان متطوعون يقومون بتوزيع الحساء والبيض المسلوق والخبز والمياه على المعتصمين الذين قضوا ليلتهم الأولى في البرلمان، كما شاهد صحافي في وكالة فرانس برس.
في حديقة البرلمان، جلس البعض على حصائر تحت شجر النخيل بينما نام آخرون على فرش وأغطية وضعت على أرض المجلس.
وكان أنصار الزعيم الصدر احتشدوا وسط العاصمة العراقية، السبت، قبل اقتحام المنطقة الخضراء شديدة التحصين التي تضم مبنى البرلمان وسط إجراءات أمنية مشددة، مما أسفر عن سقوط 125 جريحا في صدامات مع قوات مكافحة الشغب، بحسب آخر الأرقام التي أعلنتها وزارة الصحة، السبت.
ويحتج أنصار الصدر على استمرار "الإطار التنسيقي" للبرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية وتكليف المرشح محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة المقبلة.
وإثر تظاهرات التيار الصدري، السبت، توالت الدعوات للتهدئة والحوار من مختلف الأطراف السياسية العراقية.
وكان رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، أعلن السبت، تعليق الجلسات النيابية بعد سيطرة المتظاهرين على مبنى البرلمان.
وقال الحلبوسي في بيان: "نحن نعيش أوقاتا صعبة وحساسة تتطلب منا جميعا كظم الغيض، والتحلي بأعلى درجات الحلم والمسؤولية الوطنية الصادقة، يتحمل فيها الجميع النتائج على حد سواء، مهما كانت وإلى أي اتجاه ذهبت"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع).
ودعا إلى "لقاء وطني عاجل لإنجاز حوار وطني فاعل ومسؤول تكون مخرجاته من أجل الوطن وتغليب مصلحته على كل المصالح الحزبية والفئوية".
ومع هذه التطورات، يبدو أن الأزمة السياسية في العراق تزداد تعقيدا. فبعد عشرة أشهر على الانتخابات التشريعية المبكرة في أكتوبر 2021، تشهد البلاد شللا سياسيا تاما في ظل العجز عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.
وأطلق رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، الأحد، مبادرة لحل الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد عبر حوار مفتوح يجمع الأطراف المتخاصمة في الإقليم العراقي الذي يتمتع بالحكم الذاتي.
وقال بارزاني في بيان "نتابع بقلق عميق الأوضاع السياسية والمستجدات التي يشهدها العراق"، مطالبا "الأطراف السياسية المختلفة إلى التزام منتهى ضبط النفس وخوض حوار مباشر من أجل حل المشكلات"، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء العراقية (واع).
وأضاف أن "زيادة تعقيد الأمور في ظل هذه الظروف الحساسة يعرض السلم المجتمعي والأمن والاستقرار في البلد للخطر"، مردفا: "في الوقت الذي نحترم إرادة التظاهر السلمي للجماهير، نؤكد على أهمية حماية مؤسسات الدولة وأمن وحياة وممتلكات المواطنين وموظفي الدولة".
وتابع: "إقليم كردستان سيكون كما هو دائما جزءا من الحل ... (على) الأطراف السياسية المعنية في العراق للقدوم إلى أربيل عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل إلى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد".
واستمرت ردود الفعل الدولية عقب الأحداث المتسارعة التي تشهدها بغداد منذ صباح السبت.
وأبدى الاتحاد الأوروبي قلقه إزاء الاحتجاجات المستمرة والتصعيد المحتمل في بغداد. ودعا جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس لمنع المزيد من العنف.
وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى العراق في تويتر: "ندعو القوى السياسية لحل القضايا من خلال حوار سياسي بناء في الإطار الدستوري. في حين أن الحق في الاحتجاج السلمي ضروري للديمقراطية، يجب احترام القوانين ومؤسسات الدولة".
ندعو القوى السياسية لحل القضايا من خلال حوار سياسي بناء في الإطار الدستوري.
— EU in Iraq 🇪🇺🇮🇶 (@EUinIraq) July 31, 2022
في حين أن الحق في الاحتجاج السلمي ضروري للديمقراطية، يجب احترام القوانين ومؤسسات الدولة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتريتش، أبدى قلقه من الأحداث التي تعيشها بغداد وأدت لإصابة العديد من الأشخاص بجروح.
وقال في بيان، مساء السبت، إن "حرية التعبير والتجمع السلمي من الحقوق الأساسية التي يجب احترامها في جميع الأوقات"، مناشدا "جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة اتخاذ خطوات فورية لتهدئة الموقف وتجنب المزيد من العنف وضمان حماية المتظاهرين السلميين ومؤسسات الدولة".
وحث الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف على تجاوز خلافاتهم وتشكيل حكومة وطنية فعالة من خلال الحوار السلمي والشامل، بحيث تكون قادرة على تلبية مطالب الإصلاح القائمة منذ فترة طويلة دون مزيد من التأخير، وفق قوله.
وكانت السفارة الأميركية في العراق قالت، مساء السبت، إنها تراقب "عن كثب الاضطرابات التي حصلت اليوم في بغداد"، معربة عن قلقها بشأن التقارير التي تتحدث عن أعمال عنف.
وشددت السفارة في بيان أن "الحق في التظاهر السلمي وحرية التعبير مكفولان في الدستور العراقي".
وتابعت: "نضم صوتنا إلى دعوة الأطراف السياسية العراقية من مختلف الأطياف إلى الالتزام بضبط النفس والابتعاد عن العنف وحل خلافاتهم السياسية من خلال عملية سلمية وفقا للدستور العراقي".