عدد من أنصار الصدر تجمعوا في الناصرية
عدد من أنصار الصدر تجمعوا في الناصرية

نقلا عن موقع الحرة

منذ استقالة نواب التيار الصدري في يونيو الماضي، وهي الاستقالة الجماعية الوحيدة لنواب كتلة برلمانية عراقية منذ 2003، بدا أن المشهد السياسي العراقي لا يتجه إلا نحو مزيد من التعقيد، برغم أن الاستقالة فهمت من قبل الكثير من المراقبين على إنها ستفسح المجال لمنافسي الصدر الأكبر، كتلة الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، لتمرير مرشحها لرئاسة الحكومة.

وخلال عملية الترشيح، مر الإطار نفسه بكثير من المصاعب، أدت إلى إعلان القيادي فيه، هادي العامري، سحب ترشحه لرئاسة الحكومة، ثم تلاه القيادي ورئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، عقب انتشار تسجيلات صوتية مست مواضيع حساسة، نسبت له.

وبعد يومين فقط من ترشيح الإطار التنسيقي الوزير السابق والقيادي فيه، محمد شياع السوداني، لرئاسة الحكومة، اقتحم متظاهرون تابعون لتيار الصدر مبنى البرلمان العراقي، ليتحول النقاش – وفقا للمحلل السياسي العراقي أحمد الزبيدي "من شخصية المرشح للحكومة إلى احتمال عدم تشكيل حكومة أساسا".

 

المواجهة "الشيعية – الشيعية"

ويقول الزبيدي لموقع "الحرة" إن "الوضع الحالي خطر بشكل كبير، حيث يتقاسم الصدريون والإطار جزءا كبيرا جدا من القاعدة الشعبية في بغداد والجنوب، كما إن لكتل الإطار والكتلة الصدرية عشرات آلاف المسلحين المخلصين، وأي تصعيد يجر إلى نزاع مسلح قد لا ينتهي بسهولة".

وتتنافس الكتلتان بشكل رئيس على أصوات الشيعة العراقيين، وهم أغلبية سكان العراق الذين ترشح منهم كل رؤساء الوزارات العراقية بعد 2003، وكان لهم – بحكم أغلبية الأصوات داخل البرلمان – الكلمة النهائية غالبا بما يخص التشريعات القانونية التي تدار البلاد وفقها، كما إنهم يمتلكون – وفقا للزبيدي – "أغلبية مناصب الدولة العراقية، وفقا لمبدأ التوافق وتقسيم المناصب".

ويقول الزبيدي إن "تحديد الكتلة الأكبر، والسيطرة على منصب رئيس الوزراء يمنح الكتلة الفائزة به أفضلية هائلة، ولا يبدو أن طرفي الصراع مستعدان للتنازل عن هذه الأفضلية لصالح أحد منهما".

ويضيف "هذا الأمر مقلق، لأن التقسيم في العادة يكون سهلا، حيث تتبادل الكتل المناصب وفقا للاستحقاقات الانتخابية، لكن رغبة كتلة ما أو الكتلتين بالاستحواذ على كل شيء، قد يشير إلى أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة، وإن الكتل تفكر بإعادة رسم المشهد بالكامل".

والاثنين، دعا رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى "عدم الانسياق نحو الاتهامات، ولغة التخوين، ونصب العداء والكراهية بين الإخوان في الوطن الواحد".

وقال الكاظمي في بيان إن الاحتقان السياسي "قد ينذر -لا سمح الله إذا لم يتدخل العقلاء- بعواقب وخيمة"، داعيا "جميع الأطراف إلى التهدئة، وخفض التصعيد، للبدء بمبادرة للحل على أسس وطنية" و "لجلوس على طاولة حوار وطني؛ للوصول إلى حل سياسي للأزمة الحالية"، وتشكيل " لجنة تضم ممثلين عن كل الأطراف لوضع خارطة طريق للحل".

كما دعا الكاظمي المتظاهرين إلى "إخلاء مؤسسات الدولة"، والقوى الأمنية إلى "الدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة والمؤسسات الرسمية".

وسرعان ما استجاب القياديان في الإطار التنسيقي، عمار الحكيم، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إلى دعوة الكاظمي وأعلنا دعمهما لها.

أنصار الصدر يعتصمون في البرلمان

 

ماذا يريد الصدر؟

وقبل استقالة نوابه، حاول الصدر تشكيل أغلبية نيابية تسمح له بتحديد رئيس للوزراء، بالاستعانة بحلفائه من كتلة تقدم – كتلة رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي – وكتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني (حكومة إقليم كردستان في شمال العراق).

ونجح الصدر فعلا بتعيين الحلبوسي، لكن تم عرقلة جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية – كان يفترض أن يكون من كتلة الديمقراطي – بسبب ما عرف وقتها بـ"الثلث البرلماني المعطل" وهو تحالف من نواب الإطار بالإضافة إلى نواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني – حزب رئيس الجمهورية الحالي برهم صالح.

ويقول المحلل السياسي العراقي، إياد العنبر، إن "أي مرشح ثاني يمكن ان يرشحه الإطار يمكن ان يعترض عليه الصدر الذي يحاول الآن جاهدا ان يكون معرقلا – من خارج البرلمان لتشكيل حكومة كما عرقلها الثلث المعطل من داخل البرلمان".

ويعتقد العنبر، ومراقبون آخرون، أن الصدر يستفيد من التظاهرات، بصفتها "الورقة الأقوى" بعد خروجه من البرلمان.

ويضيف العنبر لموقع "الحرة" أن "هناك احتمالا أن الصدر كان يخطط لهذه الخطوة، بأن ينقلب على السلطة من خارج السلطة، كما دائما هي مواقفه حينما يحاول ان يتمرد ويكسر الاجماع الذي يتم الاتفاق عليه".

وقال الصدر إن التظاهرات الأخيرة هي الفرصة "الذهبية" لتغيير الدستور و"النظام"، وحذر من "تفويت هذه الفرصة"، لكن العنبر يقول إنه يعتقد أن الصدر يسعى إلى "فرض معادلة جديدة للسلطة، وليس بالضرورة تغيير الدستور أو النظام".

كما إنه يهدف، بحسب العنبر، إلى "إضعاف سلطة [الخصوم]التقليديين وتحديدا المالكي الذي يعتقده العقبة الرئيسة أمام مشروع حكومة صدرية".

ويقول جاسم الحلفي، القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، وهو حليف سابق للصدر في كتلة "سائرون" البرلمانية في البرلمان الماضي، إن سحب ترشيح السوداني لن ينهي الصراع لأن "من الخطأ فهم الصراع الحاصل على أنه شخصي".

ويضيف الحلفي لموقع "الحرة" أن "الصراع هو بين رؤيتين، رؤية تتمسك بالمحاصصة الطائفية التي أنتجت كل هذا الخراب ووفرت مساحة للفساد وبين منهج يرى أنه آن الأوان لمغادرة نهج المحاصصة والتوافقات وأن يكون النظام السياسي منتج ويعمل للخروج من جميع الأزمات".

ويؤكد الحلفي أن "الإصلاح يتطلب التعديلات الدستورية، ويمكن أن يتم بالانتخابات المبكرة لأن هناك اختلال بالتمثيل إذا نظرنا إلى حجم المقاطعة الواسع للانتخابات وثم خروج الكتلة الصدرية من البرلمان مما أخل بالتمثيل إخلالا واضحا".

لكن العنبر يستبعد إعادة إجراء الانتخابات ويؤكد أن "القضية شبه مستحيلة في ظل حكومة لا تملك صلاحيات وفي ظل قانون انتخابات مختلف عليه وفي ظل مفوضية انتخابات مختلف عليها أيضا"، مضيفا "هذه القضايا الثلاث وقضايا الموازنة تحتاج حكومة بصلاحيات كاملة ولذلك صعب جدا التفكير بإعادة الانتخابات".

 

موقف إيران

ويحمل كثير من العراقيين إيران مسؤولية الكثير من المشاكل السياسية في البلاد، باعتبارها داعمة للأحزاب الرئيسة التي سيطرت على المشهد الحالي.

ويقول العنبر إن من "الصعب التفكير بأن تخرج خيوط العراق من يد إيران ولكن الأزمة الحالية بين القوى السياسية الشيعية هي أزمة حقيقتها صراع السلطة والنفوذ وربما تعيد ملامح المشهد السياسي أو ترتيب أوراق منظومة الحكم لفترة قادمة"، مؤكدا أن "القوى السياسية التي محسوبة على المقاومة وهذه العناوين الأخرى والتيارات الإسلامية التي ليس لها قاعدة شعبية ستكون في قادم الأيام في امتحان صعب".

 

تشكيل الحكومة

ويعتقد مراقبون أن تشكيل الحكومة هو رهن بقدرة الإطار على التوافق مع الصدر، وربما "تشكيل حكومة بشروط مقتدى الصدر".

ويقول المحلل السياسي وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني، هيثم المياحي، إنه "لا يوجد شخص يستطيع توقع قرارات الصدر حتى المقربين منه فلديه رؤى مختلفة وهو مؤمن بأن الشارع الصدري معه ويطبق كلامه وقراراته بدون أي تراجع وهذا يعطيه القوة والسيطرة على العملية السياسية الحالية".

ويضيف المياحي لموقع "الحرة" يجب أن "لا ننسى أن التيار لا يمثل جمهور العراق الذي تجاوز 40 مليون والمنقسم بين جميع الأحزاب والأطياف والمذاهب والقوميات"، مؤكدا أن "الصدر يريد بعد إعلانه انقلابا على العملية السياسية (...) ويريد الإبقاء على السيد الكاظمي لهذه المرحلة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.