يعتبر اتباع الديانة الأيزيدية جبل سنجار، الذي يقع شمال مركز مدينة سنجار غرب الموصل، رمزا للقوة في مواجهة أعدائهم وملجأ يلجؤون له أثناء تعرضهم لحملات الإبادة الجماعية عبر التاريخ، ومركزا دينيا واجتماعيا مهماً، في أوقات الشدة والفرج.
وتصدى جبل سنجار في أغسطس 2014 لهجمات تنظيم داعش الذي سيطر على سنجار ونفذ عمليات إبادة جماعية ضد الأيزديين، وتمكن قرابة 60 ألف أيزيدي من النجاة عبر الاحتماء بالجبل، والصمود خلال الحصار الذي فرضه التنظيم على الجبل لقرابة أربعة أشهر.
وتمكن المقاتلون الأيزيديون المتطوعون في ذلك الوقت، من التصدي لهجمات التنظيم الإرهابي، قبل أن تتمكن قوات البيشمركة بإسناد من طيران التحالف الدولي بكسر الحصار، وفتح الطريق لإجلاء العائلات المحاصرة ونقلها لمخيمات النزوح في إقليم كردستان.
ويبلغ طول جبل سنجار أكثر من 73 كيلومترا، حيث يمتد من الجهة الشمالية الغربية إلى الجنوبية الشرقية من قضاء سنجار، ويبلغ ارتفاعه أكثر من 1400 متراً ويطل على السهل المحيط به.
علاقة دينية وإنسانية
وفي الحديث عن علاقة الأيزيدي بالجبل، يقول الباحث في حل النزاعات وبناء السلام خضر دوملي: "تعرض الأيزيديون لعدد كبير من الفرمانات (قرارات الإبادة الجماعية التي نفذها العثمانيون) في سنجار خلال تاريخهم، وكان الجبل منقذهم الرئيس دائما، وبقي أسطورة تواردتها ألسنة الناس، حاله حال أي قائد أو شخصية تاريخية، كما أصبح جزءاً من التراث والفلكلور".
ويوضح: "وهناك مئات الأناشيد والأغاني والقصائد التراثية التي تربط قوة جبل سنجار بقوة أهلها ورجالاتها، وكيف احتموا به من إبادات فريق عمر وهبي باشا العثماني والجليليين والإبادات الأخرى التي شنتها سلطات الدولة العثمانية ضد الأيزيديين في القرون الماضية".
ويحتضن الجبل 8 مزارات أيزيدية هي: مزار جل ميرا ومزار شيبل قاسم ومزار شيخ مند ومزار شرفدين ومزار هجالي ومزار ايزي ومزار امادين ومزار مهمارشان.
ويؤكد دوملي لـ"ارفع صوتك"، أن الجانب الروحي الديني يمثل جانبا آخر من جوانب العلاقة الوطيدة بين الأيزيديين والجبل لاحتضانه أكبر عدد من المزارات الدينية القديمة التي تمتد بالزمن أكثر ألف عام، خاصة مزاري شرفدين ومزار جل ميرا".
"يكمن الجانب الثالث لأهمية الجبل في عمقه التاريخي بالنسبة لتواجد الأيزيديين الذين احتموا فيه، لذلك عندما تذكر سنجار يكون ذكر الجبل حاضرا"، يتابع دوملي.
ويقول إن هذه العوامل "ساعدت جميعها في أن يخصص الأيزيدي جزءاً من كينونته لمكانة جبل سنجار، باعتبار علاقته به علاقة روحانية ذات بعد إنساني عميق، لا يمكن أن يشعر به إلا من احتمى بجبل سنجار وأنقذه الجبل من براثن الأعداء عبر غابر الأزمان حتى هجوم داعش".
ولكل شخص وقائد وعشيرة ومكون من مكونات سنجار موطئ قدم في الجبل وذكرى تاريخية وخصوصية في مكان ما منه، وما زال الناس يستذكرون مآثر الرجال كيف قاتلوا واحتموا وحموا الأرمن الهاربين من الإبادة في الجبل وامتنعوا عن تسليمهم للسلطات العثمانية، حسب دوملي
واحتضن الأيزيديون مئات الأرمن الهاربين من حملات الإبادة الجماعية التي شنها العثمانيون ضدهم خلال الحرب العالمية الأولى، ووفروا لهم الحماية وفرص العمل في جبل سنجار وامتنعوا عن تسليمهم للعثمانيين، الشيء الذي عرّضهم لحملة إبادة جماعية.
مكانة اقتصادية
في نفس السياق، يقول الكاتب والباحث الأيزيدي سعيد جردو، إن أهمية الجبل كمنقذ وملجأ للأيزيديين، تكمن في موقع مدينة سنجار التي تمثل امتداداً طبيعياً لسهل ولاية ماردين وتابعة لإمارة هكاري في كردستان تركيا ثم إمارة بوتان، لذلك أصبحت هذه المدنية وجبلها العمق الإستراتيجي لكردستان.
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "دائما كان الناجون الأيزيديون من حملات الإبادة الجماعية يحتمون في جبل سنجار ويواجهون عبره الهجمات التي تعرضوا ها من قبل العثمانيين والصفويين، لأنه كان عصياً على الأعداء، وحمى الديانة الأيزيدية على امتداد التاريخ".
"لذلك بنى الأيزيديون المزارات الدينية التي ترمز إلى شخصيات دينية على جانبي الجبل، ورغم تعرض غالبيتها للدمار الكامل خلال هجوم تنظيم داعش، أُعيد إعمار جميعها مجددا"، يتابع جردو.
ويحتل الجبل إلى جانب مكانته التاريخية والدينية، مكانة اقتصادية، بسبب احتضانه العشرات من القرى والحقول الزراعية والمراعي، التي تشكل مصدرا رئيساً من مصادر الدخل الزراعي لسكان سنجار وغالبية مدن العراق.
كما يعتبر الجبل وُجهة سياحية للزوار من الداخل والخارج، إضافة لموقعه الإستراتيجي المطل على الحدود العراقية السورية، ما جعله هدفا للقوات العسكرية التي كانت تسيطر على المنطقة لجعله قاعدة عسكرية، كما اتخذالنظام الأسبق برئاسة صدام حسين من الجبل، موقعاً لمدرج الطائرات الحربية.
يبيّن مدير فرع مركز "لالش الثقافي والاجتماعي" في أربيل، عزيز شركاني، أن "الإبادة الجماعية الأخيرة التي تعرض لها الأيزيديون على يد داعش، أثبتت أهمية جبل سنجار لنا في الماضي والحاضر ومستقبلا"، مردفاً "لأننا وبسبب ديانتنا وتمسكنا بأرضنا وقوميتنا كنا مستهدفين دائما".
وحسب شركاني "تعرض الأيزيديون لـ 74 حملة إبادة وغالباً لم يكن هناك من يُدافع عنهم أو يحميهم سوى الجبال، خاصة جبل سنجار، الذي أصبح هويتهم والقوة التي تحافظ على وجودهم".
ويحتضن الجبل منذ عام 2014 حتى الآن مخيم سردشتي للنازحين الأيزيديين، الذين فضلوا البقاء فيه ورفضوا العودة إلى المدينة، خشية تعرضها لحملات إبادة جديدة.
وحين إقامته، ضم المخيم أكثر من ألفي عائلة أيزيدية، لكن حالياً هنام نحو 1500 عائلة، بقيت بعد رحيل البقية.