العراق

هل تتطور الدعوات للتظاهر في العراق إلى مواجهة مسلحة؟

12 أغسطس 2022

نقلا عن موقع الحرة

يشعر العديد من العراقيين بالقلق من احتمال تصاعد حدة الصراع بين التيار الصدري من جهة وقوى الإطار التنسيقي المقرب من طهران من جهة ثانية واحتمال تحوله إلى صراع مسلح في ظل استمرار الطرفين المدججين بالسلاح باتخاذ خطوات تصعيدية تنذر بالأسوأ.

وحتى الآن، لا يبدو أن أيا من الجانبين مستعد للتراجع قيد أنملة في المواجهة المستمرة منذ عشرة أشهر والتي بدأت عندما خرج زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، منتصرا في انتخابات أكتوبر وسعى بعدها لتشكيل حكومة وفقا لشروطه، بيد أن خصومه في الإطار التنسيقي عرقلوا مساعيه.

ومع اعتصام أنصار الصدر في البرلمان واحتجاج معارضيه في الشوارع، أدى الخلاف حول تشكيل حكومة جديدة إلى فرض مزيد من الضغوط على نظام سياسي تعصف به الأزمات منذ عقدين.

والخميس، دعا مقرب من زعيم التيار الصدري أنصاره إلى تنظيم تجمعات "حاشدة" في المحافظات العراقية بالتزامن مع دعوات مماثلة أصدرها الإطار التنسيقي المقرب من إيران للتظاهر في محيط المنطقة الخضراء الجمعة.

وكان الصدر طالب، الأربعاء، في تغريدة القضاء العراقي بحل البرلمان قبل نهاية الأسبوع المقبل، مؤكدا مواصلة مناصريه اعتصامهم في محيط البرلمان داخل المنطقة الخضراء في وسط بغداد.

وفي أعقاب تغريدة الصدر، أصدر الإطار التنسيقي بيانا لم يذكر فيه قضية الانتخابات المبكرة والبرلمان، بينما شدد في المقابل على ضرورة المضي قدما بتشكيل حكومة. 

ويأتي ذلك بعدما أعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق وخصم الصدر السياسي، نوري المالكي، الإثنين رفضه حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات مبكرة قبل عودة البرلمان إلى الانعقاد.

واقتحم مناصرو الصدر، أواخر يوليو، المنطقة الخضراء ودخلوا البرلمان، قبل أن ينقلوا اعتصامهم إلى محيطه.

هذا التصعيد وإصرار كلا الجانبين على موقفه مع نزول الأنصار إلى الشارع ينذر بالأسوأ وفقا لمراقبين لم يستبعدوا أن يتخذ الصراع منحى آخر قد ينتهي بالمواجهة المسلحة.

يقول المحلل السياسي، موفق الحربي، إن "الخطر الأكبر يكمن في استخدام الشارع من قبل الأطراف المتنازعة للحصول على مطالبهم".

ويضيف الحربي لموقع "الحرة" أن "التيار الصدري يمتلك ذراعا مسلحة قوية وكذلك قوى الإطار التنسيقي التي تضم فصائل مسلحة موالية لطهران"، مشيرا إلى أن "أي رصاصة طائشة تصدر من هذا الطرف أو ذاك معناه أن البلاد ستشهد مواجهات مسلحة وخسائر فادحة لن تنتهي إلا بنهاية أحد الطرفين".  

ويرى الحربي أن "الصدر يعد من القادة السياسيين القلائل الذين يصعب ترهيبهم من قبل طهران، وقوته الحقيقية في أنه يمتلك ميليشيا خاصة به وبالتالي لديه القوة لفرض مواجهة حاسمة إذا أراد".

ويتزعم الصدر الذي يحظى بشعبية بين ملايين العراقيين "سرايا السلام" وهو فصيل مسلح ضمن الحشد الشعبي ولاعب مهم في السياسة العراقية ومعارض شديد للنفوذ الأميركي والإيراني في البلاد.

و"سرايا السلام" التي كانت تسمى سابقا بـ"جيش المهدي"، فصيل عسكري يتمركز في مناطق عدة ويتولى حماية المراقد المقدسة لدى الشيعة أبرزها ضريح الإمامين العسكريين في سامراء في وسط العراق. ولسرايا السلام مقار مركزية في النجف وبغداد وسامراء.

وخاضت مليشيا "جيش المهدي" صراعا مسلحا مع القوات الحكومية العراقية في عام 2008 عندما كان زعيم ائتلاف دولة القانون، المالكي، أحد أبرز قادة قوى الإطار التنسيقي، رئيسا للوزراء. 

ومع ذلك يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أنه "من المبكر الحديث عن حصول تصادم مسلح قريب، خاصة وأن الصدر يحاول أن يستنفذ خياراته التي تتوافق مع الدستور والآليات الديمقراطية".

ويضيف الشمري لموقع "الحرة" أن الصدر "يدفع البرلمان باتجاه إيجاد الحلول، ويحاول الاستعانة بالسلطة القضائية كذلك"، مشيرا إلى أنه "لا يضع إلى الآن الصدام المسلح في حساباته على الرغم من أن الصدام السياسي وصل لأعلى مستوياته".

ويؤكد الشمري أن "الصدام المسلح لن يحصل في الوقت القريب على أقل تقدير على اعتبار أن الأمور لا تزال تمضي باتجاه امكانية الوصول إلى حل للازمة سواء بحل البرلمان أو تشكيل حكومة من شخصيات مستقلة والاتفاق على خارطة طريق للمرحلة المقبلة".

كذلك يشير الشمري إلى أن هناك نقطة أخرى تجعل خيار الصدام المسلح أمرا مستبعدا وتتمثل في أن طهران لا تريد ذلك، لأنها تعتقد أن أي صدام شيعي-شيعي سيجعلها أكبر الخاسرين، باعتبار أن أجنحتها المسلحة غير قادرة على مواجهة الصدر شعبيا وعسكريا".

أيضا يتحدث الشمري عن "كوابح" أخرى تمنع الصراع وعلى رأسها وجود المرجعية الدينية العليا في النجف التي لن "تسمح بحصول صدام".

وتعليقا على دعوة الصدر لإقامة "تجمعات حاشدة" في المحافظات وتزامنها مع عزم الإطاريين التظاهر في محيط المنطقة الخضراء الجمعة، يعتقد الشمري أن هذه التحركات هي محاولة لإثبات القوة.

ويقول الشمري إن قوى الإطار التنسيقي تريد إظهار قوتها جماهيريا "رغم أنها استخدمت هذا الخيار في السابق، لكنه لم ينجح كثيرا.. مثلما هو الحال مع الصدر الذي نجح في تعطيل عمل البرلمان".

وكجزء من عمليات إثبات القوة لا يستبعد الشمري حصول "احتكاك محدود" بين الطرفين المتنازعين لن يتطور بالضرورة إلى صراع مسلح مفتوح على الأقل في المستقبل القريب.

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.