جانب من أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة العراقية بغداد- تعبيرية من أرشيف فرانس برس
جانب من أحد الأحياء الفقيرة في العاصمة العراقية بغداد- تعبيرية من أرشيف فرانس برس

تستعد وزارة التخطيط العراقية لإطلاق إستراتيجية للأعوام الخمسة المقبلة، لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية الاقتصادية بمختلف القطاعات عبر ثلاث محاور رئيسية.

وتأتي تلك الخطة أو ما يعرف بالمسح الاقتصادي والاجتماعي، استكمالاً للإستراتيجيات التي بدأت الوزارة بإطلاقها منذ أكثر من عقد، وهدفها تحقيق حماية للعوائل الهشة من الجوع والفقر، وتحريك عجلة التنمية في مختلف المجالات.

يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، لـ"ارفع صوتك"، إن "الإستراتيجية الثالثة للمسوح الاقتصادية والاجتماعية التي بصدد وضع جميع خطوطها وجداولها، استندت إلى ثلاث محددات وهي المحور الاقتصادي الذي يرتبط بدعم القطاع الخاص وكذلك المجال الكلي فضلاً عن توفير بيئة أفضل للاستثمار".

"فيما سيستهدف المسار الثاني قطاعات الصحة والتعليم وشبكة الحماية الاجتماعية، والثالث يُعنى بالتنمية المكانية، مثل الخدمات الأساسية الماء والكهرباء وعن تنمية  الزراعة والصناعة وبقية من القطاعات الأخرى"، يضيف الهنداوي.

ويلفت إلى أن "الوزارة ستأخذ بعين الاعتبار جملة من الأمور الطارئة وغير المتوقعة التي قد تطرأ خلال أمد تنفيذ الخطة، بما يجعلها قابلة للتطويع ويجاري أي تحديات أو عراقيل بالاستفادة من التجارب الماضية التي سجلت خلال تطبيقات الإستراتيجيات الماضية".

ويتابع الهنداوي: "الإستراتيجية ستكون للأعوام الخمس ابتداءً من 2024 كون السنة الحالية والتالية دخلتا ضمن الخطة الوطنية قصيرة المدى".

وبشأن الشرائح القلقة وأصحاب الدخول المتدنية، يوضح الهنداوي أن "هناك خمسة مسارات أساسية ضمن خطة خفض الفقر للسنوات الخمسة المقبلة، يتعلق أولها بالدخل وثانياً تمكين الفقراء مادياً من خلال تحسين شبكة الحماية الاجتماعية، وثالثاً تحسين نظام البطاقة التموينية، ورابعاً ضرورة تمكين ذوي الدخل المحدود من الحصول على تعليم أفضل، وخامساً تحسين الخدمات الصحية المقدمة للشرائح الفقيرة".

ويؤكد أن الإستراتيجية تتضمن خططا لمعالجة أزمة السكن، مردفاً "نفذنا سابقاً خططاً مماثلة استطعنا بموجبها تأمين مشاريع سكانية في عدد من المحافظات وزعت بعض منها بشكل مجاني على الشرائح الفقيرة".

ويبيّن الهنداوي لـ"ارفع صوتك"، أن وزارة التخطيط "ستقوم قريباً بإطلاق إجراء المسح الاقتصادي والاجتماعي، الذي يعد واحدا من أكبر وأوسع المسوح الاقتصادية والإحصائية، وسيوفر مؤشرات جديدة عن خط الفقر وتركز الفقراء وواقع أحيائهم في  مستوى الخدمات التي يحصلون عليها، بالتالي ستكون نتائج هذا المسح مهمة جدا في تغذية إستراتيجية  خفض الفقر الثالثة التي نعمل على كتابتها الآن ".

ويقول إن "هناك لجاناً متخصصة ستنفذ جولات ميدانية تستهدف القرى والأقضية التي تعاني شح الخدمات الأساسية والمصنفة تحت خط الفقر، بغية الاستماع لمتطلبات أبناء تلك المناطق وما يحتاجونه من مشاريع".

وكانت أولى الإستراتيجيات التي أطلقتها وزارة التخطيط عام 2010، التي عانت شبه انهيار على وقع حوادث طارئة عاشتها البلاد في صيف 2014، إبان اجتياح تنظيم داعش العديد من المدن العراقية وما رافقها من انخفاض في أسعار النفط العالمية.

وتكرر الأمر مع الإستراتيجية الثانية عام 2018، حيث خرجت عن المخططات المرسومة والمتوقعة بعد توسع دائرة الاحتجاجات الشعبية في البلاد أواخر أكتوبر 2019، وأدت لتقديم عادل عبد المهدي استقالته من منصب رئيس الوزراء، لتتبعها الأزمة الوبائية مع تفشي فيروس كورونا، وتداعياتها بسبب الإغلاق وانهيار أسعار النفط العالمية مجدداً.

وجراء تلك المتغيرات اطلقت وزارة التخطيط، أواخر عام 2020،  بخطة قصيرة المدى عرفت بـ"الخطة الوطنية للتنمية"، للتعامل مع تلك المتغيرات خصوصاً بعد ارتفاع معدلات الفقر والبطالة ودخول البلاد في أزمة مالية خانقة.

من جانبه، يتوقع مستشار اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب علي هادي، أن "يكون الفشل حليفاً للإستراتيجية الثالثة، أسوة بالخطط التنموية السابقة التي أطلقتها وزارة التخطيط، لأنها لم تعتمد في وضع تصوراتها ومبانيها للنهوض بالجوانب التنموية المختلفة رأي واستشارة أصحاب التخصص وخبرات سوق العمل".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "التجارب السابقة لإستراتيجيات المسوح الاقتصادية سجلت إخفاقاً كبيراً في تحقيق أهدافها، لأنها لم تضع في حساباتها تقلبات الأوضاع والتطورات غير المحسوبة أثناء الشروع".

"كما أنها لم تستعن بالغرف التجارية والصناعية وذوي الاختصاص على واقع الميدان المعاش، بالتالي كانت جميعها مقدمات لفشل متوقع"، يتابع هادي.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.