يقول علي إنه أجرى استئصال وزرع الكلية في مستشفى إيراني، والأمر هناك "علني وقانوني"- تعبيرية
يقول علي إنه أجرى استئصال وزرع الكلية في مستشفى إيراني، والأمر هناك "علني وقانوني"- تعبيرية

عندما تسأل شاباً عراقياً أقدم على بيع كليته، لماذا فعلت ذلك؟ سيجيبك بحسرة وندم: لقد كنت بحاجة لبعض المال. 

علي البالغ 22 عاماً، تحفظ على ذكر اسمه كاملاً، يقول لـ"ارفع صوتك": "تعبت وأنا أشاهد لوعة والدي وهما يحاولان توفير لقمة العيش أو إيجار المنزل الذي نسكن فيه، وغيرها من الاحتياجات، خاصة بعد أن أجرت أمي عملية جراحية، أدخلتنا في دين كبير لم نتمكن من تسديده".

وأثناء بحثه عن عمل، بعد تخرجه من المعهد، حاول أحد أصدقائه إقناعه ببيع كليته مقابل مبلغ مالي لتسديد الديون المتراكمة، لكن علي رفض الأمر.

"إلا أن تكرار محاولات صديقي وتأزم أوضاعي المالية، دفعني لحسم قراري والموافقة على بيع كليتي مقابل 5000 دولار أميركي"، يضيف علي.

ولم تطل مدّة انتظاره، حتى ترتبت الأمور بسفره إلى إيران لإتمام عملية البيع. يقول علي "أقنعت أبي وأمي أني حصلت على عقد عمل في إيران، وسأسافر من أجله".

بقي في إيران لأشهر، ومن هناك كان يرسل المال لأمه بشكل شهري، بعد إجراء العملية الجراحية وبيع الكلية، حتى يُتم قصة عمله هناك.

وبعد عودته من إيران، تم اعتقاله في مستشفى حكومي ببغداد عند مراجعته لها، من قبل أفراد مديرية الاتجار بالبشر، بتهمة بيع كليته، وهو ما لم يكن في حسبانه!

يقول علي بسخرية مرّة: "لم أكن على دراية بأن ما أقدمت عليه يعد جريمة يعاقب عليها القانون العراقي، لأن مسألة بيع الكلى في إيران تجري بشكل قانوني ولا توجد أية تحفظات عليها".

وتجري جميع عمليات بيع الكلى في إيران بشكل علني وقانوني، بحسب ما أكده علي، الذي كان بصحبة شاب آخر هو أيضا باع كليته هناك. 

بالفعل، تعتبر عملية بيع إحدى الكليتين بغرض الربح في  إيران عملية قانونية ويتم تنظيمها بواسطة الحكومة، كما تُعدّ إيران الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح ببيع الكلى بمقابل ونتيجة لذلك، فإن الدولة ليس لديها أي قائمة انتظار أو أي نقص في الأعضاء المتوفرة، وفق ويكيبيديا.

 

القانون العراقي 

وكانت محكمة تحقيق الرصافة- اللجنة التحقيقية المختصة بالنظر في قضايا ‏مديرية مكافحة إجرام بغداد، صدقت مؤخراً أقوال عصابة يديرها رجل وامرأة، متخصصة ‏بالاتجار بالأعضاء البشرية.

وذكر بيان صادر عن المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى أن "المتهمين اعترفوا أمام القاضي المختص بأن امرأة تقود عصابة في أحد مناطق بغداد ‏تستغل حاجة المواطنين للمال من أجل الاتجار بأعضائهم البشرية (الكلى‏‏)، مقابل مبلغ مالي يصل إلى 7 ملايين دينار عراقي".

وأضاف أن "المتهمين اعترفوا بالتحقيق القضائي بتنفيذهم العشرات ‏من العمليات خلال الفترة الماضية، وتم توقيفهم استناداً لأحكام المادة (18) من قانون ‏عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الاتجار بها".‏

ويهدف قانون عمليات زرع الأعضاء البشرية ومنع الاتجار بها (رقم 11 لسنة 2016)، إلى تنظيم عمليات نقل الأعضاء البشرية لتحقيق مصلحة علاجية راجحة للمرضى، والحصول على الأعضاء البشرية من جسم الإنسان الحي بالتبرع حال حياته أو من جثث الموتى بالوصية بعد وفاته، ومنع بيع الأعضاء البشرية والاتجار بها من خلال فرض عقوبات رادعة عن المخالفة. 

وتنص المادة (18) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28 لسنة 2012)، على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 10 سنوات وغرامة لا تقل عن عشرة ملاين دينار عراقي، ولا تزيد عن عشرين مليون دينار عراقي كل من استأصل عضواً أو جزءاً منه أو نسيجاً من إنسان حي أو ميت أو زرع أو شارك أو كان وسيطاً أو قام بالإعلان أو التحايل أو الإكراه بقصد زرعه في جسم آخر خلافاً لإحكام هذا القانون.  

 

مكافحة الاتجار بالبشر

في نفس السياق، يؤكد مدير تحقيق مكافحة الاتجار بالبشر في الكرخ، العميد وسام نصيف الزبيدي، أن "البعض من شباب اليوم أصبح ضحية مشتري الأعضاء ووسطائهم، على الرغم من أن القانون العراقي يحظر بيع الأعضاء البشرية"، لافتاً إلى أهمية التوعية والتثقيف المجتمعي ضد هذه الظاهرة.

ويقول لـ"ارفع صوتك": "الفقر والبطالة دفعا البعض إلى بيع أعضائهم مقابل بعض المبالغ المالية، وأغلب الضحايا يجهلون مسألة أن القانون العراقي يجرم ويعاقب من يتبرع بأعضائه أو يروج ويساعد على ذلك". 

وتستهدف دوائر مكافحة الاتجار بالأعضاء هذه الجريمة عبر عرض بعض المنتسبين لها رغبتهم في بيع أعضائهم ككمين لاستدراج المتورطين، الذين يدفعهم الفقر بشكل أساسي للقيام بذلك.

ويشير الزبيدي إلى أنه "يتعامل بإنسانية كبيرة" مع المتورطين ببيع أحد أو بعض أعضائهم البشرية، "لأن الشاب الذي يصل لمرحلة أن يبيع كليته مقابل ألاّ ينخرط للعمل مع عصابات الجريمة المنظمة، هو ضحية وإذا ما تم الضغط عليه قد يلجأ للانتحار"، وفق تعبيره.

وفي حديث سابق للزبيدي مع تلفزيون محلي، أشار إلى انتشار المفارز الأمنية قرب مستشفيات زرع الأعضاء.

وقال إن سعر بيع الكلى يصل إلى 48 مليون دينار عراقي (33 ألف دولار)، وصفقة بيع الخصية خارج العراق تصل إلى 80 الف دولار، مبيناً أن "جميع الصفحات الخاصة بالاتجار بالبشر توقفت، وأن عمليات الاتجار بالبشر تتركز ببيع الكلى".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.