العراق

أزمة العراق السياسية.. نفوذ إيران "يضعف" واستراتيجيتها "مهددة"

23 أغسطس 2022

نقلا عن موقع الحرة

يشكل تضاؤل نفوذ طهران في العراق تهديدا محتملا لاستراتيجيتها المضادة النفوذ الأميركي هناك، ونقل الأسلحة عبر جارتها الغربية إلى سوريا ومناطق النزاع الأخرى، بحسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن استمرار الأزمة السياسية في العراق التي طالت نحو 11 شهرا حتى الآن، ومن قبلها أزمة التظاهرات وإسقاط الحكومة السابقة، قد يشير فعلا إلى تضاؤل دور طهران ونفوذها القوي المستمر على ميزان القوى في بغداد.

وتمتلك إيران نفوذا متعدد الطبقات في البلاد، فبالإضافة إلى العلاقة السياسية والدينية والاقتصادية القوية، فإنها دعمت طوال عقدين من الزمن تقريبا "شبكة من الميليشيات التي تساعد طهران على توسيع نطاق نفوذها"، كما يقول التقرير.

الآلاف من مناصري الصدر يعتصمون قرب البرلمان العراقي منذ أكثر من أسبوع الآلاف من مناصري الصدر يعتصمون قرب البرلمان العراقي

والآن، "تنقسم تلك الفصائل الشيعية انقساما عميقا، حيث يقوم أتباع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر باعتصام مستمر منذ أربعة أسابيع في مقر البرلمان ببغداد، بينما يحاول منافسوهم الشيعة، الإطار التنسيقي، تشكيل حكومة"، وفق التقرير.

وتحاول طهران، وفقا لفهد الجبوري، القيادي في تيار الحكمة "تقديم النصائح"، لكن الجبوري يقول للصحيفة إنهم "لا يستمعون إلى جميع النصائح الإيرانية".

ونقلت الصحيفة عن إبراهيم الجابري، رئيس مكتب الصدر في بغداد قوله إنه "لا يمكن لإيران أبدا السيطرة على مقتدى الصدر".

ويقول التقرير إن الإحجام عن الارتباط بإيران أو إعلان الارتباط يعكس شعورا واسع النطاق بالتعب من طهران، وهو تهديد محتمل للبلاد التي يقودها رجال دين شيعة منذ عقود.

ويلقي كثير من العراقيين باللوم على طهران في تمكين الميليشيات القوية التي قاتلت ما يسمى بتنظيم داعش، ولكن ينظر إليها الآن على أنها أجنحة مسلحة للفصائل السياسية الشيعية، وبالنسبة للبعض، على أنها "من أسباب الوضع الراهن الفاسد".

منذ أيام يعتصم متظاهرون تابعون للتيار الصدري في مقر البرلمان العراقي متظاهرون تابعون للتيار الصدري يعتصمون في مقر البرلمان العراقي

ويقول التقرير إن الاشتباكات المسلحة بين الفصائل الشيعية المدججة بالسلاح في العراق ستكون واحدة من أسوأ النتائج المحتملة لطهران، لكن محللين يقولون إن جهدا إيرانيا واضحا للميل نحو خصوم الصدر يمكن أن يشعل المواجهة.

ونقل عن ليث شبر، المستشار السابق لرئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي قوله إن "الهدف الرئيس والأول لإيران في الوقت الحالي هو منع أي قتال شيعي شيعي لأن مثل هذا القتال يمكن أن يؤدي إلى فقدان النفوذ الإيراني على العراق".

وفي أحد التعليقات العلنية القليلة لطهران حول مشاكل العراق، قال ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "نحن نتابع التطورات في العراق عن كثب وبقلق، وتحن نحاول التقريب بين وجهات النظر المختلفة للفصائل العراقية".

ودأب المتظاهرون العراقيون المناوئون للفساد على انتقاد إيران بشكل لاذع طوال أشهر من التظاهرات، ويبدو أن هذه الهتافات وصلت إلى أسماع طهران.

وقال كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، إحدى الميليشيات الرئيسية، إن عدم وجود شعبية لطهران بعد سنوات من التدخل في الشؤون العراقية يدفعها إلى التراجع بما يتعلق بالملف العراقي.

FILE - Supporters of Iran-backed Shiite Coordination Framework attend a rally to denounce their rivals, followers of an… مناصرو الإطار التنسيقي يتظاهرون في بغداد

وأضاف "الإيرانيون قالوا لنا... لقد عانوا من ردود فعل سلبية من العراقيين، لذلك هذه المرة سيتركون العراقيين يتعاملون مع شؤونهم بأنفسهم".

لكن وراء الكواليس، كانت طهران نشطة.

ووصل الضابط العسكري الإيراني الكبير، العميد إسماعيل قاآني، القيادي في الحرس الثوري الإيراني، إلى العراق في وقت سابق من هذا الشهر لإجراء محادثات حول حل المأزق.

وتقول الصحيفة في تقريرها إن زيارة قاآني سلطت الضوء على مدى تغير دور إيران منذ مقتل قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس.

وقال عضو الحكمة الجبوري للصحيفة، إن "قاآني مختلف عن سليماني، إنه أضعف، والأمور لا تتجمع مع بعضها على يده".

وأظهرت الميليشيات الشيعية التي دعمتها طهران أولا في محاربة الوجود العسكري الأميركي بعد الإطاحة بصدام حسين ومؤخرا ضد تنظيم داعش علامات على انقسامات داخلية مما زاد من تحدي السيطرة الإيرانية، وفقا للتقرير.

مستوى التصعيد بين كل من التيار الصدري والإطار التنسيقي ارتفع منذ أواخر يوليو مستوى التصعيد بين كل من التيار الصدري والإطار التنسيقي ارتفع منذ أواخر يوليو

وواصلت بعض الميليشيات المتشددة تنفيذ هجمات صاروخية على المنشآت الأميركية في العراق، في حين تعهد آخرون بالامتثال لأوامر الحكومة العراقية ضد مثل هذه الهجمات.

ويعتقد بعض العراقيين أن الأحزاب الشيعية المنقسمة ربما لا تزال مضطرة للعودة إلى طهران للحصول على المساعدة في حل المأزق بشأن الحكومة المقبلة.

وقال  الفرطوسي للصحيفة إنه "من الجيد أن ندير شؤوننا بأنفسنا، لكننا نعتقد أن الخلافات لا تزال كبيرة بما يكفي للعودة إلى إيران في المستقبل للمساعدة في حل قضايانا".

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.