وصلت الأزمة السياسية في العراق إلى ذروتها باقتحام أنصار التيار الصدري للقصر الجمهوري وإعلان حظر التجول في بغداد، عقب إعلان زعيم التيار، مقتدى الصدر، اعتزاله العمل السياسي.
ويثير قرار الصدر تساؤلات حول مستقبل العملية السياسية في العراق، والذي يعاني من شلل بسبب الفشل في التوافق على تشكيل حكومة.
ويعيش العراق أزمة سياسية مستمرة منذ 10 أشهر لعدم توصل البرلمان الذي كان التيار الصدري يشكل غالبيته، لتشكيل حكومة جديدة وتعيين رئيس جديد للجمهورية.
ومنذ يوليو، ارتفعت حدة التوتر بين الصدر وخصومه في "الإطار التنسيقي" وهو تحالف سياسي يضم فصائل موالية لإيران بعد اعتصام مفتوح لأنصار الصدر عند مبنى البرلمان يقابله اعتصم أنصار الإطار على طريق رئيسي يؤدي إلى أحد مداخل المنطقة الخضراء.
وتفجر الوضع اليوم، بعد أن أصدر المرجع الشيعي، كاظم الحائري، بيانا يعلن فيه توقفه عن مهامه كمرجع ديني ومطالبته للناس بطاعة المرشد الإيراني، علي خامنئي.
وأصدر الحائري توصيات عدة للشعب العراقي انتقد فيها الصدر، قائلا إن "على أبناء الشهيدين الصدرين أن يعرفوا أنّ حبّ الشهيدين لا يكفي ما لم يقترن الإيمان بنهجهما بالعمل الصالح والاتباع الحقيقيّ لأهدافهما التي ضحّيا بنفسيهما من أجلها".
وتابع البيان: "لا يكفي مجرّد الادعاء أو الانتساب، ومن يسعى لتفريق أبناء الشعب والمذهب باسم الشهيدين الصدرين أو يتصدّى للقيادة باسمهما وهو فاقد للاجتهاد أو لباقي الشرائط المشترطة في القيادة الشرعيّة فهو -في الحقيقة- ليس صدريّاً مهما ادعى أو انتسب".
ويرى محللون عراقيون تحدثوا إلى موقع قناة "الحرة" أن الأيام المقبلة ستكون معقدة وقد تشهد تصعيدا وتفجرا للأوضاع، على الرغم من استبعادهم أن يكون قرار الصدر بالاعتزال نهائيا.
أسوأ حالات العملية السياسية
في هذا الإطار، قال المحلل السياسي، نبيل العزاوي، إن العراق يعيش الآن "أسوأ حالات العملية السياسية".
ويرى العزاوي أن السيناريو الأسوأ هو أن يعقد الإطار التنسيقي جلسة برلمانية ضمن مساع ِتعيين رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة، وهو ما قد يؤدي لتفجير الأوضاع.
ورغم أن هذا هو المسار القانوني الطبيعي، بعد استقالة التيار الصدري من البرلمان وضمان الإطار للأغلبية قبل اعتزال الصدر نهايا، فإن العزاوي قال لموقع "الحرة" إن "على الإطار أن يقرأ رسائل التيار الصدري وألا يذهب بعيدا ... ويشكل الحكومة. عليهم أن يقدموا رسائل اطمئنان بحل البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة لتهدئة الجماهير الغاضبة".
ورسم المحلل السياسي، علي البيدر، سيناريوهين للمشهد "المعقد"، بحسب وصفه.
وقال لموقع "الحرة" إن "البلاد ذاهبة إلى خيارين إما تنازل المنظومة السياسية بشكل جمعي عن مطالباها والذهاب لخيار سياسي أو نحن متجهون نحو التصعيد خطير" بعد خروج أنصار الصدر للشارع.
وأشار إلى أن قرار مقتدى الصدر قد يمنحه مزيدا من الوقت للضغط على خصومه السياسيين من خلال جماهيره التي خرجت للتعبير عن غضبها من اعتزال الزعيم الشيعي.
الدور الإيراني
السبب المباشر لاشتعال الأزمة كان خلافا علنيا بين المرجع الشيعي، كاظم الحائري، ومقتدى الصدر.
كان الحائري، أصدر بيانا، الاثنين، أعلن فيه عدم الاستمرار كمرجع ديني و"إسقاط جميع الوكالات والاُذونات الصادرة من قبلنا أو من قبل مكاتبنا وعدم استلام أيّة حقوق شرعيّة من قبل وكلائنا وممثّلينا نيابة عنّا اعتبارا من تاريخ إعلاننا هذا"، وفقا للبيان.
وبرر الحائري قراره بـ "المرض والتقدم في العمر" وطالب بـ "إطاعة الوليّ قائد الثورة الإسلاميّة عليّ الخامنئي" على اعتبار أنه "الأجدر والأكفأ على قيادة الاُمّة وإدارة الصراع مع قوى الظلم"، ما يعني أن الصدر يتوجب عليه تقليد الخامنئي دينيا.
وردا على ذلك، قال الصدر في بيانه، إن اعتزال الحائري "لم يكن بمحض إرادته"، مضيفا: "إنني لم أدعِ يوما العصمة أو الاجتهاد ولا حتى (القيادة)، إنما أنا آمر بالمعروف وناه عن المنكر ... وما أردت إلا أن أقربهم (القوى السياسية الشيعية) إلى شعبهم وأن يشعروا بمعاناته".
ويرتبط مقتدى الصدر بعلاقة دينية مع الحائري الذي كان تلميذا على يد محمد الصدر، (والد مقتدى).
ويعتقد العزاوي أن بيان الحائري جاء بضغوط إيرانية لإعطاء الولايات المتحدة "رسائل بأنها مسيطرة على المشهد السياسي والديني" في العراق، لكن الصدر "ممتعض من فرض الإرادة من الجانب الإيراني"، كما يقول.
بدوره، قال البيدر إن "هناك تحركات إيرانية لتطويق المكون الشيعي بالمراجع الذين لا ينتمون إلى المكون العربي ... إيران لديها يد مباشرة في الموضوع".
وأضاف أن بيان الصدر جاء "ردة فعل بعد توجيه المرجع الحائري جمهوره في العراق والصدر أحد مقلديه، بتقليد الخامنئي وهذه قضية أثارت حفيظة الصدر ... البيان يحوي على لوم وتوبيخ للسيد الصدر".
وأشار العزاوي، من جهته، إلى أن "انسحاب الحائري الديني ومنح الأمور إلى السيد علي الخامنئي أثار حفيظة الصدر باعتبار أن المرجعية (باتت) إيرانية وأخذت من السيد السيستاني".
وكان الصدر قال في بيان إنه "على الرغم من استقالته (الحائري)، فإن النجف الأشرف هي المقر الأكبر للمرجعية كما هو الحال دوما".
ويؤكد العزاوي أن الوضع سيزداد تدهورا، إذا لم يتدخل المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، ويصدر بيانا على الأحداث.
اعتزالات سابقة
واستبعد المحللان أن يكون الصدر عازم على الاعتزال عن العمل السياسي بصفة نهائية، لا سيما وأنه اتخذ مثل هذا القرار في مناسبات سابقة وعاد ليعدل عنه.
ففي 4 أغسطس 2013، قرر الصدر اعتزال الحياة السياسية لكن هذا القرار لم يستمر سوى شهرا واحدا بعد أن أصدر بيانا قال فيه: "بالرغم من أني أميل حاليا للاعتزال والعزلة عن المجتمع إلا إني لم أستطع أن أقف ساكتا أمام هذه الجموع الطيبة المؤمنة السائرة لأبيها الصدر".
وفي منتصف فبراير عام 2014، أعلن الزعيم الشيعي في بيان انسحابه من العمل السياسي في العراق وحل تياره وإغلاق جميع مكاتبه السياسية.
وبرر الصدر قراره بالقول إنه اتخذ القرار "حفاظا على سمعة آل الصدر ... ومن منطلق إنهاء كل المفاسد التي وقعت أو التي من المحتمل أن تقع تحت عنوانها ... ومن باب الخروج من أفكاك الساسة والسياسيين". وآنذاك، أبقى الصدر على بعض المؤسسات الخيرية والتعليمية والإعلامية مفتوحة.
وبعد حوالى عامين عاد الصدر للواجهة السياسية من جديد بعد تظاهرات لأنصاره في المنطقة الخضراء يحملون ذات المطالب التي يطالبون بها اليوم: تشكيل حكومة تضم كافة أطياف المجتمع العراقي بدلا من الحكومة التي تعتمد على المحاصصة الطائفية.
في الانتخابات الأخيرة التي حصلت التيار الصدري فيها على الأغلبية، ولكنها لم تكن كافية لتشكيل حكومة، كان الصدر قد أعلن مقاطعتها من أجل "إنقاذ العراق من الفساد" لكن أيضا عدل عن قراره.
وقال العزاوي إن الصدر "لن يغادر ولن يترك الجمهور" في إشارة للجماهير المؤيدة للتيار الصدري والتي احتشدت في العاصمة بغداد واقتحمت القصر الجمهوري. وسبق للصدر اعتزال العمل السياسي في أكثر من مناسبة لكنه عدل عن قراراته.
وأردف بقوله إن "السيد لن يترك العملية السياسية ولن يغادر ولن يترك الجمهور"، مردفا أن "الدعوات من المساجد انطلقت للخروج لنصرة الصدر ... هناك إيحاءات تتماهى مع مشروع الصدر".
من جانبه، قال البيدر: "هذه أشبه بالمناورات ولفت الأنظار ... كان قد انسحب من الانتخابات وعاد مجددا ... لا يمكن التعويل على قرارات الصدر وتوقعها هكذا هي شخصيته داخل السياسية".