أربك إعلان المرجع الشيعي كاظم الحائري المقيم في إيران، الأحد الماضي، اعتزاله الديني كمرجع بسبب تردي أوضاعه الصحية، المشهد العراقي، خاصة أنه أوصى مقلديه من العراقيين باتباع المرشد الإيراني علي خامنئي.
ويعتبر اعتزال الحائري، وهو المرجع الذي يقلده أتباع التيار الصدري، سابقة نادرة في تاريخ المرجعيات.
بيان سماحة السيد الحائري يعلن فيه عدم الاستمرار في التصدي للمرجعية بسبب المرض والتقدم في العمر بسم الله الرحيم...
Posted by سماحة آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري حفظه الله on Sunday, August 28, 2022
ولم تمض سوى ساعات على قرار الاعتزال، حتى أعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزاله العمل السياسي بشكل نهائي، ملوحاً بأن قرار اعتزال الحائري للمرجعية "لم يصدر بمحض إرادة".
وأضاف الصدر في تغريدة: "على الرغم من تصوري أن اعتزال المرجع لم يكن محض إرادته وما صدر من بيان عنه كان كذلك أيضا، إلا أنني قررت عدم التدخل في الشؤون السياسية".
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) August 29, 2022
من هو الحائري؟
يعتبر كاظم الحسيني الحائري من المراجع الشيعة الأكثر تشددا، وهو من مواليد مدينة كربلاء في العراق عام 1938، وينتمي لعائلة إيرانية الجذور، كما تتلمذ على يدي المرجع الشيعي محمد باقر الصدر المعروف بالصدر الأول.
ويقيم الحائري في مدينة قم الإيرانية منذ عام 1974، بعد أن سافر إليها لغرض الدراسة، لكنه لم يتمكن من العودة إلى العراق، إثر حملات الاعتقال التي شنها نظام البعث الأسبق ضد أعضاء حزب الدعوة الإسلامي الذي يعد أستاذه محمد باقر الصدر مؤسسه الرئيسي.
يقول الكاتب والباحث العراقي، علي مدن، إن الحائري باشر عام 1978 بإلقاء دروس "البحث الخارج" التي تعادل مرحلة الدراسات العليا، في إيران، ولعب دوراً كبيراً في التعريف بأفكار وآراء أستاذه الصدر في حوزة قم، وأسس عام 1980 مدرسة "الشهيد الصدر" الدينية.
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "برزت شخصية الحائري بنحو خاص قبيل الثورة الإيرانية ضد الشاه عام 1979، بعد أن تمكن النظام البعثي من تفكيك تنظيمات حزب الدعوة داخل العراق وإعدام أهم قياداته، ما تسبب بهجرة واسعة لكوادر الحزب إلى الخارج، خصوصا باتجاه إيران".
"وبحكم أن الحائري أكبر وأقدم طلاب محمد باقر الصدر، توجهت أغلب الأنظار إليه، وقاد إلى جانب محمد مهدي الآصفي ومرتضى العسكري، وجميعهم من أصول إيرانية؛ أهم التحولات الجديدة في مسار حزب الدعوة في مرحلة ما بعد 1979"، يتابع مدن.
وألف الحائري في إيران عدة كتب حول الشريعة الإسلامية، وأصدر عددا من الفتاوى منها الدعوة للمعارضة المسلحة ضد نظام حزب البعث في العراق، كما جمع فتاواه في كتابه "مسألة المعارضة المسلحة" الذي أوقف توزيعه بعد سقوط النظام البعثي برئاسة صدام حسين عام 2003.
من أبرز فتاوى الحائري خلال السنوات الماضية، المتعلقة بـ"إجازة القتال في سوريا إلى جانب الجيش السوري في مواجهة الجماعات المسلحة، باعتباره واجباً شرعياً".
يوضح مدن: "لعب الحائري دورا كبيرا في صناعة مسار جديد لحزب الدعوة في العراق عبر حزمة سياسات مثل الانتقال بالحزب إلى مرحلة العمل السياسي والانخراط في الكفاح المسلح ضد النظام السابق، وتكريس حضور وهيمنة طبقة رجال الدين في قيادة الحزب، خصوصا من طلاب مدرسة محمد باقر الصدر في إيران، وهم إيرانيون في الأصل، تحت مسمى فقيه الحزب (وهو المنصب الذي شغله الحائري نفسه) على حساب اتجاه آخر يمثله محمد هادي السبيتي".
ويشير إلى أن الحائري عمل على "إعادة تعريف المشكلة السياسية في العراق على أنها نزاع على خلفيات طائفية فيما كانت المشكلة، وفقا لخطابات الصدر كما كشفته نداءاته الأخيرة: "مشكلة احتكار السلطة من قبل مجموعة في حزب البعث".
ويشدد مدن على أن "عزوف الحائري عن الحضور في العراق، وأيديولوجيته السياسية التي يراها الكثيرون من أتباع الصدر تحديا للوطنية العراقية المتنامية، قللت من أهمية تأثيره على الشارع العراقي".
"ومع اعتلال صحته واعتزاله اليوم يكون فقد بنحو دائم أهلية ممارسة أي دور حقيقي، ديني أو سياسي، على العراقيين"، حسب مدن.
وطيلة السنوات التي أعقبت وصول نظام ولي الفقيه الحكم في إيران، نجح الحائري في بناء شبكة من العلاقات مع مسؤولين إيرانيين وأصبح ضمن رجال الدين المقربين من خامنئي، وضمن اللجنة التي تعطي الأهلية للمرشحين لمجلس خبراء النظام.
من جهته، يعتبر المحلل السياسي العراقي، عقيل عباس، الحائري "رجل دين تقليديا، لا يمتلك انتباهات تخرج عما هو تقليدي وسائد مثل أستاذه محمد باقر الصدر".
ويقول لـ"ارفع صوتك"، إن "وصية المرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر لمقلديه بتقليد الحائري من بعده أعطى الأخير بُعدا آخر إضافياً".
ووفق عباس، "يتشابه الحائري مع محمد الصدر في الدعوة إلى ولاية الفقيه بالنسخة العراقية، لذلك تحوّل الصدريون إلى تقليده كجزء من احترامهم للصدر لكن دائما كان هناك شد بين الطرفين".
ويعلن كاظم الحائري في موقعه الإلكتروني تبنيه لنظرية ولاية الفقيه التي يقوم عليها النظام السياسي في إيران.
ويقول عقيل عباس: "كان للحائري دائماً دور في الضغط على التيار الصدري لإنهاء احتجاجاته، كما حدث عام 2016 عندما تدخلّ بوصفه المرجع واتصل مع مقتدى الصدر وطلب من التيار إنهاء الاحتجاجات، وهو ما حدث فعلاً".
ويؤكد عباس: "نظريا يمكن للمرجع الاعتزال عندما لا يستطيع أن يؤدي مهامه بسبب المرض، لكن هذا لم يحصل في كل التاريخ الشيعي، ويبدو أن اعتزال الحائري في هذه اللحظة غريب وغير طبيعي ولا يتفق مع ما هو معروف في تاريخ التشيّع.. خاصة أنه عندما أعلن اعتزاله نصح الصدريين بتقليد خامنئي، وهذا عمليا يعني أن الصدريين سيكونون تحت سيطرة وأمر خامنئي، ما قد ينهيهم سياسيا كحركة عراقية تعارض الإطار التنسيقي".