هذه الاشتباكات شكلت ذروة الأزمة التي يمر بها العراق منذ الانتخابات
هذه الاشتباكات شكلت ذروة الأزمة التي يمر بها العراق منذ الانتخابات

ما إن وضعت المواجهات المسلحة، في قلب العاصمة العراقية بغداد، أوزارها، الثلاثاء، وجه رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، مصطفى الكاظمي، كلمة للشعب العراقي، شكر فيها القوات الأمنية التي حافظت على حيادها تجاه "نزاع السلاح المنفلت"، حسب تعبيره.

وفي "النزاع المنفلت"، يشير الكاظمي ضمنا إلى اقتتال بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بين مسلحي الإطار التنسيقي، وآخرين تابعين لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أدت، بين الاثنين والثلاثاء، إلى سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من الجانبين، وتسببت بأضرار وحرائق في بعض مباني المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا في بغداد، حيث تتركز مقرات الحكومة والسفارات والبعثات الدبلوماسية.

بدأ الكاظمي خطابه بـ"الشكر للقوات الأمنية والامتنان إلى كل قواتنا الأمنية التي أريد لها أن تكون طرفا في نزاع السلاح المنفلت فأبت إلا الاصطفاف مع الوطن وترفض وضع فوهات البنادق أمام صدور العراقيين مهما بلغ انفعالهم".

موقف الكاظمي المعروف بميله للتهدئة وعدم التصعيد تجنبا لإراقة دماء العراقيين، حسب ما أشار هو في أكثر من مناسبة، لقي ترحيبا في داخل العراق وخارجه. وأثنى زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في كلمته التي وضعت حدا لاشتباكات المنطقة الخضراء الثلاثاء، على القوات الأمنية العراقية "التي وقفت موقف الحياد مع كل الأطراف" وقائد القوات المسلحة على "وقفته المشرفة".

وبينما انشغل مراقبون للمشهد السياسي العراقي بتداعيات المواجهات المسلحة التي امتدت إلى مناطق أخرى في العراق، أثار ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي السؤال: لماذا لم تتدخل القوات العراقية في النزاع ما دام بين أطراف تحمل سلاحا "منفلتا"، خارجا على سيطرة الدولة؟

وأشار محللون سياسيون تحدثوا لموقع "الحرة"، إلى أن أحداث المنطقة الخضراء رغم بشاعتها، ربما كانت تمثل فرصة أمام رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي لتحجيم دور الميليشيات واستعادة هيبة الدولة.

ولهذا الناشط موقف آخر من "حياد" القوات الأمنية.

ومساء الاثنين، فرضت الحكومة العراقية حظر تجول في كل أنحاء البلاد. وبقيت المدارس والإدارات العامة والمتاجر مغلقة. وخلت الشوارع إلى حد كبير من المارة بينما جاب الشوارع مسلحون على متن شاحنات وهم يحملون أسلحة آلية ويلوحون بقاذفات قنابل. وخلال ليلة الثلاثاء استمر إطلاق النار والصواريخ في أنحاء العاصمة العراقية.

 

فرصة الكاظمي

"لا يفتقر الكاظمي إلى الرغبة في فرض القانون"، حسبما يرى المحلل السياسي، منقذ داغر، "لكن تجارب سابقة جعلته يفكر مليا قبل القيام بأي إجراء، مثل اعتقال "جماعة كتائب حزب الله ودخول المليشات المسلحة إلى المنطقة الخضراء". هذه التجارب أوصلت الكاظمي إلى استنتاج بأنه ليس لديه "الثقة الكاملة بقدرة قواته على أن تحسم المعركة".

ويتابع داغر  أن ما يمنع الكاظمي أيضا، في هذا المجال، افتقاره للدعم السياسي مقارنة بالقوة السياسية التي تتمتع بها الفصائل المسلحة، "إضافة إلى عدم وجود حزب يدعمه، وهذا أيضا يضعف موقف السيد الكاظمي".

ومنذ الثلاثاء، يتراوح الخطاب الإعلامي للأطراف المتنازعة بين دعوات للتهدئة وأخرى للتصعيد، كما تبين حسابات على موقع تليغرام، فيما يطالب التيار الصدري، على لسان محمد صالح العراقي المعروف بـ"وزير القائد" الكاظمي بمواجهة نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

ويتهم الإطار التنسيقي الذي يضم بين صفوفه ميليشيات موالية لإيران، الكاظمي بالتواطؤ مع الصدريين.

والخميس، دعا المعروف بـ"وزير القائد"، الكاظمي، إلى إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وحل الفصائل المسلحة وإخراج عناصرهم وأفراد الحشد من المنطقة الخضراء وسط بغداد.

وقال في تغريدة على تويتر إن "الفياض متحزب ورئيس كتلة" وبالتالي فإن وجوده في المنصب سيؤدي "لتسييس" الحشد الشعبي.

المحلل السياسي، رمضان البدران يشير إلى أن "حالة الفصائل المنفلتة في داخل العراق ليست وليدة يوم وليلة، بل هي من مكملات النفوذ السياسي والنفوذ الخارجي  في داخل العراق، ووفرت مرحلة دخول داعش فرصة  واسعة لتزايد هذه المليشيات وتكاثرها  ولحصولها على قانون يضفي عليها الشرعية في الوجود والحركة وفي التأثير أيضا".

ويذهب البدران إلى أن "الكاظمي ورث قوى أمنية محسومة التبعية، وأن جهاز مكافحة الإرهاب ربما هو الأكثر تحررا، ولكن باقي الأجهزة كلها خاضعة للنفوذ الخارجي ولاسيما الإيراني وخاضعة لنفوذ المليشيات".

وفي خطابه عقب المواجهات، قال الكاظمي إن حكومته تتبنى منذ أكثر من عامين "سياسة حصر السلاح بيد الدولة رغم كل الاتهامات والطعون والصواريخ التي وجهت إلينا"، ودعا الكاظمي إلى مواجهة ما سماها "الحقيقة المرة، وأن يوضع السلاح تحت سلطة الدولة فعلا".

ويعزو البدران عدم نجاح الكاظمي في السيطرة على الانفلات الأمني إلى "شخصيته المرتبكة"، حسب تعبيره. ويتابع "عند بدء العمل كانت حوله جماعة تريده أن يؤسس حزبا وكان لديه هذا الطموح، لكنه ألغى فيما بعد فكرة الحزب وانتهى إلى أن يراهن على شخصه لوحده عسى أن يكون قاسما مشتركا بين القوى السياسية إذا ما اختلفت".

في المقابل، يرى الكاتب المحلل السياسي، عقيل عباس، أن القوات الأمنية قادرة من الناحية الفنية على وضع حد لتغول السلاح المنفلت، لكن المشكلة في القرار السياسي.

يقول عقيل عباس إن الكاظمي لا يريد أن ينفرد بهذا القرار، ويريد دعما سياسيا من الفرقاء السياسين للقيام بمواجهة الميليشيات. وإذا ما أقدم على خطوة كهذا "فسيكلفه ذلك الكثير وستعاقبه القوى السياسية بعدم التجديد له".

ويرى كثير من العراقيين أن "حياد" القوات الأمنية العراقية قد يزيد الأمور سوءا.

 وفي الوقت الذي يتهم فيه قادة الإطار التنسيقي الكاظمي بعدم القيام بواجبه بوصفه القائد العام للقوات المسلحة في مواجهة الاحتجاجات الصدرية، يشير  الكاتب عقيل عباس إلى أن الصدريين يرغبون في أن يبقى الكاظمي على الحياد، وهو ما فعله وعليه أن ينتظر أن تحسم القوى السياسية الخلاف فيما بينها.

لكن رغم الدعوات إلى التهدئة، قُتل أربعة مقاتلين من "سرايا السلام"، الجناح العسكري للتيار الصدري و"عصائب أهل الحق"، أحد فصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران، في مواجهات ليل الأربعاء الخميس في مدينة البصرة جنوبي العراق.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.