العراق

شركات نفط تتطلع لوساطة أميركية بين بغداد وأربيل

رويترز
02 سبتمبر 2022

طلبت شركات نفطية تعمل في إقليم كردستان العراق من الولايات المتحدة المساعدة في نزع فتيل التوتر بين الحكومة المركزية في العراق والمنطقة ذات الحكم الذاتي، حسبما أفادت ثلاثة مصادر وأظهر خطاب اطلعت عليه رويترز.

وذكرت المصادر أن الأمر يستلزم تدخلا لضمان استمرار تدفق النفط من شمال العراق إلى تركيا، حتى لا تضطر أنقرة إلى زيادة وارداتها النفطية من إيران وروسيا.

وقالت إن اقتصاد إقليم كردستان عرضة للانهيار إذا فقد إيراداته النفطية.

وشاب التوتر الأجواء في فبراير عندما قضت المحكمة الاتحادية العراقية بعدم دستورية قانون ينظم قطاع النفط في كردستان.

وفي أعقاب صدور الحكم كثفت الحكومة الاتحادية، التي طالما عارضت السماح لحكومة كردستان بتصدير النفط بشكل مستقل، جهودها للسيطرة على عائدات تصدير النفط من أربيل، عاصمة الإقليم.

وقبل صدور الحكم، وفقا لنسخة من الخطاب الذي اطلعت عليه رويترز، كتبت شركة (إتش.كيه.إن إنرجي) ومقرها دالاس لسفيري الولايات المتحدة في بغداد وأنقرة في يناير تطلب الوساطة في قضية أخرى تعود لعام 2014 وتتعلق بخط الأنابيب الواصل بين العراق وتركيا.

وتتهم بغداد تركيا بانتهاك الاتفاقية الخاصة بالخط بسماحها بمرور صادرات كردستان، والتي تعتبرها غير قانونية، عبر خط الأنابيب إلى ميناء جيهان التركي.

ولم ترد وزارة الطاقة التركية على طلب التعليق.

وعُقدت الجلسة الأخيرة في القضية بباريس في يوليو، وستُصدِر غرفة التجارة الدولية قرارا نهائيا خلال الأشهر القادمة حسبما ذكرت وزارة النفط العراقية.

ولا يزال من غير الواضح الخطوات التي قد تتخذها تركيا إذا صدر حكم لصالح العراق، وهو أمر مرجح، وفقا لثلاثة مصادر مطلعة على الأمر اطلاعا مباشرا.

وأجرت شركة نفطية واحدة أخرى على الأقل اتصالات رفيعة المستوى مع أربع حكومات معنية بشكل مباشر أو غير مباشر، لحثها على التدخل، حسبما صرح لرويترز ممثل للشركة طلب عدم الكشف عن هويته.

وأحجمت شركات أخرى عاملة في كردستان العراق مثل جينيل إنرجي وشيفرون عن التعليق على قضية التحكيم، ولم ترد شركتا دي.إن.أو وجلف كيستون حتى الآن على طلب التعقيب. ‬‬

 

إمدادات في خطر

من شأن أي توقف لتدفق النفط عبر خط الأنابيب الواصل بين العراق وتركيا أن يقود لانهيار اقتصاد كردستان إضافة إلى دفع تركيا للحصول على مزيد من الخام من إيران وروسيا، وفقا لرسالة (أتش.كيه.أن) لممثلين عن الولايات المتحدة.

ولم ترد وزارة الثروات الطبيعية في كردستان ولا وزارة النفط في بغداد على طلب للتعليق.

ولم يحقق العراق استفادة كاملة من ارتفاع أسعار النفط التي قفزت إلى أعلى مستوى في 14 عاما بعد انطلاق الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير ولا تزال قرب المئة دولار للبرميل.

وخط الأنابيب الممتد بين العراق وتركيا يمكنه ضخ ما يصل إلى 900 ألف برميل يوميا، تمثل تقريبا واحدا في المئة من إجمالي الطلب العالمي اليومي، من كل من شركة تسويق النفط العراقية (سومو) وحكومة كردستان العراق.

إلا أنه يجري حاليا ضخ 500 ألف برميل من حقول شمال العراق، الذي سيجد صعوبة في زيادة الإمدادات ما لم تكن هناك استثمارات جديدة.

ويتوقع محللون أن تنسحب شركات من كردستان إذا لم تتحسن الأوضاع.

وقد فقدت الكثير من الشركات الأجنبية اهتمامها بالفعل.

كانت هذه الشركات قد قدِمت إلى كردستان في عهد الرئيس السابق الراحل صدام حسين، عندما كان يُنظر إلى المنطقة على أنها أكثر استقرارا وأمنا عن بقية مناطق العراق.

ومع تدهور الأمن، سعت أيضا الشركات القليلة المتبقية، وهي في أغلبها صغيرة ومتوسطة الحجم، لوجود دور أميركي للمساعدة في ردع الهجمات التي تستهدف البنية التحتية للطاقة فضلا عن تعزيز الأمن بشكل عام.

ووفقا لمصادر مطلعة اطلاعا مباشرا، دعمت الشركات خطابات أرسلها أعضاء في الكونغرس إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في أغسطس. وطلبت المصادر عدم الكشف عن هويتها نظرا لحساسية الأمر.

وطالبت الخطابات بإجراء مشاورات رفيعة بين أربيل وبغداد تأمينا لاستقرار كردستان ودرءا للتدخل الإيراني في العراق.

 

خفوت الاهتمام الأميركي

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس في 16 أغسطس إن الخلافات بين بغداد وأربيل خلافات تخص الجانبين، لكن الولايات المتحدة يمكن أن تشجع على الحوار.

واستدعت الخارجية الأميركية في يوليو شركة الاستشارات القانونية الأميركية (فنسون اند إلكنز) التي تمثل وزارة النفط العراقية في بغداد، لتقديم إحاطة في واشنطن بشأن الخلاف الخاص بخط أنابيب العراق-تركيا. ووفقا لمصدر مطلع، من المرجح تقديم إحاطتين أخريين في بغداد وواشنطن.

وقال جيمس لوفتيس الشريك في (فنسون اند إلكنز) إن "بغداد سترحب بالتأكيد بأي تصريحات أميركية لزعامة كردستان العراق بأن عليها الالتزام بالتدابير الدستورية العراقية ذات الصلة بقطاع النفط في العراق".

وامتنعت وزارة الخارجية الأميركية عن التعليق إلا أن خبراء في القطاع لا يرجحون تدخلا من الولايات المتحدة أو يستبعدون أن يجدي نفعا إن حدث.

وقال رعد القادري العضو المنتدب للطاقة والمناخ والاستدامة في أوراسيا غروب "الولايات المتحدة سحبت يدها من العراق على مدار العقد الماضي. وأي ضغط من واشنطن أو من غيرها لن يحل الخلافات بين بغداد والأكراد".

وكان مسؤول كردي قد قال لرويترز في أغسطس آب إن حكومة كردستان طلبت من الولايات المتحدة دعم قدراتها الدفاعية، إلا أنه قال إنها لا تعول على ذلك كون الأولوية القصوى للولايات المتحدة هي إحياء الاتفاق النووي مع إيران.

رويترز

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.