بعد ما باتت تجارة وتعاطي المخدرات في العراق تسجل تصاعداً متتاليا منذ سنوات، تحركت اللجنة النيابية لشؤون العشائر لتوقيع ميثاق شرف بين رؤساء القبائل يضمن إعلان البراءة من أبناء العشائر المتورطين في قضايا الاتجار بالسلاح والمخدرات.
وباتت نواقيس الخطر تضرب في أرجاء البلاد، خصوصاً المحافظات الجنوبية منها، مع كثرة النسب المسجلة في حالات المتاجرة والتعاطي للمخدرات وخصوصاً الكريستال ميث ذي التأثير الفتاك والأعلى ضرراً مقارنة بقية الصنوف الأخرى.
وتدخل مادتا الكريستال والحشيشة إلى العراق عبر محافظتي ميسان والبصرة قادمة من إيران، في حين تدخل حبوب الكبتاغون والمؤثرات العقلية الأخرى عن طريق سوريا نحو محافظة الأنبار، بحسب ما كشفت عنه مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية في فبراير الماضي.
وتطارد القوات الأمنية المختصة تجار المخدرات عبر عمليات عسكرية واستخباراتية، لا تخلو من تبادل مروجيها النيران مع عناصر الأمن حتى إن بعض الملاحقات تحولت إلى معارك ضارية بين الجانبين.
ورغم تزايد عمليات الاعتقال بحق مروجي المخدرات وضبط كميات كبيرة منها بين الحين والآخر فضلاً تفكيك شبكات خطيرة، ما تزال تجارة المخدرات تتصاعد ويقابلها ارتفاع في أعداد المدمنين وغالبيتهم من أوساط المراهقين والشباب.
وكانت تقارير أمنية وصحفية تحدثت في وقت سابق، عن ضلوع جهات "مليشاوية" متنفذة في السيطرة على توريد المخدرات إلى البلاد وأن مواجهتها تتطلب أحيانا قدرات أكبر من إمكانات الدولة وأجهزتنا الأمنية.
وسجلت الدوائر الأمنية بحسب تقارير رسمية اعتقال أكثر من 11 ألف شخص بين متاجر ومتعاطي للمخدرات خلال العام الماضي.
وكان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها، لكنه سن قانونا جديدا عام 2017 يمكن بمقتضاه علاج المتعاطين في مراكز التأهيل أو الحكم بسجنهم فترة تصل إلى 3 سنوات.
وإضافة إلى العراقيل التي تتحدث عنها وزارة الداخلية، بينها السيطرة على المنافذ وتفعيل القوانين، تنضاف التدخلات القبيلة المتصاعدة سطوتها في العراق ما بعد 2003، كعامل إضافي لتعقيد مهمة السيطرة على آفة المخدرات.
يقول رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب ، محمد الصهيود لـ"ارفع صوتك" إن "الكثير من أفراد القوات الأمنية المكلفين بموضوع مكافحة المخدرات والسيطرة على السلاح المنفلت يواجهون تهديدات وضغوط عشائرية إزاء ضبط بعض أبنائهم بالجرم المشهود مما يعرض حياتهم للخطر".
ويضيف الصهيود أن "اللجنة النيابية، ورغم تعطل انعقاد البرلمان، تتحرك في مساع وجهود بالتنسيق مع شؤون العشائر في وزارة الداخلية لإبرام ميثاق شرف مع كبار رؤساء القبائل في البلاد لتعضيد الجهد الأمنيوإزاء المخدرات والسلاح المنفلت وكذلك النزاعات العشائرية".
ويتابع: "يلزم ميثاق الشرف الموقعين من عشائر وقبائل العراق بالتبرؤ ممن يثبت تورطه بتلك الجرائم وعدم ملاحقة عناصر الأجهزة الأمنية ممن يشغلون تلك مهام الاعتقال والمطاردة والملاحقة".
ويأتي ذلك التحرك بعد نحو 3 أيام على تحرك مماثل في محافظة ميسان جنوب العراق، بتوقيع اتفاقية عهد بين رؤساء العشائر بحضور القيادات الأمنية ودوائر وزارة العدل والقضاء العراقي في التصدي لتجارة المخدرات والسلاح والحد من النزاعات العشائرية المسلحة.
وبحسب مراقبين ومختصين، أسهمت الأزمة السياسية التي تعشيها البلاد منذ نحو عام عقب إعلان نتائج انتخابات أكتوبر المبكرة، وتداعيات ذلك على اضطراب الأوضاع العامة، بتوفير بيئة أكثر ملائمة لرواج المخدرات وتفشي معدلات الإدمان.
من جانبها، تقول العضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان، بشرى العبيدي، إن "اللجوء إلى العشيرة للحد من انتشار المخدرات هو اعتراف ضمني وصريح من قبل الدولة بضعف القانون وفشل مؤسساتها من حد انتشارها".
وتضيف العبيدي لـ"ارفع صوتك"، إن "الدولة عنوانها القانون وهو من يحتكم ويحكم فيه القضاء وبالتالي فإن القضايا الجرمية والجنائية وجميع ما يثبت الأمن ويدفع إلى استبابه يقع على كاهل منفذي ذلك التشريع حصراً وليس بمشاطرة ذلك الجهد مع العشيرة"، لافتة إلى أنه "قد يستعان بالقبيلة بوصفها جزءاً من الشعب لتسهيل المهام ولكن لا أن يكون عنوان ذلك الاعتماد بوصفها سلطة بمفردها".
وتشدد العبيدي على ضرورة أن تسعى الحكومة، بدلا من اللجوء إلى العشائر، إلى تعضيد مكتب مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية وتمكينه من الأجهزة المتطورة ودعم المعابر الحدودية والمطارات بالتقنيات الحديثة من أجل إحكام السيطرة على عمليات تهريب المخدرات.