نصب التحرير في بغداد

تداولت مواقع التواصل الاجتماعي آراء ومواقف لمختصين في الفن والأدب والعمارة، اتسمت بالغضب والجدل بشأن عمليات الترميم التي يشهدها نصب التحرير وسط العاصمة بغداد بعد أن طرأت بعض التغييرات على معالمه الهندسية.

وأظهرت صور ملتقطة لجدارية نصب التحرير وهي تكتسي باللون القريب من الأصفر الغامق بدلاً من الأبيض الذي كان عليه منذ إنشائه في ستينات القرن الماضي وحتى الأمس القريب.

أثار اللون الجديد لنصب التحرير الجدل في الشارع العراقي.

وأثار ذلك التغيير حفيظة الكثير من المهتمين بالنصب التذكارية والمختصين في الفنون التشكيلية وغيرهم بعد أن عدوا ذلك تطاولاً على هوية نصب التحرير وشخصية ذلك العمل الفني الذي يبرز جملة من الأحداث التي عاشتها البلاد قبل عقود.

وكانت وزارة الثقافة والسياحة والآثار أعلنت في مايو الماضي، عزمها ترميم وتهيئة بعض النصب الموجودة في العاصمة بينها نصب التحرير بمساعدة أمانة بغداد وبإشراف مجلس الوزراء.

الفنان التشكيلي حازم محمد كتب في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، يقول: "على ما يبدو أن المسؤولين في العراق يصرون على محاولة تدمير كل ما يستطيعون تدميره في هذا البلد".

وأضاف محمد: "آخر ضحية هي نصب التحرير وتغيير لونه من الأبيض إلى هذا اللون القبيح واستعمال مادة بائسة في الترميم (مرمر رخيص وقبيح)، ومن قبل شركة تركية".

من جانبه، علق الروائي العراقي أحمد السعداوي، قائلاً: "كل الجهود المبذولة مشكورة طبعاً وليس من العدالة تجاهلها ولكم ما جدوى هذه الاجتهادات غير النافعة الآن؟!.. وكأن أصحابها يريدون تسجيل أسمائهم مع الفنانين الأصليين ليس إلا".

ويشير السعداوي بذلك من خلال منشور على صفحته في الفيس بوك إلى انه "بعد أن تنتهي هذه الفترة المضطربة، هل سيصحح المشرفون على المرافق والمنشآت الفنية كل الأخطاء المرتكبة حالياً ومنها تبديل رخام الأفريز ولونه الأصلي في نصب التحرير".

ويجسد النصب التذكاري حكاية الانتقال من الحكم الملكي إلى الجمهورية إبان قيامها على يد عبد الكريم قاسم.

والنصب الذي مازال قائما حتى الآن وسط بغداد، من تصميم المعماري العراقي المعروف رفعت الجادرجي ومن تنفيذ النحات جواد سليم الذي توفى قبل افتتاحه بـ6 أشهر ليعهد فيما بعد استكماله إلى زوجته لورنا سليم وتلميذه محمد غني حكمت.

وعقب اللغط والجدل بشأن تغيير لون النصب واستبدال رخامه الأصلي، أصدرت وزارة الثقافة توضيحا.

صمم نصب التحرير على يد المعماري العراقي المعروف رفعت الجادرجي.

وقالت الوزارة في بيان لها: "كثر الحديث في الأيام الماضية عن إعادة تأهيل نصب الحرية وحديقة الأمة، وهنا بعض النقاط التي تسلّط الضوء على هذا العمل الذي ينشد إعادة الجمال لمدينتنا العريقة".

وأشار البيان إلى أن "النصب كان يعاني من إهمال ولم تتم صيانة الحجر على الرغم من مرور فترة زمنية طويلة وفقدان العديد من القطع، لذلك أعدّ المكتب الاستشاري لجامعة بغداد دراسة إنشائية، وتمت معاينته من العديد من المتخصصين وتبين استحالة استبدال القطع المفقودة.

وقد أعيد إكساء النصب بالحجر(الترفرتين)، وهو تركي المنشأ، وهو بنفس نوعية وأبعاد وأحجام الحجر السابق، ولم يكن هناك أيّ تغيير للمواصفات الفنية، حيث كان التحدي الأكبر إجراء الصيانة دون المساس بالمنحوتات أو إنزالها، وتمت العملية بنجاح كبير، بحسب البيان.

وتابعت وزارة الثقافة: "قامت شركة Gorkem  -التركية بالتجهيز وبعملية الإكساء، وهي من الشركات الرصينة التي نفذت مبنى السفارة التركية وقصر الضيافة وغيرها من المشاريع المهمة في بغداد، وعلى حسابها الشخصي، أي لم يتم صرف دينار واحد لإعادة إكساء النصب".

ولفتت إلى أن "هناك من يُشكل على لون الحجر، نود الإشارة إلى أن الحجر تم استيراده مباشرة من المصدر، ولمن لا يعلم فعادة عملية التقطيع والمعالجة تمر بعدد من المراحل بعضها يتم استعمال الماء و السوائل، ولكونه مادة مسامية لذلك يبدأ الحجر بفقدان هذه السوائل بشكل تدريجي ويبدأ تغيير اللون من الداكن إلى الفاتح بشكل تدريجي ، أما مقارنته ودرجة تطابقه بحجر تعرض للعوامل الجوية لمدة أكثر من 60 عاماً فهو لا يمتّ للمنطق بصلةٍ".

وختمت وزارة الثقافة بيانها بالقول: "أنه أعيد تصميم حديقة الأمة لتعود إلى أصلها السابق وقت التشييد عملاً بمبدأ الحفاظ على التراث".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.