احتيال إلكتروني باسم "تبرعات للفقراء والمحتاجين" في العراق
لم تدرك هناء حامد (45 عاماً) أن رغبتها بالمشاركة في حملات التبرع بالمال لمساعدة المحتاجين ستعرضها لعملية احتيال خسرت بسببها 100 دولار.
تقول لـ "ارفع صوتك": هناك نوع جديد من المتسولين على منصات التواصل الاجتماعي، ليسوا من مروجي العلامات التجارية والسلع والبضائع، بل لحملات التبرع بالمال".
تعود قصة هناء مع التسوّل الإلكتروني إلى عام 2020، عندما تزايدت حملات المطالبة بمساندة المصابين بفيروس كورونا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتضيف "كنت أعتقد أنه سيكون من الصعب التحايل واستجداء المال عبر المنصات الرقمية وشبكة الإنترنت، لكن الحقيقة غير ذلك".
في مواقع التواصل الاجتماعي، يشير البعض إلى ذلك على أنه "فعل خير"، فتبدأ غالباً عمليات التسول بإطلاق منشورات مرفقة بصور أو فيديوهات، مثل "حملة الألف دينار مستمرة بإذن الله تعالى بتبرع الخيرين وبجهود أشخاص تبرعوا بجمع المبالغ وإيصالها إلى الفقراء والمحتاجين.. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم (حب لأخيكَ ما تحب لنفسكَ).. إسعاد الفقراء والمساكين دين في رقبتنا"، مع هاشتاك #التبرع إما مبالغ مالية يتم تحويلها أو كارتات تعبئة الهواتف كورك- آسيا – زين"، وغيرها من المنشورات.
حالات إنسانية
أحمد كاظم (33 عاماً)، من بغداد، يقول لـ"ارفع صوتك" إن هناك صفحات تعرض صوراً ومقاطع فيديو لحالات إنسانية لفقراء ومرضى، حتى أن بينهم من يتفق مع أشخاص لتقديم أنفسهم على أنهم ضحايا وبحاجة ماسة للمال.
"كما ينشر البعض صوراً حقيقية لمرضى وفقراء ويجمع التبرعات باسمهم من دون علمهم"، يضيف أحمد.
ويروي ما حصل معه: "في البداية اتصل صديق للعائلة وأخبرني عن حاجة تجميع مبلغ من المال للذين ليس لديهم القدرة على توفير تكاليف العلاج من بعض الأمراض السرطانية، فلم أتردد وساندته بتجميع حوالي 3000 دولار من أقاربي".
ويتابع أحمد: "ولكن ما كان يجري غير ذلك، فصديق العائلة لم يكن سوى محتال اختفى بعد شهر واحد من تجميع الأموال، بعد إغلاق صفحته الشخصية وهواتفه".
ويشير إلى أن ذلك "الصديق المحتال الذي هاجر البلد" وفق وصفه "كان عاطلاً عن العمل وليس لديه المال الكافي حتى في ترويج معاملة سفر، كما أخبرتني والدته وأخته اللواتي أكدن أن أخباره انقطعت عنهما، بعد أن كانا على تواصل مستمر معه قبل سفره".
ويقول أحمد "المشكلة ليست بخسارتك للمال بقدر ابتعادك عن فعل الخير ومساندة الآخرين الذين يكونون بحاجة للمساعدة، لأنك مع أول عملية احتيال تتعرض لها، ستفقد الثقة بكل من يروج ويعلن عم هذه الحملات".
قانون العقوبات العراقي
كجزء من سلسلة إجراءات اتخذتها وزارة الداخلية للحد من التسول الإلكتروني، تعتقل المتسولين، وتحاول تفكيك العصابات التي تتخذ من حالات النصب والاحتيال وسيلة للكسب، وفق تصريحات مدير قسم محاربة الشائعات التابع لدائرة العلاقات والإعلام في الوزارة العميد نبراس محمد.
وأفاد محمد أن التسول الإلكتروني يعد "ظرفاً مشدداً يدخل في عمليات النصب والاحتيال في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل".
وتنص المادة (456) من القانون نفسه: "يعاقب بالحبس كل من توصل إلى تسلم أو نقل أو حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر، من خلال استخدام طرق احتيالية، أو اتخاذ اسم كاذب، أو صفة غير صحيحة، أو تقرير أمر كاذب عن واقعة معينة".
ومع تزايد معدلات الفقر والبطالة وارتفاع تكاليف المعيشة، استغلت بعض المنظمات الخيرية ومن ينتمي إليها من أفراد متطوعين هذه الأوضاع للتربح المالي عبر التسول الإلكتروني.
من جهتها، ترى المحامية نبراس عدنان، أن المشكلة "ليست في التصدي للتسول الإلكتروني والحد منه أو القضاء عليه بقدر التساؤل عن الإجراءات التي تضمن عدم الوصول إلى حالة التسول سواء كانت إلكترونيا أو على أرض الواقع".
وتقول لـ "ارفع صوتك" إن "عمليات الاحتيال مثل هذه لا يمكن السيطرة عليها أو الحد منها بسهولة؛ لأن من يديرها دائما ما يظهر بأسماء وهمية أو مستعارة، فضلاً عن قدرته على إغلاق تلك الصفحات أو تعطيلها بسرعة".
وتضيف عدنان أن "الكثير من ضحايا التسول الإلكتروني يعانون من مشكلات تتعلق بعدم إمكانية الثقة بمن ينتمون تقريباً إلى حملات التبرع، فضلاً عن المحتاجين أنفسهم".
وفي السنوات الأخيرة، أصبح التبرع بالمال عبر المنصات الإلكترونية من الحيل الشائعة لعدم وجود عقوبات جدية رادعة للحد من انتشاره، خاصة أن التسول الإلكتروني من الجرائم العابرة للحدود التي لا ينحسر فعلها على المستوى المحلي فقط، بسبب اعتماده على الإنترنت، الذي يمكن المحتالين من الوصول لعدد كبير من المستهدفين.
وتؤكد عدنان أن القضية "معقدة جداً ومتشابكة وفيها أكثر من وجه، تحديداً عندما نكتشف أن العديد من المواد في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، من الممكن أن تعاقب المتورط بالتسول الإلكتروني، وهي المادة 456 (النصب والاحتيال)، والمواد 390، 391، 392 (ظاهرة التسول)".
ويُعاقب قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدلفي مواده الثلاث (390، 391، 392) بالحبس والغرامات المالية على ظاهرة التسول.
ونصت جريمة التسول في المادة (390/1) من القانون على عقوبة "بالحبس مدة لا تزيد عن شهر كل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره وكان له مورد مشروع يتعيش منه او كان يستطيع بعمله الحصول على هذا المورد وجد متسولا في الطريق العام او في المحلات العامة أو دخل دون إذن منزلا أو محلا ملحقا لغرض التسول وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر إذا تصنع المتسول الإصابة بجرح أو عاهة أو الح في الاستجداء".
أما بالنسبة للمتسول الذي لم يتم الثامنة عشره من عمره فقد نصت الفقرة الثانية من المادة نفسها "إذا كان مرتكب هذه الأفعال لم يتم الثامنة عشرة من عمره تطبق بشأنه أحكام مسؤولية الأحداث في حالة ارتكاب مخالفة ويجوز للمحكمة بدلا من الحكم على المتسول بالعقوبة المنصوص عليها في المادة السابقة إن تأمر بإيداعه مدة لا تزيد على سنة داراً للتشغيل إن كان قادراً على العمل أو بإيداعه ملجأ أو داراً للعجزة أو مؤسسة خيرية معترف بها إذا كان عاجزا عن العمل".
وتوضح المحامية عدنان "لذا فنحن بحاجة كبيرة لقانون خاص بالتسول الإلكتروني الذي سيقع حتماً ضمن الجرائم الإلكترونية، خاصة أن من يقترف مثل هذه الجرائم يعمد إلى استغلال صور لمرضى ليسوا على دراية بذلك غاية في الإقناع، وهنا قد يدخل الأمر في خانة الاتجار بالبشر".