أحد الصفوف المدرسية في كردستان العراق، خلال اليوم الأول في السنة الدراسية 2022-2023- فرانس برس
أحد الصفوف المدرسية في كردستان العراق، خلال اليوم الأول في السنة الدراسية 2022-2023- فرانس برس

تسعى وزارة التربية العراقية إلى إيجاد الحلول الناجعة لطباعة الكتب المنهجية للعام الدراسي الحالي، حيث يجري وزيرها علي حميد الدليمي محاولات حثيثة ومتواصلة مصممة خصيصاً لتوفير مبالغ مالية. 

وتؤكد معاونة الشؤون العلمية في المديرية العامة للمناهج بوزارة التربية، الدكتورة إسراء طالب توفيق، إن "محاولات وزير التربية مستمرة لتأمين مبالغ مالية لطباعة الكتب المدرسية وخاصة للمراحل الابتدائية، وبالتالي فإن مسألة طباعة الكتب غير مغلقة". 

ويأتي ذلك، خلال توضيحها لـ"ارفع صوتك"، حول ماهية أزمة تأخر تسليم الكتب المدرسية للتلاميذ كالمعتاد، ولم يبق سوى أسبوعان على بدء السنة الدراسية المقررة في الأول من أكتوبر المقبل.

وتقول توفيق، إن "تأخر إقرار الموازنة والمخصصات المالية لعام 2022، أضر كثيراً بوزارة التربية كما غيرها من الوزارات والمؤسسات الحكومية، فغيابها يعني توقف التمويل والمشاريع".

وكان من المفترض أن تقر موازنة 2022 في نهاية العام الماضي 2021، إلا أن حالة الانسداد السياسي التي يعيشها العراق حالت دون ذلك.

تبين توفيق: "ليست هناك اتفاقيات معينة أو إبرام لعقود طباعة الكتب سواء في داخل البلاد أو خارجه، لأن المساعي الآن تجري في كيفية حصول وزارة التربية على المبالغ المالية اللازمة، وما يشاع من أخبار هنا وهناك عن أن العراق سوف يطبع الكتب المنهجية للعام الدراسي الحالي في لبنان مقابل النفط لا صحة له نهائياً".

 

"ماكو كتب"

اعتادت الطالبة في السادس الإعدادي من بغداد، إيلاف محمد، على استلام جزء من الكتب المدرسية قبل بداية الدوام الرسمي، ولكن ذلك لم يحدث هذا العام.

تقول لـ "ارفع صوتك" إن "الدوام الرسمي سيبدأ قريباً ولغاية الآن لم نستلم كتاباً واحداً، رغم اعتيادنا  على استلام المستعمل منها مع نهاية العطلة، فيما توزع الكتب الجديدة مع بداية الدوام".

وتضيف إيلاف: "نسمع الآن الكثير عبارة (بعد ماكو كتب مدرسية جديدة)، ما دفع والدي لتأمين بعض الكتب لإخوتي الصغار". 

وتشير إلى أن "أغلبية الأهالي يخشون إذا قاموا بتوفير الكتب المدرسية على نفقتهم الخاصة سواء بشراء الجديد أو استنساخه، من إمكانية أن تتبدل هذه المناهج كما يحدث دوماً، خاصة أن أسعارها ارتفعت".

وتقول إيلاف، إن الكثير من الطالبات "لا يتمكنّ من توفير التكاليف المالية اللازمة لشراء واستنساخ الكتب المدرسية بسبب ظروفهن الاقتصادية الصعبة".

ووفقاً لبيان عضو لجنة التربية والتعليم في البرلمان العراقي جواد الغزالي، فإنّ "وزارة التربية تواجه تحديات كبيرة، أبرزها عدم قدرتها على طباعة كتب جديدة خلال العام الحالي بسبب غياب التخصيصات المالية، رغم وجود عائدات هائلة للنفط".

"كما أنّ "طباعة الكتب المدرسة بحاجة إلى أموال طائلة، ولا يمكن اللجوء إلى طرق أخرى مثل الطبع بالآجل بسبب التعقيدات، ورفض أغلب الجهات ذلك، والطلبة مجبرون على استخدام الكتب القديمة، والاعتماد على المسترجع لحين إيجاد مخرج لهذه الأزمة"، كما قال الغزالي.

 

الكتب الجديدة

أزمة الكتب المدرسية ليست جديدة، إذ تتكرر كل عام لأسباب مختلفة، أبرزها كثرة التعديلات التي تطرأ على المناهج ممّا يؤدي إلى إعادة طبعها وتأجيل تسليمها. 

تقول المُعلمة آلاء علي لـ"ارفع صوتك": "خلال السنوات العشر الأخيرة تغيرت المناهج وأضيف لها كثيراً، بالتالي فإن ما يحدث هو أننا بحاجة دائمة لطباعة كتب جديدة". 

المشكلة بالنسبة إليها وغيرها من الملاكات التدريسية لا تنتهي عند هذا الحد، إذ تضيف علي، أن "المسترجع من كتب الطلبة والتلاميذ بعد انتهاء العام الدراسي يكون أقرب للتالف ولا يمكن الاستفادة منه".

وآخر إحصائية لعدد طلبة المدارس فس عموم العراق، كانت العام الماضي، حيث قدّر بـ 13 مليون طالب، فيما بلغ عدد المسجلين الجدد في الصف الأول الابتدائي أكثر من مليون طالب.

 

استنساخ الكتب

من جهته، يرى المدرس ناجي حميد، أن المراحل الدراسية كافة تعاني من شحّة في الكتب المنهجية.  

يقول لـ"ارفع صوتك": "حتى طالب الإعدادية الذي يصل لمراحل نهائية من الدراسة نجده يفتقر إلى ثقافة المحافظة على كتابه المدرسي، إذ يعيد الكتب بعد انتهاء العام الدراسي وقد أصبحت لا تصلح لشيء من كثرة ما كتب عليها وفقدت أغلب صفحاتها". 

"على الرغم ممّا نبذله كمدرسين وإدارة مدرسية من توجيه وتوعية، إلا أننا لا نجد أذاناً صاغية، لذا غالباً ما يلجأ الأهالي إلى استنساخ هذه الكتب لسد النقص"، يضيف حميد.  

ويشير إلى أن تكاليف استنساخ الكتب قد تكون مرتفعة جداً، ولا تستطيع جميع العائلات تأمينها، خصوصا إذا كان لدى العائلة عدة طلاب ليس واحداً أو اثنين فقط.

من الجدير بالذكر أن كل الكتب متوفرة إلكترونياً عبر الإنترنت،  مواقع التواصل، لكن هذا "لا يشكل حلاً" وفق حميد، معللاً بأن "الطالب يحتاج كتابه الورقي معه أينما كان". 

 ويعتقد أن "الحل الأمثل للقضاء على هذه الأزمة، الرجوع إلى المطابع العراقية، لا سيما أن أغلبها يمكن أن تطبع هذه المناهج بطريقة احترافية عالية". 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.