أحد شوارع بغداد
مشهد من العاصمة العراقية بغداد- تعبيرية

أكد مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية، أن الشرطة الاتحادية اعتقلت منتسباً فيها بعد ظهوره في مقطع فيديو يبدو "كما هو متداول الآن كأنه يتحرش بفتاة داخل حافلة لنقل الركاب في العاصمة بغداد".

واعتبرت الشرطة الاتحادية فعلته "مخلة بالآداب العامة، ويُنتظر انتهاء التحقيقات بشأن حقيقة الفيديو.

يقول العطية لـ"ارفع صوتك"، إن "مثل هذا الفعل يعتبر جريمة يتم بسببها تشكيل مجالس تحقيقية لمحاكمة مرتكبها، كما أن العقوبة ستكون شديدة لأن الفاعل أساء للجهات الأمنية، وكذلك لاعتدائه على الحقوق والحريات، فضلاً خدشه للذوق العام". 

وأثار مقطع الفيديو الذي يُظهر راكباً في حافلة عمومية، يمارس العادة السريّة علناً،  غضباً واسعاً بين العراقيين، وطالب أغلبهم بإيقاع العقوبة المناسبة بحقه.

ولأيام، تصدرت وسوم عدة تتعلق بالفيديو، مثل #متحرش- الكرادة و #اوقفوا_متحرش_الكراده، صفحات العراقيين في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً تويتر. 

وحسب ما هو متداول، قامت فتاة بتصوير المنتسب للشرطة الاتحادية وهو يتحرّش بها من خلال ما فعله، الأمر الذي لاقى  دعماً كبيراً باعتباره يضع المتحرشين أمام محاسبة قانونية ومجتمعية، وفي نفس الوقت تعرضت الفتاة للوم كبير إلى جانب تبرير التحرّش ووصم المتحرّش بـ"الضحية" من قبل نشطاء وإعلاميين في مواقع التواصل.

ليست أول مرة!

تعلم الكثير من النساء العراقيات، بأن واقعة الكرادة ليست غريبة أو جديدة، حيث تعرضن لتحرشات مماثلة، سواءً في المواصلات العامة أو الشوارع.

تقول وفاء جلال (29 عاماً) إنها تحرص على ألاّ تستقل مركبات الأجرة (التاكسي) والحافلات، خصوصاً بعد تعرضها لتحرش جنسي في إحداها. 

وتوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "الكثير من النساء والفتيات يتعرضن لمضايقات الرجال واعتداءاتهم الجنسية في الشوارع والأماكن العامة، وخاصة عند ركوب سيارات الأجرة، إلاّ أن بعض تلك التحرشات لا يمكن تجاوزها بسهولة". 

تتذكر وفاء، وهي معلمة في رياض الأطفال، كيف أن سائق تاكسي، وأثناء إيصالها لمقر عملها "قام بفتح سحاب بنطاله وأخرج قضيبه ثم بدأ العبث به، محاولاً لفت انتباهها".

"لحظتها أصبت بالصدمة وانتابني الشعور بالغثيان من سلوكه هذا، حتى بدأت بالصراخ، الأمر الذي دفعه إلى إيقاف حركة السيارة طالبا مني الخروج، وأنا هربت بسرعة"، تبيّن وفاء.

وتصف ما قام به السائق، بأنه "مُعيب ولا يمكن نسيانه، خاصة أنه ولّد لديّ الكثير من مخاوف إمكانية تعرضي للاغتصاب أو شبهات قبولي لهكذا فعل، لذا وحتى لا أتعرض لمثل هذه المضايقات فضلت أن أخصص سيارة لمشاويري ودوامي".  

 

وواجهت أنسام (31 عاماً)، تهمة أنها هي من أفسحت المجال لرجل تحرّش بها عبر الاستمناء أمامها داخل مركبة عامة، بعد أن أخبرت زوجها بالموقف. 

تقول لـ "رفع صوتك": "حين أخبرت زوجي بما تعرضت له، ألقى اللوم عليّ، وكرر تساؤلاته (لماذا أنت بالتحديد من تحرش بها؟".

"لم أكن أتوقع أن ما تعرضت له سيدفع زوجي إلى اتهامات أخرى تتعلق بمظهري الذي تحول بعد الحادثة فجأة إلى غير محتشم بنظره، أو أن من يستحق العقوبة هو أنا فقط لأني خرجت من المنزل بمفردي"، تضيف أنسام. 

وتشير إلى أن هذه الحادثة أثرت كثيراً على تصرفات زوجها معها، حيث صار يتحكم في طريقة اختيارها لملابسها وكذلك في مسألة خروجها من المنزل. 

 

الوسيلة الوحيدة

من جهتها، تقول الناشطة الحقوقية عذراء محسن إن "الكثير من الناس اعتادوا على ربط عفة المرأة وشرفها بالسكوت، حتى لو شاهدوا تعرضها لاعتداءات جنسية أو اغتصاب، نظراً لأن هذه الأمور تعتبر عاراً على العشيرة، لذا غالبا ما تتم معاقبة النساء والفتيات إذا تحدثن بذلك". 

وترى أن المرأة هنا – في حال التحدث- ستعاقب مرتين، الأولى "أن تكون ضحية العنف الجنسي والثانية نظرة المجتمع وأفراده التي يغلب عليها الانتقاد والاتهام، خاصة وأن القضية هنا تدخل في مفهوم الستر والفضيحة". 

وتضيف محسن أن "الذين يثنون على شجاعة الفتاة التي تُقدم على فضح هذه السلوكيات- محدودة جداً مقارنة بالمنتقدين والساخطين لها حتى لو تم الاعتراف بما تعرضت له من انتهاكات". 

وتعتقد الناشطة أن غالبية النساء لا يتحدثن عما يتعرضن لهذا النوع من الاعتداء الجنسي تحديداً، وخاصة صغيرات السن مثل الطالبات الجامعيات. 

وتشير محسن إلى أن فضح هؤلاء عبر مواقع التواصل، ربما "الوسيلة الوحيدة لمحاكمتهم اجتماعياً بالنسبة للكثيرين للحد من هذه السلوكيات الخطيرة تجاه النساء والفتيات، ولكن الأفضل بنظري أن تكون هناك جهة أمنية تتخصص باستلام الشكاوى الموثقة من قبل الضحايا لإلقاء القبض عليهم".  

"لكن هذا الأمر قد لا يكون نافعاً من دون تثقيف المجتمع وتوعيته بحقيقة بعض الشخصيات التي تحركها شهواتهم بهذه الطريقة المخلة بالمجتمع، وفق تعبيرها"، تقول محسن.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.