متظاهرون إيرانيون يحرقون دراجة تابعة للشرطة الإيرانية في طهران
متظاهرون إيرانيون يحرقون دراجة تابعة للشرطة الإيرانية في طهران

تستأثر الاحتجاجات التي اندلعت في إيران منذ منتصف سبتمبر، باهتمام العراقيين الذين يعتقد بعضهم أن انشغال طهران بأزمتها الداخلية قد يمنح العراق ودول المنطقة فرصة للاستراحة من التدخلات الإيرانية.

ويرى الناشط، السياسي حسين الزبيدي أن إيران تهيمن بشكل كبير على المشهد السياسي في العراق منذ عام 2003، بالاعتماد على "أصدقائها"، بحسب وصفه.

يقول الزبيدي لموقع "الحرة" إن "أي هزة في طهران ستكون لها آثار في بغداد، بسبب ارتباط رموز النظام والسياسة والميليشيات العراقية بإيران بشكل أو بآخر".

وتشهد إيران حاليا احتجاجات وصفها الناشط الإيراني أمير لورجي بالـ"خطرة"، إذ سقط خلالها حتى الآن نحو 75 متظاهرا قتلى جراء عنف قوات الأمن الإيرانية.

يقول لورجي لموقع "الحرة" إن "الاحتجاجات الحالية قد تحمل تغييرات سياسية مهمة، وهي بالتأكيد ستكون خطوة اجتماعية كبيرة على طريق الانفصال الكامل عن النظام الحالي".

ووفقا لناشطين عراقيين، فإن "الاحتجاجات الايرانية دائما ما تكون ملهمة لشعوب المنطقة لأنها تحدث تحت ظل نظام قمعي بوليسي وتجد صداها عالميا"، كما يقول الناشط حيدر المرواني.

لكن على الصعيد الشخصي، يقول المرواني "لا أعتقد أن نجاح هذه التظاهرات سوف يأتي بأي منفعة أو تغيير إيجابي داخل العراق لأن معارضي النظام الإيراني، سواء في الداخلي وفي الخارج لهم نفس الموقف تقريبا من العلاقة مع العراق، حيث يسود نموذج تكون فيه بلدان المنطقة التابع لإيران وليس الحليف".

ويتابع العراقيون بشكل نشط التظاهرات التي اندلعت عقب وفاة الإيرانية مهسا أميني بعدما اعتقلتها شرطة الأخلاق بأيام. واعتبر كثير من الناشطين العراقيين على تويتر أن التظاهرات ستؤدي إلى "إضعاف أو إسقاط" النظام الإيراني، وهذا شيء إيجابي بالنسبة للعراقيين، بحسب رأيه.

وتشهد بغداد تظاهرات انطلقت الأربعاء تدعو إلى تغيير النظام الحالي بالتزامن مع عقد أول جلسة للبرلمان منذ أكثر من شهرين، عقب تعطيل التيار الصدري لجلسات البرلمان احتجاجا على مرشح كتلة "الإطار التنسيقي" المقربة من إيران، لرئاسة الوزراء.

احتجاجات انطلقت الأربعاء في بغداد

ويقول المحلل السياسي العراقي أحمد السهيل إن "أية تظاهرات في إيران عنوانها الرئيس مناهضة المرشد مفيدة جدا للعراق في سياقين، الأول أنها حتى وإن لم تغير النظام ستسهم في زعزعته ولو نسبيا وهذا يزيد انشغال طهران بأزماتها الداخلية وتبتعد قليلا عن العراق والمنطقة".

ويضيف أن السياق الآخر هو أن طهران بكل ماكينات القتل التي تمتلكها لم تثنِ الإيرانيين عن التظاهر تقريبا في كل سنة متحدين كل أدوات القمع، وهذا يسهم دائما في تحفيز مساحات الاحتجاج في العراق بالضد من أذرع إيران".

ويقول السهيل إن التظاهرات مهمة جدا، خصوصا وأن المجتمع الدولي يطمح لإعادة تفعيل الاتفاق النووي غاضا الطرف عن انتهاكات إيران الداخلية والخارجية، وحملة التظاهر الحالية وموجات العنف المضادة لها ستدفع المجتمع الدولي الى مراجعة حساباته متأثرا ربما بضغوط منظمات حقوقية أو المجتمعات الغربية، وبالنتيجة قد لا يدفع إلى إنتاج اتفاق مريح لطهران لا يشتمل على قضايا الحريات، ودعم المتشددين داخل وخارج إيران".

وشنت إيران حملة قصف، الأربعاء، استهدفت مناطق حدودية في كردستان العراق، قالت إن فيها مسلحين "منخرطين في أحداث التخريب الحالية" وفقا لوكالة تسنيم.

وأسفر القصف عن مقتل 13 شخصا بينهم نساء وأطفال.

ويقول الناشط العراقي، محمد الموسوي إن "أي اضطرابات في إيران سيكون لها آثار سيئة على العراق"، مضيفا لموقع "الحرة" أن "إسقاط النظام أو إضعافه بدرجة خطيرة سيطلق موجات من الفوضى في بلد يمتلك علاقات وتأثيرا كبيرا على العراق، وحدودا طويلة معه، مما يعني أن الفوضى ستكون معدية"، وفقا لوصفه.

وأثارت التطورات الأخيرة تساؤلات حول دلالات التصعيد العسكري الإيراني ضد إقليم كردستان العراق وسط اشتعال المظاهرات المنددة بمقتل الشابة مهسا أميني (22 عاما) ذات الأصول الكردية. 

وذكرت وزارة الخارجية العراقية، في بيان منفصل، أنها "تُدينُ وبأشدِّ العبارات الاستهداف المدفعيّ والصاروخيّ من قبل الجانب الإيراني، متزامناً مع استعمال عشرين طائرة مسيَّرة تحملُ مواد متفجِّرة، طالَت أربع مناطق في إقليم كردستان العراق، وأوقعت أعداداً من القتلى والجرحى، في تطوّرٍ خطر  يهددُ أمن العراق وسيادته، ويضاعِف آثار الخوف والرُعب على الآمنينَ من المدنيين".

المزيد من المقالات:

مواضيع ذات صلة:

من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية
من تظاهرة احتجاجية في العاصمة العراقية بغداد حول تعديلات مقترحة على قانون الأحوال الشخصية- تعبيرية

 في مكتبها وسط العاصمة العراقية بغداد، تجتمع المحامية مروة عبد الرضا مع موكلها الشاب العشريني وزوجته (ابنة خالته)، اللذين يسعيان لتوثيق زواجهما المنعقد خارج المحكمة لصغر سن الزوجة (13 عاما)، وهي طالبة في السادس الابتدائي بمنطقة المدائن على أطراف العاصمة بغداد.

تقول عبد الرضا لـ"ارفع صوتك": "لا يمكن الحديث عن الزواج المبكر من دون أن يتم ربطه بشكل مباشر بالزواج خارج المحاكم لأنهما مرتبطان ببعضهما البعض".

بعد اكتشاف حمل الفتاة، قررت العائلة توكيل محام لتقديم طلب توثيق العقد. تضيف عبد الرضا "الإجراءات الحكومية بسيطة وغير معقدة في مثل هذه الحالات، فالقاضي يجد نفسه أمام الأمر الواقع بسبب حمل الفتاة، فيتم تصديق العقد وفرض غرامة أقصاها 250 ألف دينار على الزوج (نحو 150 دولاراً)".

الزيجة التي تشير إليها المحامية "ليست الأولى ولن تكون الأخيرة" على حدّ تعبيرها، "بل هي حالة اجتماعية متوارثة لاعتقاد سائد أن الرجل يرتبط بفتاة صغيرة ليقوم بتربيتها على ما يحب ويكره، لكن النتيجة كثيرا ما تكون سلبية بحسب القضايا التي تشغل أروقة المحاكم ونراها بشكل يومي. فالفتاة التي تتزوج بعمر الطفولة غير قادرة على استيعاب العلاقة الزوجية، وفي كثير من الحالات يكون الأمر أشبه بالاغتصاب".

تتحدث عبد الرضا عن ارتفاع كبير بنسب الطلاق في المحاكم العراقية: "كثير منها يكون نتيجة الزواج المبكر وتدخّل الأهل بسبب صغر أعمار الطرفين وهو ما يؤثر بشكل كبير على العلاقة الزوجية".

وتشير إلى أنه كثيرا ما يتم التزويج "لعدم وجود فتيات في منزل العائلة للرعاية والعمل المنزلي، فيكون مطلوب منها القيام بأعمال الكبار وهي بعمر الطفولة، وهذا أكبر من قدرة أي فتاة صغيرة".

ما تكشف عنه عبد الرضا تؤيده إحصاءات مجلس القضاء الأعلى، ففي شهر يوليو الماضي كان هناك 2760 عقد زواج خارج المحكمة، و1782 حالة طلاق خارج المحاكم و4562 حالة بتّ فيها، بعد رفع دعاوى قضائية.

وينقل المجلس الأعلى في أحد تقاريره عن القاضي عماد عبد الله قوله إن المحاكم العراقية "شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الطلاق. وأهم الأسباب ترجع إلى حالات الزواج المبكر التي تفتقر لمتابعة الأهل، وعدم توفر الاستقرار المالي الذي يسمح بإنشاء أسرة بالإضافة إلى التأثر بالسوشيال ميديا".

A woman holds up a sign reading in Arabic "the marriage of minors is a crime in the name of safeguarding (honour)", during a…
"خارج السرب".. رجال دين يعارضون تعديلات "الأحوال الشخصية"
مع أن طرح التعديلات على قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، يحظى بدعم كبير من غالبية رجال الدين الشيعة والسنة في العراق، إلا أن بعض رجال الدين من الطائفتين، غردّوا خارج السرب وسجّلوا مواقف معارضة للتعديلات على القانون.

تداعيات الزواج خارج المحاكم

تتحدث شابة فضّلت عدم الكشف عن اسمها لـ"ارفع صوتك" عن سنوات طويلة حُرمت فيها من أبسط حقوقها، فلم تتعلم القراءة والكتابة، ولم تنل رعاية صحية لائقة، فقط لأن زواج أمها المبكر وإنجابها لها وهي في عمر صغير، جعلها من دون أوراق ثبوتية.

"تزوجت والدتي بعقد خارج المحكمة بعمر صغير، وانفصلت بعد أشهر قليلة عن والدي لعدم انسجامهما معاً، لتكتشف حملها بي"، تروي الشابة.

وضعت الأم حملها وتزوجت مرة ثانية، ورزقت بالمزيد من الذرية. تبين: "لم يتم إصدار أوراق ثبوتية لي، فحُرمت من التعليم ومن الرعاية الصحية، وكنت أحياناً استعين ببطاقة شقيقتي الأصغر للحصول على العلاج في المستشفيات".

توفيت والدتها التي قابلناها لصالح تقرير سابق قبل ثلاث سنوات، وفي أوائل العام الحالي وهي بعمر 23 عاماً تزوجت الشابة بعقد خارج المحكمة، واليوم تسعى لاستخراج هوية الأحوال المدنية لتوثيق زواجها "لا أريد أن تتكرر مأساتي مع أطفالي أيضاً".

من جهته، يقول المحامي خالد الأسدي لـ"ارفع صوتك" إن قضايا الزواج والطلاق خارج المحكمة في أغلبها تكون "بسبب صغر عمر الزوجة أو للزواج الثاني، كون القضاء يطلب موافقة الزوجة الأولى، ونتيجة لذلك أصبح لدينا جيش صغير من الأطفال غير الموثقين رسمياً والمحرومين من أبسط الحقوق".

الزواج المبكر كما يشرح الأسدي "لا يقتصر على الإناث فقط بل يشمل الذكور أيضاً، فقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 اعتبر سن الثامنة عشرة هو سن الأهلية القانونية لإجراء عقد الزواج".

القانون ذاته وضع استثناءات، يفنّدها الأسدي "فقد منح القاضي صلاحيات تزويج من أكمل الخامسة عشرة من العمر وقدم طلباً بالزواج، وفق شروط تتعلق بالأهلية والقابلية البدنية التي تتحقق بتقارير طبية وموافقة ولي الأمر". 

ستابع الأسدي "هذا الاستثناء لا يشجع زواج القاصرين قدر تعلق الأمر بمعالجة حالة اجتماعية بطريقة قانونية تتيح فيه القرار للسلطة القضائية".

مع ذلك، فما كان مقبولاً في الفترة التي تم تشريع القانون بها، لم يعد مقبولاً في الوقت الحالي؛ كون المسالة تتعلق برؤية اجتماعية جديدة فيها جوانب اقتصادية وتغيرات اجتماعية كبيرة شهدها العراق خلال العقود الستة الأخيرة، بحسب الأسدي.

 

قصص

لم تكن أم علي تتجاوز 14 عاماً حين تم تزويجها إلى ابن عمها، كان ذلك أواخر تسعينيات القرن الماضي. واليوم تواجه "مشكلة"، إذ تم الاتفاق - دون رغبة الأم- على تزويج ابنتها البالغة من العُمر 14 سنة.

عدم رغبة الأم هي نتيجة مباشرة لما تعرضت له خلال رحلة زواجها الطويلة. تقول أم علي لـ"ارفع صوتك": "صحيح أنني أمتلك عائلة وأبناء وبنات أصبح بعضهم بعمر الزواج. لكن، لا أحد يتحدث عن مرارة الرحلة".

وتوضح "أنا وزوجي كنا بعمر متقارب ومن عائلتين فقيرتين. بعد زواجي بشهر واحد حملت بطفلي الأول.. كنا مجرد طفلين نعتمد على مصروف يوفره والده، أو أعمال متقطعة في مجال البناء، ولم يأت الاستقرار إلا بعد عشر سنوات حين تطوع في الجيش، وأصبح لديه راتب ثابت وبات قادراً على الإنفاق".

على الرغم من عدم رغبتها بخضوع ابنتها للتجربة ذاتها، تقول أم علي "التقاليد والأعراف لا تسمح لنا بذلك، لا أريد لابنتي أن تواجه المصير ذاته ولكن ليس بيدي حيلة وليس لنا رأي".

على عكس حكايتها، تقول أم نور  إن أحداً لم يجبرها على الزواج حين كانت بعمر السادسة عشرة، مردفة "كل فكرتي عن الزواج كانت ترتبط برغبتي بارتداء فستان أبيض، وأن الجميع سيرقصون من حولي، لكن سرعان ما اكتشفت أنّي لم أكن مؤهلة لتكوين عائلة".

في العراق كما تشرح أم نور وهي على أعتاب الستين " كثيراً ما يكون الزواج مبكراً، ودون أن تكون هناك فكرة حقيقية عن المسؤولية ومدى قدرتنا على تحملها، أو تربية أطفال والتعامل مع بيئة جديدة مختلفة عن التي تربينا فيها بعد الانتقال إلى منزل الزوجية".

أفكار نمطية                       

الموروث الثقافي كما يرى أستاذ الاجتماع رؤوف رحمان يلعب دوراً كبيراً فيما يتعلق بالزواج المبكر للإناث والذكور بشكل عام في العراق.

يقول لـ"ارفع صوتك" إن البيئة العراقي التقليدية "تربّي الفتاة على أنها غير مؤهلة لإدارة شؤونها، فيكون مصيرها مرهوناً بقرار العائلة التي تفضّل تزويجها مبكرا لأنها مرغوبة اجتماعياً ومطلوبة للزواج ما دامت صغيرة في السن، وتقل حظوظها كلما تقدمت في العُمر".

في حالات كثيرة يذكرها رحمان "تسعى الفتيات للارتباط حين تفتقد الأسرة إلى الانسجام، أو للتخلص من العنف الأسري والفقر، خصوصاً ضمن العائلات الممتدة والريفية أو في أحيان أخرى للحصول على مهرها".

ويرى أن الزواج المبكر في العراق يرتبط أيضاً "بالعنف والصراعات والحروب المستمرة، فعدم الاستقرار الأمني يدفع العوائل لتزويج الفتيات بعمر مبكر للتخلص من مسؤوليتهن".

أما في ما يتعلق بالزواج المبكر للذكور، فيشير رحمان إلى وجود "فكرة خاطئة مفادها أن تزويج الذكر بعمر صغير يقيه من الانحراف أو الوقوع في المشاكل عندما يكون مسؤولاً عن زوجة وأطفال بعمر مبكر".

كل هذه التقاليد والأعراف النمطية المتوارثة تشكّل بحسب رحمن "مواطن الخلل في المجتمع، فنحن اليوم بحاجة إلى ثقافة مختلفة تماماً، في زمن تغيرت طبيعة الحياة فيه من ريفية بسيطة إلى مدنية معقدة، غزتها وسائل التواصل وغيرت الكثير من أساليب العيش وسط أزمة اقتصادية خانقة وزيادة مرعبة بأعداد السكان".

جزء من الحل كما ترى المحامية مروة عبد الرضا، يكمن في "تثقيف الشباب من الإناث والذكور عن الحياة الزوجية والمسؤولية المترتبة عن إنشاء أسرة عبر دروس ضمن مناهج وزارة التربية، ومحاضرات من الباحثين الاجتماعيين ضمن المحاكم العراقية قبل عقد القران، لتأهيل وتوعية المقدمين على الزواج".