أعمدة الدخان تتصاعد من أحد المواقع التي تعرضت للقصف الإيراني في منطقة شيراوا جنوب أربيل في كردستان العراق.
أعمدة الدخان تتصاعد من أحد المواقع التي تعرضت للقصف الإيراني في منطقة شيراوا جنوب أربيل في كردستان العراق.

لم يكن صباح الأربعاء الماضي يوما طبيعيا بالنسبة للاجئين الكرد الإيرانيين، الذين يعيشون في كردستان العراق، فالطائرات والصواريخ الايرانية عكرت يومهم بقصف مكثف لمخيماتهم ومقراتهم أسفر عن مقتل أكثر من 15 شخصا وإصابة أكثر من 58 آخرين بينهم نساء وأطفال.

وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان في بيان، الأربعاء، أن "الحرس الثوري الإيراني هاجم الإقليم بأكثر من 70 صاروخاً بالستياً من طراز "فاتح" وطائرات مسيرة مفخخة من داخل الأراضي الإيرانية على أربع مراحل، تضمنت الأولى الصواريخ البالستية فقط، والثانية الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة المفخخة، والثالثة الصواريخ البالستية بإسناد طائرات المراقبة، وفي المرحلة الرابعة استخدمت الصواريخ البالستية فقط".

واستهدفت الصواريخ والمسيرات الإيرانية مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومحيط إحدى المدارس ومخيمات اللاجئين في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل ومقرات حزب الحرية الكردستاني في منطقة شيراوه جنوب أربيل ومقرات جناحي حزب الكوملة الكردستاني في منطقة زركويز بمحافظة السليمانية.

شُكر كردستاني، اسم مستعار للاجئ إيراني يعيش منذ سنوات في قضاء كويسنجق، يروي لموقع "ارفع صوتك" ما شهده من أحداث في ظل القصف الإيراني.

يقول كردستاني: "كنت أستعد للخروج من المنزل عندما سمعت صوت انفجار هز المدينة.. فهرعت مسرعا إلى الخارج وجدت مجموعة من النساء خائفات. وفي هذه الأثناء، تكررت الانفجارات الواحدة بعد الأخرى وبقوة، فركبت السيارة مسرعا للوصول إلى ابني في المدرسة وإعادته إلى البيت وعند اقترابي من منطقة المدرسة سقطت أكثر من أربع مسيرات في المنطقة المحيطة بالمدرسة وأسفرت انفجاراتها عن تحطم زجاج سيارتي بالكامل فتوقفت ونزلت منها راكضا نحو المدرسة".

ويضيف كردستاني: "عندما وصلت المدرسة كانت هناك فوضى عارمة وأصوات الصراخ ترتفع من الأهالي والأطفال والمعلمين، الذين كانوا يحاولون بكل الوسائل حماية الأطفال من القصف. الكثير من الأطفال كانوا يهربون من المدرسة خوفا من تعرضها للقصف. وبكل حال تمكنت من إيجاد ابني وعدنا بصعوبة إلى المنزل، لأن السماء كانت تمطرنا بالنار".

وبحسب المصادر الأمنية في إقليم كردستان، أطلقت الصواريخ والمسيرات المفخخة الايرانية من داخل الأراضي الإيرانية من منطقة سلاسي باوَجان في محافظة كرمانشاه ومنطقة سردشت في محافظة آذربيجان الغربية، واستهدفت أماكن عامة مثل رياض الأطفال والمدارس والمراكز الصحية والمستشفيات وقاعات المناسبات والسيارات الخدمية ومنازل المدنيين.

ويقول رئيس حزب الحرية الكردستاني، حسين يزدان بنا، لموقع "ارفع صوتك": "مواقعنا التي تعرضت للقصف هي جبهة رسمية من جبهات التصدي لتنظيم داعش قرب ناحية بردي "التون كوبري" جنوب أربيل، لذلك نعتبر هذه الضربات نوعا من المساعدة التي يقدمها الحرس الثوري الايراني لداعش، إلى جانب أن النظام يريد من خلال هذه الهجمات الانتقام من مقاتلي البيشمركة والأحزاب الكردستانية مقابل ما تشهده إيران من ثورة في الداخل".

وليست هذه المرة الاولى التي تتعرض فيها مقرات ومخيمات اللاجئين الكرد الإيرانيين في كردستان العراق لضربات من الحرس الثوري، لكنها تعتبر الأعنف منذ سنوات.

وتعرضت مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني لهجمات بالصواريخ البالستية عام 2018، أسفرت عن مقتل أكثر من 11 شخصا وإصابة نحو 30 آخرين من أعضاء الحزب وعائلاتهم.

ويطالب القيادي في حزب الكوملة الكردستاني المعارض لإيران، نوديد مهرئاوَر، المجتمع الدولي باتخاذ "موقف صارم أمام الانتهاكات والاعتداءات الإيرانية المتكررة".

يقول مهرئاوَر لموقع "ارفع صوتك": "تعرضت مقرات جناحي حزب الكوملة الواقعة في محافظة السليمانية إلى قصف مكثف بأكثر من 25 طائرة مسيرة مفخخة، تزامنت أيضا مع قصف صاروخي بصواريخ بالستية، لكن لم يلحق بنا أي أضرار في الأرواح وأسفر عن اضرار مادية فقط".

وتعرضت مدينة أربيل منتصف مارس الماضي إلى هجوم إيراني بأكثر من 12 صاروخا باليستيا، دون أن تكون هناك أضرار كبيرة. وأصابت هذه الصواريخ مزارع ومناطق سكنية من ضمنها منزل رجل أعمال كردي. وأعلن الحرس الثوري حينها أن الهجوم "استهدف نشاطات تجسسية إسرائيلية"، لكن التحقيقات التي أجرتها لجنة تقصي الحقائق الخاصة في مجلس النواب العراقي أكدت عدم وجود أي أدلة أو أدوات مشبوهة في الموقع تشير إلى وجود نشاط تجسسي إسرائيلي.

ويرى الخبير الاستراتيجي، علاء النشوع، أن إيران تتحرك في الشرق الأوسط بمشورة روسيا والصين ولديها طموحات كبيرة جعلتها تقدم على الكثير من السياسات الأمنية والعسكرية والسياسية في المنطقة لتحقيق أهدافها.

ويوضح النشوع في تصريح لموقع "ارفع صوتك": "إيران وسياستها في المنطقة تقوم على التوسع وبسط النفوذ بشتى الطرق المتاحة، فهي تسعى جاهدة إلى نقل معركتها الأمنية والعسكرية خارج جغرافيتها، وهذا أحد أهم أسباب تعبئتها السياسية. بالإضافة إلى ذلك، فهي تستفيد من مقدرات الدول التي تتواجد بها سواء الموارد البشرية أو المادية واستطاعت تكوين مراكز سيطرة وتنظيم لها في كل الدول ومنها العراق".

ويشير الباحث الاستراتيجي العراقي إلى أن طهران تسعى لتطويق إقليم كردستان من جهتها أولا ثم نشر قوات موالية لها من المليشيات الموالية من جهة الغرب والجنوب واستخدام كل الأسلحة المتاحة ضد الإقليم أمنيا وسياسيا وعسكريا وحتى إعلاميا بغرض الضغط المباشر عليه من كل النواحي.

من جانبه، يؤكد الخبير في الشأن الإيراني، سوران بالاني، لموقع "ارفع صوتك"،  أن "هدف إيران من هجماتها على الأحزاب الكردية المعارضة في إقليم كردستان هو نشر الرعب لإبعاد الأنظار عما يحدث من تظاهرات في الداخل الإيراني، التي تتسع يوما بعد يوم مسلطة ضغطا كبيرا على النظام"، معتبرا ضعف الحكومة العراقية وصمت المجتمع الدولي سببا في تكرار الاعتداءات والانتهاكات الإيرانية ضد إقليم كردستان.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.