خريجون عراقيون من محافظة ذي قار يتظاهرون في مدينة الناصرية في 23 أغسطس 2022
خريجون عراقيون من محافظة ذي قار يتظاهرون في مدينة الناصرية في 23 أغسطس 2022

تجذب الرواتب الشهرية "المنصفة" والاستقرار العديد من الخريجين العراقيين إلى الوظائف الحكومية لكن القطاع العام "ينهك" مالية الدولة في بلد يعاني من أزمة سياسية والقطاع الخاص فيه لا يلبي طموحات الشباب.

ومنذ سنوات، تشهد مدينة الناصرية مركز محافظة ذي قار تظاهرات كل يوم تقريبا لخريجين باحثين عن تعيين في القطاع العام يرى ميثم محمد رضا البالغ من العمر 32 عاما، أنه حق مشروع.

وفي جنوب العراق الذي يعاني من الإهمال، "الواسطة" فقط هي ما يضمن عملا لطالبيه، لكن ميثم لا يملك واسطة، لذا يتوجه مباشرة إلى المحافظ للمطالبة بتعيين.

وتلخص حالة الشاب المشهد الاقتصادي العام في العراق، البلد ذي الـ42 مليون نسمة، وحيث الدولة هي الموظف الأول.

ويعتمد العراق الغني بالنفط الذي يشكل 90 في المئة من ايراداته، إلى حد كبير على الوظيفة العامة. 

ويرى فيها الشباب ملاذا وسط الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد، علما أن أربعة من كل عشرة شباب ناشطين اقتصاديا، عاطلون عن العمل.

وبالنسبة لمحمد العبيدي الموظف في إحدى الوزارات منذ 19 عاما، فإن العمل بالقطاع العام أمر إيجابي لأن "الرواتب منصفة" كما يرى، فضلا عن "المنافع والضمان للمستقبل" بعد التقاعد في عمر "55 أو 60 عاما"، ما يسمح للشخص في أن يواصل العمل في القطاع الخاص.

"ممارسات فاسدة" 

رغم رغبة الشباب بها، للوظيفة العامة ثمن يقلق رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، فقد قال خلال مؤتمر صحفي الصيف الماضي، إن "الحكومات الماضية لم توفر فرص عمل للمواطنين وكانت هناك فوضى في التعيينات في العراق.

ورأى أن "هذه الزيادة الكبيرة في عدد موظفي الدولة العراقية بطريقة شعبوية عبثية أنهكت الاقتصاد العراقي".

ومنذ 2004، أي بعد عام على إسقاط نظام صدام حسين وحتى 2019، بلغت "نسبة الزيادة بموظفي الدولة العراقية 400 في المئة"، وفق الكاظمي، مشيرا إلى أن القطاع العام "يشكل ثلثي الموازنة العراقية".

يجعل ذلك النسيج الاقتصادي هشا في بلد "يوظف فيه القطاع العام 3,3 ملايين شخص، أي نحو 37,9 في المئة من السكان الناشطين اقتصاديا، أحد أعلى النسب في العالم"، كما تشرح مها قطاع، منسقة العراق في منظمة العمل الدولية.

وتضيف "هذا ضغط كبير على الحكومة".

ويقر الكاظمي بذلك، لكن قدرته على الإصلاح دونها صعوبات، فبقاؤه على رأس الحكومة يعتمد على المفاوضات بين المعسكرين الشيعيين المهيمنين على المشهد السياسي في العراق. 

وبعد عام من انتخابات أكتوبر 2021، لا يزال الطرفان عاجزين عن الاتفاق على الحكومة الجديدة.

في القطاع العام كما في القطاع الخاص أيضا، يتم التوظيف عادة بالاتفاق والتنسيق بين أبناء العشيرة الواحدة أو الحزب السياسي الواحد.

وأسهم نظام محاصصة وواسطة في "ترسيخ استمرار الممارسات الفاسدة التي تدمر الأسس الأخلاقية والمادية للبلد"، كما كتب وزير المالية السابق، علي علاوي، في رسالة استقالته من منصبه لمجلس الوزراء.

وتحدث علاوي عن الفساد الذي "يمكن وصفه بالسرطان الذي يمكن أن يقتل الجسم"، معتبرا أن الدولة "لم تتحرر ككل من سيطرة الأحزاب السياسية وجماعات المصالح الخارجية".

"حرية"  

وقد تكون هذه فرصة ملائمة للقطاع الخاص ليبدأ بجذب الشباب، لكن ترى مها قطاع من منظمة العمل الدولية أنه ينبغي أولاً على الشركات "تحسين ظروف العمل".

وتضيف "يجب دفع تأمين طبي، ولا بد لرواتبها أن تكون على نفس مستوى رواتب القطاع العام، وهذا أكثر تعقيدا، لأن في القطاع الخاص، ما يهم هو الربح".

مع ذلك، فإن بعض المشاريع الخاصة الصغيرة قد أطلقت، ويأمل أصحابها تحقيق أرباح في اقتصاد بصدد إعادة البناء، بعد عقود من الحروب والنزاعات، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو بنسبة 10 في المئة هذا العام.

وأنشأ ميثم سعد، العراقي البالغ من العمر 41 عاما، قبل 3 سنوات شركة "برحية" لتسويق تمر جنوب العراق.

ويقر الرجل الذي يدير شركة من 30 موظفا، أنه واجه صعوبات في إيجاد موظفين لا سيما من الشباب. 

ويقول "لكن ما إن توظفوا في القطاع الخاص، وطالما أن مديرهم جيد، فهم يشعرون بالاستقرار لأن بإمكانهم التفاوض على رواتبهم"، مضيفا " لديهم كذلك حرية، لديهم إجازات، وهم فعليا جزء من مجموعة".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.