تشغل النجف أهمية كبرى في الأوساط الشيعية باعتبارها المكان الذي دُفن فيه علي بن أبي طالب.
تشغل النجف أهمية كبرى في الأوساط الشيعية باعتبارها المكان الذي دُفن فيه علي بن أبي طالب.

تقع مدينة النجف في الجزء الجنوبي الغربي من وسط العراق. وتشغل أهمية كبرى في الأوساط الشيعية باعتبارها المكان الذي دُفن فيه علي بن أبي طالب، الإمام الأول عند الشيعة الإمامية الإثني عشرية. نلقي الضوء في هذا المقال على تلك المدينة، لنعرف تاريخها وسيرتها وأسباب قداستها، ولنتعرف أكثر عن حوزتها العلمية التي أسهم علماؤها في العديد من الأحداث الاجتماعية والسياسية في تاريخ العراق.

 

تاريخ النجف

 

تختلف الأقوال المفسرة لتسمية مدينة النجف بهذا الاسم، بعضها يصل إلى الغرائبية. على سبيل المثال، يذكر الشيخ الصدوق في كتابه "علل الشرائع" أن أصل مدينة النجف كان بحرًا عظيمًا اسمه "ني"، ثم جف هذا البحر بعد ذلك فقيل: "ني جف" فسمّي بـ "نيجف" ثمّ صار بعد ذلك يسمونه "نجف" لأنّه كان أخفّ على ألسنتهم!

في المقابل، فسر بعض الباحثين هذا الاسم في ضوء الموقع الجغرافي للمدينة. يقول الباحث العراقي المعاصر عبد الرزاق حرز الدين في كتابه "تاريخ النجف الأشرف": "وقد يظهر أنّ السبب في هذه التسمية هو معنى آخر من المعاني اللغوية لكلمة النجف، وذلك لموقع أرض النجف الجغرافي بين السهل الرسوبي والهضبة الصحراوية، والذي يشبه في موقعه إلى حدّ كبير عتبة الباب كحدّ فاصل بين مكانين خارجي وداخلي. وقد ورد في اللغة أنّ النجف أو النجاف تعني "أسكفة الباب" أي عتبة الباب العليا فالنجف تعني "عتبة الصحراء" أو "عتبة أرض العراق"، ولعلو موقع النجف اختصّ بهذا الاسم تمييزًا له عن غيره من المنافذ المؤدّية من وإلى أرض العراق".

يرجع تاريخ مدينة النجف إلى حقبة تاريخية موغلة في القدم. تذكر بعض المصادر التاريخية أن عمران هذه المدينة ابتدأ منذ القرن السادس قبل الميلاد. قام الملك البابلي نبوخذ نصر في تلك الفترة بغزو بعض القبائل العربية، وأنزلها في منطقة النجف وبنى لها البيوت والمنازل للسكنى. بعد فترة، ترك الناس تلك المنطقة وظلت مهجورة حتى القرن الثاني الميلادي عندما قامت مملكة المناذرة في الحيرة بالتزامن مع قيام الدولة الساسانية في بلاد فارس. يشير عبد الرزاق حرز الدين في كتابه إلى عمران النجف في عهد مملكة الحيرة، فيقول: "وكانت أرض النجف في أيام ملوك الحيرة أرضًا خضراء مأهولة. وتدلّ الآثار والأبنية المنتشرة على الضفّة الشرقية لبحر النجف أنّها كانت مسكونة في الفترة الواقعة من العصر الساساني المتأخر إلى القرن الثالث الهجري تقريبًا".

مسيحيون قدامى تحتفظ النجف بمقابرهم.. تعرف على مملكة الحيرة القديمة!
تشتهر مدينة النجف في شتى أنحاء العالم الإسلامي باعتبارها المدينة الشيعية المقدسة التي يواري ثراها جثمان الإمام علي بن أبي طالب، أول الأئمة المعصومين عند الشيعة الاثني عشرية. بدأت أهمية النجف قبل ظهور الإسلام بأربعة قرون كاملة. شهدت أرضها قيام مملكة الحيرة القديمة التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع الفرس الساسانيين. وأسهم ملوكها بشكل مؤثر في نشر المسيحية النسطورية في بعض أنحاء شبه الجزيرة العربية.

تذخر المصادر التاريخية بالعديد من الأدلة التي تثبت أن منطقة النجف كانت مأهولة بالسكان في الفترة التي سبقت ظهور الإسلام مباشرة. وأن العديد من القبائل العربية كانت تسكن بها زمن التوسع الإسلامي المبكر في العراق. في سنة 17ه تقريبًا، وبعد انتصار العرب على الفرس في موقعة القادسية، تم تأسيس مدينة الكوفة إلى الشمال الشرقي من النجف، وقريبا منها. وانتقلت إليها الوفود من الكثير من القبائل العربية التي شاركت في القتال. من أهم تلك القبائل كنانة، وقضاعة، ومذحج، وتميم، وطيء، وهمذان. وسرعان ما زاد عمران المدينة حتى أضحت واحدة من أهم الأمصار في الدولة الإسلامية. عُرفت الكوفة كذلك بكونها مركز الثقل الأهم لمؤيدي علي بن أبي طالب. من هنا، لم يكن من الغريب أن نجد عليا نفسه ينتقل إليها سنة 36ه ليجعل منها عاصمة لدولته بعد أن بويع بالخلافة.

 

النجف.. المدينة المقدسة

 

يتفق الشيعة الإمامية على تقديس مدينة النجف. يرجع السبب في ذلك لمجموعة من الروايات المنسوبة إلى الرسول، وفق الرواية الشيعية، كما يرجع أيضًا لكونها المكان الذي احتوى مرقد الإمام علي بن أبي طالب.

من أشهر الروايات المنسوبة إلى النبي والتي ورد فيها فضل النجف. قوله: "أخصاص بين الحيرة ووادي كوفان يدافع اللّه عنها كدفاعه عن حرمي، لا يريدها جبّار بمارقة إلاّ قصمه اللّه... كأنّي أنظر إلى جبابرتهم‌ صرعى تسفي الرياح في مسامعهم، فبعدًا لأهل النار".

تقول المصادر الشيعية أن النبي ذكر لعلي بن أبي طالب أنه سيدفن في النجف. وأن عليا أمر أبناءه عند احتضاره بأن يدفنوه في تلك البقعة على وجه الخصوص. يذكر الطبرسي في كتابه "إعلام الورى بأعلام الهدى" أن عليا قال للحسن والحسين: "إذا أنا متّ فاحملاني على سريري ثمّ أخرجاني واحملا مؤخّر السرير فإنّكما تُكْفَيان مقدّمه، ثمّ ائتيا بي الغريّين -منطقة في النجف- فإنّكما ستريان صخرة بيضاء فاحتفرا فيها فإنّكما ستجدان فيها ساجة فادفناني فيها...". وجاء أيضا في تهذيب الأحكام للطوسي أن عليا قال لأبنائه: "أن أخرجوني إلى الظهر، فإذا تصوّبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني...".

يعتقد الشيعة أنه تم إخفاء قبر علي بن أبي طالب عند دفنه حتى لا يتعرض له أعداؤه من الأمويين والخوارج بالأذى، وأن الأئمة وحدهم هم الذين استأثروا بمعرفة مكان القبر الحقيقي. وبقي الأمر على هذا الحال حتى قدم الإمام السادس جعفر الصادق إلى الحيرة زمن خلافة أبي جعفر المنصور، فأظهر مكان القبر. وبدأ الناس منذ ذلك الحين في عمارته والتبرك به. وقيل إن الخليفة العباسي هارون الرشيد هو الذي كشف عن موضع القبر زمن خلافته.

يتفق الشيعة على أهمية زيارة قبر علي بن أبي طالب في النجف. ويذكرون العديد من الروايات التي تشير إلى فضل تلك الزيارة وعظم ثوابها. على سبيل المثال، ينقل محمد باقر المجلسي في كتابه "بحار الأنوار" عن جعفر الصادق قوله: "من زار أمير المؤمنين عارفًا بحقّه، غير متجبّر، ولا متكبّر، كتب اللّه له أجر مئة ألف شهيد، وغفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وبعث من الآمنين، وهوّن عليه الحساب واستقبلته الملائكة، فإذا انصرف شيّعته إلى منزله، فإن مرض عادوه، وإن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره".

من جهة أخرى، عُرفت النجف بكونها المكان الذي سيخرج منه المهدي المنتظر في آخر الزمان. يذكر ابن عساكر في كتابه "تاريخ دمشق" أن الصحابي سلمان الفارسي مر بالنجف ذات يوم، فقال: "والذي نفس سلمان بيده كأنّي أنظر إلى المهدي قد خرج منك في اثني عشر ألف عنان لا يرفع له راية إلاّ أكبّها اللّه لوجهها حتى يفتح مدينة القسطنطينية".

في السياق نفسه، ربطت المصادر الشيعية بين النجف وبعض البقاع المقدسة الوارد ذكرها في القرآن. على سبيل المثال، قيل إن أرض النجف تشتمل على جبل الجودي التي استوت عليها سفينة نوح بعد أن انحسر الطوفان، وأن النجف هي طور سيناء التي كلم الله فيها النبي موسى تكليمًا، كما أنها الربوة ذات القرار المذكورة في الآية رقم 50 من سورة المؤمنون "وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ...".

وتحدثت بعض الروايات المنسوبة للأئمة أيضا عن مقبرة النجف المعروفة باسم وادي السلام. نُقل عن الإمام جعفر الصادق قوله: "لا يبقى مؤمن في شرق الأرض ولا غربها إلا حشر الله روحه إلى وادي السلام". وذكر الشيخ عباس القمي في كتابه "منازل الآخرة والمطالب الفاخرة" أن "مِن خواصِ هذهِ التّربةِ الشّريفةِ أنّهَا تُسقِطُ عذابَ القبرَ وحسابَ منكرٍ ونكيرٍ عَن مَن يُدفَنُ فيهَا".

 

الحوزة العلمية

 

في أواخر القرن الرابع الهجري، انتقل الحسين بن روح النوبختي -وهو السفير الثالث للمهدي المنتظر بحسب الرواية الشيعية- لسكنى النجف. وأدى ذلك لتجمع الكثير من طلبة العلم والفقه في تلك المنطقة.

وفي 371ه، زار السلطان عضد الدولة البويهي المدينة وفرق الأموال والهدايا على من بها من الفقهاء وطلبة العلم. وهو الأمر الذي أسهم في رفع شأن المدينة لتصبح أحد المراكز العلمية عند الشيعة في ذلك العصر. في سنة 448ه، دخل السلاجقة الأتراك مدينة بغداد. وشنوا حملة اضطهاد عنيفة ضد الشيعة الإمامية. أُحرقت مكتبة شيعية كُبرى، ونُهبت دار شيخ الطائفة الشيخ الطوسي وسُرق ما بها. أمام تلك الأحداث المتسارعة هاجر الشيخ الطوسي إلى النجف، وتبعه أنصاره ومحبوه. ولم تمر سنوات قلائل حتى أضحت النجف مركزًا علميًا مهمًا للشيعة الإمامية. وتم تأسيس ما عُرف باسم الحوزة العلمية بالنجف.

اعتاد الكثير من الرحالة والزائرين على وصف الحوزة العلمية في النجف عند زيارتها. يقول الرحالة المغربي الشهير ابن بطوطة واصفًا مشاهداته لمدرسة الحوزة سنة 726ه: "مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة. ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر مرتين في اليوم. ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة. وعلى بابها الحجاب والنقباء والطواشية..."

أما المفكر والأديب المصري عبد الوهاب عزام فقد زار الحوزة ووصفها بشكل شبه تفصيلي إبان رحلته للنجف الأشرف سنة 1349ه. يقول عزام: "سرنا إلى مشهد الإمام عليّ، والمسجد إحدى آيات البناء عظمة وأبهة ونظاماً. فيه فناء عظيم، تحيط به أبنية كثيرة رفيعة، فيها معاهد للدرس، ومساكن للطلاب والعلماء. وقد حُدّثتُ أن طلاب العلم في النجف يزيدون على عشرة آلاف. ولا عجب، فهو مشهد تهفو لذكراه أفئدة المسلمين عامة، ولا سيما الشيعة منهم... ثم شرفنا بزيارة العلاّمة المحقق والمجتهد الكبير السيد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء... ثم اقترح عليه بعض الحاضرين أن يُشهدنا درسًا من دروسه، وألحّوا عليه فأجاب الدعوة إكراماً لضيوفه... جلس الاُستاذ العلاّمة على كرسي، وأحاط به طلابه. وكلهم رجال تلوح عليهم سن الأربعين أو ما يقرب منها، وكلهم وقور في سمته وبزّته. تكلّم في مسألة من علم الكلام... والطلبة في أثناء ذلك يسألون ويجادلون. قد رفعوا الكلفة بينهم وبين شيخهم... ثم نزلنا إلى المكتبة، فاطلعنا على نوادر الكتب المخطوطة...".

عملة عليها صورة الملك إيسباسينو عثر عليها في دورا اوروبس السورية.
"خاراكس".. مملكة ميسان التي تؤجل الفيضانات والحروب اكتشافها
شغل موقع مدينة "خاراكس" كما تسمى باليونانية، و"كرك سباسينو" كما تسمى بالتدمرية، علماء الآثار منذ القرن التاسع عشر، نظراً لأهمية هذه المدينة في التاريخ الكلاسيكي للعراق وإيران، ولأنها كانت واحدة من أهم المراكز التجارية العالمية خلال أكثر من خمسة قرون.

أُسست العشرات من المدارس العلمية في النجف الأشرف على مر السنين. من بين أشهر تلك المدارس، كل من مدرسة الصحن الغروي، ومدرسة المقداد السيوري، ومدرسة الصدر، ومدرسة كاشف الغطاء، ومدرسة الفاضل الإيرواني، ومدرسة الآخوند الكبرى، ومدرسة القزويني، ومدرسة محمد كاظم اليزدي، ومدرسة البخارئي. تحدث عبد الرزاق حرز الدين في كتابه عن الدور المهم الذي اضطلعت به تلك المدارس، فقال: "النجف منهل العلماء عبر القرون، وقد تخرّج من جامعتها الآلاف منهم، ولم تزل مجالسها لا تهدأ عن المذاكرات العلمية والفروع الفقهية، فكلّ من لديه مسألة عويصة أو فرع مغلق يأتي لمجلس منها ليعثر على ضالّته، بل حتّى المجالس العامة للسواد إذا حضرها أهل العلم لا تسمع إلاّ المذاكرات العلمية بينهم، وناهيك بالمساجد والصحن الغروي المقدّس يسمع أصوات أهل العلم في المذاكرات من خارج سور النجف، ولا زالت الحركة العلمية فيها تنمو ويخرج منها في كلّ سنة عدد كبير من دعاة الدين ورجال الفضل والعلم الغزير".

أيضًا، أسهمت فتاوى علماء النجف عبر التاريخ في التأثير على الأحداث السياسية في المنطقة. على سبيل المثال في نهايات القرن التاسع عشر، كان لفتوى الميرزا محمد حسن الشيرازي بتحريم تدخين التنباك في إيران أثر مهم في العلاقات الدبلوماسية بين إيران وبريطانيا. وكذلك أسهمت فتاوى علماء النجف في عشرينات القرن العشرين في دعم الثورة العراقية ضد الإنجليز. وفي الفترة الأخيرة، لعبت فتاوى المرجع الأعلى علي السيستاني (فتوى الجهاد الكفائي) دورًا أساسيًا في حشد العراقيين لقتال تنظيم داعش.  وهو الأمر الذي أسهم -بشكل فعال- في تحرير الموصل سنة 2017م.

 

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.