بعض آثار القصف الإيراني في مناطق بكردستان العراق- فرانس برس
بعض آثار القصف الإيراني في مناطق بكردستان العراق- فرانس برس

لم تهدأ القرى والمرتفعات المحاذية للحدود العراقية الإيرانية في ناحية سيدكان التابعة لمحافظة أربيل في كردستان العراق على مدى الأحد عشر يوما الماضية، من وقع الانفجارات الناجمة عن سقوط الصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة والقصف المدفعي الإيراني، مسفرة عن إخلاء ست قرى من سكانها.

ويتواصل القصف الإيراني للمرتفعات والقرى الحدودية في إقليم كردستان بشكل مكثف منذ 24 سبتمبر الماضي، واستهدف الحرس الثوري الإيراني في 28 سبتمبر بأكثر من 70 صاروخا بالستياً وعشرات الطائرات المسيرة المفخخة، مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومحيط إحدى المدارس ومخيمات اللاجئين في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل، ومقرات حزب الحرية الكردستاني في منطقة شيراوة جنوب أربيل، ومقرات جناحي حزب الكوملة الكردستاني في منطقة زركويز بمحافظة السليمانية.

ينتظر محمد عبدالكريم، وهو فلاح نازح من قريته جراء القصف، منذ بدء القصف، الوصول إلى حقله لحصد المحاصيل الزراعية، لكنه لم يتمكن من ذلك حتى الآن.

يوضح لـ"ارفع صوتك": "ننتظر توقف القصف الإيراني كي نتمكن من التوجه إلى حقولنا وبساتيننا لحصد المحاصيل خاصة محصول الطماطم، لكن دون أي جدوى. حاولنا خلال اليومين الماضيين الذهاب لكن القصف حال دون وصولنا واضطررنا للعودة خوفا من استهدافنا".

وبحسب مصادر في قوات بيشمركة إقليم كردستان، اجتاز القصف الإيراني خطوط تمركز قوات البيشمركة خلال الأيام الماضية، وبات يستهدف أراضي إقليم كردستان بعمق ٢٠ كيلومترا، وهي تقترب يوما بعد يوما من مراكز القرى والبلدات التي أصبحت خالية من سكانها، فلم يعد هناك أي تواجد بشري فيها سوى قطعات قوات البيشمركة وحرس الحدود العراقي.

يقول ريكان عزيز، وهو نازح آخر من إحدى القرى الحدودية: "بالكاد تمكنا من الخروج بسبب شدة القصف وتركنا كل ما نملك خلفنا. الآن نعيش مع عائلة عمي في ناحية سيدكان، ولا نعلم إلى متى سنبقى نازحين".

"محاصيلنا تعرضت للتلف وضاع مجهود أكثر من ستة أشهر من العمل"، يضيف ريكان لـ"ارفع صوتك"، داعياً المجتمع الدولي إلى التدخل وحماية إقليم كردستان من القصف الإيراني.

وأسفر القصف الإيراني لمخيمات اللاجئين ومقرات الأحزاب الكردية الإيرانية في إقليم كردستان، الشهر الماضي ، عن مقتل 18 شخصا بينهم نساء وأطفال، فيما أصيب نحو 62 شخصاً بجراح، وفق مصادر رسمية.

ويؤكد مدير ناحية سيدكان، إحسان جلبي، لـ"ارفع صوتك"، أن القصف الإيراني المتواصل للقرى والمرتفعات الواقعة في حدود ناحية سيدكان، أسفر عن إخلاء سكان مرتفعات بربزين وهورنا وسفوحهما من الفلاحين والرعاة وأصحاب الأغنام والماعز، ونزوح كامل لسكان ست قرى وتوقف التعليم في مدرستين اثنتين".

ويشير إلى أن القصف الذي يستهدف القرى والبلدات والمرتفعات الحدودية لم يؤدِ حتى الآن إلى وقوع خسائر بشرية، لكنه تسبب بخسائر مادية كبيرة لسكان هذه القرى والمنطقة الحدودية، إثر احتراق بساتينهم وحقولهم وتعرض محاصيلهم للتلف.

وتشير إحصائيات إدارة ناحية سيدكان، إلى أن عدد القرى التي هجرها سكانها في حدود الناحية بسبب القصف الإيراني والتركي والمعارك بين مسلحي حزب العمال الكردستاني التركي المعارض والجيش التركي، إلى قرابة 123 قرية.

"وتزداد كثافة القصف الإيراني يوما بعد يوم وبدأ يسقط في العمق بالقرب من القرى، لذلك فيما إذا استمر القصف سنضطر لإنشاء مخيم لنازحي القرى حتى تهدأ الأوضاع"، يتابع  جلبي.

ويتزامن القصف الإيراني مع تحليق مستمر للطائرات المسيرة الإيرانية في سماء المنطقة، إلى جانب غارات تركية تستهدف مرتفعاتها بين الحين والآخر، مخلفة أجواء من التوتر بين سكان المنطقة الذين يخشون أن يحول القصف بينهم وبين أعمالهم الزراعية خلال الأشهر المقبلة.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.