على الرغم من توقف القصف الإيراني لإقليم كردستان العراق، الأحد الماضي، إلا أن تهديدات الحرس الثوري بمعاودة هجماته ضد الإقليم متواصلة، مطالبة كردستان بمنع نشاطات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، فيما تنفي هذه الأحزاب تنفيذ أي نشاطات انطلاقا من الإقليم.
وشهد إقليم كردستان قصفا إيرانيا مكثفا بدأ في 24 سبتمبر الماضي، استهدف في البدء المرتفعات والقرى الحدودية، ثم شن الحرس الثوري الإيراني في 28 من الشهر نفسه، هجوما بأكثر من 70 صاروخا بالستياً وعشرات الطائرات المسيرة المفخخة على مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومحيط إحدى المدارس ومخيمات اللاجئين في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل، ومقرات حزب الحرية الكردستاني في منطقة شيراوه جنوب أربيل، ومقرات جناحي حزب الكوملة الكردستاني في منطقة زركويز بمحافظة السليمانية.
ولم يتوقف هذا القصف واستمر في استهداف القرى والبلدات الحدودية في حدود محافظة أربيل بعمق 20كيلومترا، مسفرا عن تهجير سكان 6قرى وإلحاق اضرار مادية كبيرة بالحقول والمراعي والغابات في المنطقة.
يقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، كمال كريمي، لموقع "ارفع صوتك": "التهديدات الايرانية لإقليم كردستان مستمرة إلى جانب الضغوطات السياسية والعسكرية، وجزء منها لدفع الإقليم للوقوف أمام نشاطات الأحزاب الكردية المعارضة لإيران، لأن النظام في طهران يعتقد أننا ننفذ نشاطاتنا انطلاقاً من أراضي كردستان".
"وهذا غير صحيح فنحن لا نتخذ من أراضي الإقليم منطلقا لتنفيذ أي نشاطات"، يؤكد كريمي، مضيفاً "نشاطات الأحزاب الكردية تنفذ من داخل أراضي كردستان إيران حيث تمتلك هذه الأحزاب شعبية وقاعدة جماهيرية كبيرة تستجيب لنداءاتها".
ويرى أن الجزء الآخر من هذه الضغوطات التي تمارسها إيران على كردستان العراق، متعلقة بالوضع العراقي، موضحا "تسعى إيران إلى الحفاظ على نفوذها في بغداد وتوسيعه وتقويته، وفي هذه السياق تضغط على كردستان للتحالف معها".
وتشهد غالبية المدن الإيرانية احتجاجات وإضرابات واسعة منذ منتصف سبتمبر الماضي، عقب وفاة الفتاة الكردية مهسا أميني، في ظروف غامضة إثر تعرضها للضرب واحتجازها من قبل شرطة الأخلاق الإيرانية، بحجة عدم ارتدائها بالحجاب، الذي يفرضه نظام ولي الفقيه الحاكم على النساء في إيران منذ أكثر من 43 عاماً.
يتابع كريمي: "تعتبر إيران، أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني والأحزاب الكردية الأخرى، هي التي تقود التظاهرات وتديرها، لهذا تمارس ضغطا أكبر على الإقليم لمنع نشاطات هذه الأحزاب، لكن إقليم كردستان يعلم موقفنا جيدا ونحن نؤكد بشكل مستمر ومتمسكون بتعهداتنا للإقليم بأننا لن نستخدم أراضيه منطلقا للهجوم".
وكشف موقع "ارفع صوتك" في تقارير سابقة معلومات حصل عليها من قيادات في الأحزاب الكردية المعارضة لإيران عن تحشيدات عسكرية كبيرة للحرس الثوري الإيراني على الحدود مع كردستان العراق، واجتياز هذه القوات الحدود الدولية بينها والإقليم شمالي العراق، في عدد من المناطق.
ومركزت إيران خلال الأشهر الماضية آليات كبيرة في مرتفعات كردستان العراق الحدودية، مثل مرتفعات بربزين، حيث تواصل القوات الإيرانية إنشاء الطرق والممرات العسكرية وبناء معسكرات وقواعد ونقاط عسكرية في هذه المرتفعات.
وبحسب مصادر في المعارضة الكردية، ما زالت هذه التحشيدات متواصلة سواء على الحدود التي عززت الحرس الثوري تواجد قطاعتها فيها بأعداد كبيرة من الأسلحة والآليات الثقيلة ومنصات إطلاق الصواريخ، إلى جانب المروحيات القتالية والطائرات المسيرة التي تجوب بشكل مكثف سماء المناطق الحدودية من كردستان، ولا تستبعد الأحزاب الكردية الإيرانية قيام الحرس الثوري باجتياح أراضي كردستان العراق خلال الفترة المقبلة.
وتتزامن هذه التحشيدات مع تهديدات الحرس الثوري عبر منصات تابعة له على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنه سيتخذ خطوات أخرى ضد الإقليم إذا لم يوقف نشاطات الأحزاب الكردية المعارضة، مُلَوحاً بتنفيذ عمليات عسكرية برية داخل كردستان العراق.
من جهته، يعتبر المتحدث باسم حزب الحرية الكردستاني المعارض لإيران، خليل نادري، أن "إيران تبحث عن حجج لتهديد الإقليم وتقويض استقراره، للهرب من الأزمات الداخلية التي تعصف بإيران".
ويؤكد نادري لـ"ارفع صوتك"، أن "الأحزاب الكردية المعارضة لإيران لم تقم بأي تحركات عسكرية"، مردفاً "لقد دعمنا شعبنا المنتفض في الداخل، ولم ننفذ أي عمليات أو نشاطات ضد النظام من داخل إقليم كردستان، لأن الإقليم مهم بالنسبة لنا ونسعى دائما لحمايته والحفاظ على استقراره".
ويشير إلى أن "الصمت الدولي عن الانتهاكات التي ينفذها النظام الإيراني داخل إيران وخارجها سيدفع بهذا النظام إلى زيادة ضغوطاته وتهديداته وهجماته ضد كردستان والمنطقة".
ويحتضن إقليم كردستان منذ أكثر من أربعة عقود، الأحزاب الكردية المعارضة لإيران واللاجئين الكرد الإيرانيين، الذين هربوا من نظام ولي الفقيه الإيراني بعد سيطرته على الحكم عام 1979 وتنفيذه عمليات إبادة جماعية ضد الكرد.
المحلل السياسي هوشيار مالو، يقول لـ"ارفع صوتك"، إن "النظام الإيراني يتخذ من تواجد الأحزاب الكردية الإيرانية حجة لتهديد إقليم كردستان" متفقاً بذلك مع نادري.
ويلفت إلى أن "الأحزاب موجودة في الإقليم بحسب القانون الدولي، وهي ليست مجاميع إرهابية خارجة عن القانون، إنما أحزاب معارضة للنظام الإيراني".
ويبيّن مالو، أن السبيل لإيقاف تهديدات وهجمات إيران على كردستان "يجب أن يكون عبر الحكومة العراقية، التي تمتلك العديد من أوراق الضغط، ويمكن أن تستخدمها للحد من التدخلات والهجمات الإيرانية، خاصة أن إيران لديها مصالح كبيرة في العراق".
ويستدرك بسؤال: "هل يستطيع الساسة العراقيون القيام ببعض الخطوات التي تحد من التدخل الإيراني في العراق؟".