هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اسم السوداني لرئاسة الوزراء، فقد رشّح في العام 2018 ثم في العام 2019
هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اسم السوداني لرئاسة الوزراء، فقد رشّح في العام 2018 ثم في العام 2019

أمام محمد شياع السوداني، الذي كلف الخميس تشكيل حكومة عراقية جديدة بعد عام من الشلل السياسي، مهمة لا يستهان بها، إذ على الرجل المنبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، أن يدير الدفة وسط انقسام حاد وأن يحظى بقبول منتقديه.

خبِر محمد الشياع السوداني النائب لدورتين، المولود في جنوب العراق ذي الغالبية الشيعية في 4 مارس  1970، السياسة منذ العام 2004، أي بعد سقوط نظام حزب البعث. 

ويخلف مصطفى الكاظمي (52 عاما) الصحفي السابق ورئيس المخابرات والذي لم يكن معروفا على الساحة السياسية عند توليه المنصب. 

وبعدما كان السوداني قائمقاما في ميسان التي يتحدر منها ثم محافظا لها، تولى وزارات عديدة منذ العام 2010، من ضمنها في ظل حكومة زعيم حزب الدعوة نوري المالكي، الذي كان السوداني ينتمي إليه كذلك، كوزارة حقوق الإنسان ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الصناعة بالوكالة. 

كما أن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها اسمه لرئاسة الوزراء، فقد رشح في العام 2018 ثم في العام 2019، في خضم انتفاضة شعبية ضد الطبقة السياسية، لكن اسمه قوبل حينها برفض المتظاهرين. 

وكان طرح اسمه في العام 2022 شرارة لتظاهرات التيار الصدري واقتحام مناصريه البرلمان العراقي والاعتصام أمامه لأكثر من شهر، اذ أعرب المتظاهرون حينها عن رفضهم القاطع له باعتبار أنه من طبقة سياسية يرفضونها ويتهمونها بالفساد.

وبالنسبة للصدريين، "يبدو السوداني وكأنه من معسكر نوري المالكي"، الخصم التاريخي للصدر، "وهذه مشكلة نظرا لعدم ثقتهم بالمالكي ومحيطه"، كما يشرح سجاد جياد من معهد "سنتشوري إنترناشونال". 

أما بالنسبة لناشطي انتفاضة تشرين، "فهو ليس معروفا بكونه مصلحا، وليس لديه تاريخ بذلك...لا يملك تاريخا سيئا ولا توجد حوله شبهات فساد لكن ... واقع أنه منبثق من النخبة السياسية" التقليدية، "لا يعطي ثقة بأنه سيكون مختلفا عنهم". 

"مكافحة الفساد"

في المقابل، يرى نائب أمين عام تيار الفراتين الذي يرأسه السوداني منذ تأسيسه في العام 2021، بشار الساعدي أن رصيد السوداني في العمل السياسي أمر إيجابي، فهو "يجيد العمل الوزاري ويعرف كيف تدار الأمور وزاريا كيف تدار القضايا من الجانب السياسي والجانب الإداري" ويصفه بـ"رجل الدولة". 

أمام هذه العقبات الجمة، بدأ السوداني، الأب لخمسة أولاد والذي يظهر دائما ببزة أنيقة وربطة عنق وشاربين مشذبين، ينشط إعلاميا ويطرح برنامجه الانتخابي، الذي يحمل طابعا اجتماعيا بشكل عام ويضم خصوصا ملفات خدمية مثل الصحة والكهرباء والزراعة والصناعة والخدمات البلدية، لكن أيضا "مكافحة الفساد".  

وقال السوداني في مقابلة نشرت مقتطفات منها على قناته الخاصة في تلغرام "لدي طرق غير تقليدية لمكافحة الفساد". 

ومن ضمن أولوياته، وفق بشار الساعدي "المضي بقانون الموازنة" ومعالجة قضايا "الكهرباء والصحة والخدمات" و"إكمال المشاريع المتلكئة" و"خفض مستوى الفقر والبطالة". 

انتخابات مبكرة

غير أنه أعلن أيضا استعداده لتنظيم انتخابات مبكرة هي مطلب التيار الصدري الذي وصفه بـ"التيار الشعبي والوطني الكبير". 

وقال إن "قرار الانتخابات جرى الاتفاق عليه وتم تضمينه ضمن المنهاج الوزاري وموعدها لن يتجاوز سنة ونصف سنة". 

ويسعى السوداني المتخرج من كلية العلوم الزراعية في جامعة بغداد، كذلك إلى تحقيق نوع من "التوازن" في العلاقات مع دول الجوار والعالم في بلد غالبا ما يجد نفسه تحت نيران صراعات إقليمية، كما قال. 

يرى المحلل السياسي حمزة حداد أن السوداني، رغم الانتقادات ضده، "نجح بإعادة خلق نفسه، حيث ترك دولة القانون وفاز بمقعد في البرلمان منفردا، بعد أربع سنوات كان فيها نائبا نشطا بعيون الرأي العام"، وفق حداد. كل ذلك أسهم في "تسميته لرئاسة الوزراء".

ويعتبر أن "الدعوات التي خرجت ضد ترشيحه، لم تكن شخصية، إنما مرتبطة بظرف كونه مرشح الإطار التنسيقي"، فهو "يتمتع بعلاقات جيدة مع كل الأحزاب السياسية".

لا يملك تياره الفتي سوى ثلاثة نواب في البرلمان الحالي، من ضمنهم السوداني نفسه، لكنه يحظى بدعم القاعدة البرلمانية الواسعة في البرلمان الحالي التي يهيمن عليها الإطار التنسيقي.

من ضمن نقاط قوته أيضا أنه لم يغادر العراق. وهو "يمثل مثل الكاظمي الجيل الجديد من السياسيين الذين جاؤوا بعد العام 2003"، وفق حداد.   

فالسوداني، الذي أعدم والده على يد حزب البعث حين كان يبلغ تسع سنوات، "ابن الجنوب ولا يملك جنسية مزدوجة ووجه شاب"، بحسب الساعدي.  

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.