العراق

في اليوم الدولي للحد من الكوارث.. ما تأثيرها على حياة العراقيين؟

13 أكتوبر 2022

تاريخيا، تُعد الحملة العسكرية التي قادها ملك مدينة كيش السومرية المعروفة بـ "تل الأحيمر" ضد بلاد عيلام التي تقع الآن في إيران، أول حرب مدوّنة في السجلات عام 2700 ق.م وأحد أسوأ الحروب التي كانت بسبب الكوارث الطبيعية المتمثلة بنقص المياه وحق الحصول عليها.   

فالكوارث الطبيعية والبيئية التي وقعت بعد ذلك تشترك مع مآسي الحروب لما هو أكثر من خسائر في الضحايا. كما أن الفكرة الشائعة عن كوارث العراق، تكرارها عبر الأعوام والعصور.

وعند استعراض أبرز الكوارث التي حدثت في البلاد نجد العواصف الترابية والفيضانات وحرائق المدن وإزالة بعضها والجفاف وتجريف البساتين والتصحر والزلازل وانتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة آثارها طويلة الأمد نتيجة فشل تدابير السيطرة عليها أو تفاديها.

لكن الخطر الأكبر، يكمن في الضرر الذي سببته كوارث الحروب والصراعات الداخلية والخارجية، فقد خلفت الكثير من الإعاقات والأرامل والأيتام دون معيل ، بالإضافة للمشردين والنازحين والمهاجرين داخلياً وخارجياً، فضلاً عن مخلفات تلك الصراعات من أمراض كالتشوهات الخلقية والسرطانات الناتجة عن تسرب الإشعاعات. 

يقول المتخصص في الشأن البيئي عامر العبيدي لـ"ارفع صوتك"، إن "التسرب الإشعاعي من مخلفات الحروب وذخائر اليورانيوم المستنفد، كان له عواقب كارثية على المدنيين، خاصة وأن الثكنات العسكرية تقع غالبيتها بالقرب أو في داخل المدن السكنية والبنى التحتية".  

وحسب منظمة الصحة العالمية، يصل عدد المصابين بمرض السرطان في العراق، 35 ألفاً، 57% منهم نساء.

"وقد يكون للتلوث البيئي بسبب الحروب عواقب خطيرة على صحة الفرد العراقي، لكن للتأثيرات الاقتصادية مؤشرات على تزايد معدلات الفقر"، يضيف العبيدي.  

ويشير إلى أن الحلول تنحسر الآن في تبادل المسؤولين بالعملية السياسية الاتهامات بشأن ما يحدث من كوارث وأزمات، "فالمخاوف كبيرة من أن ينتهي المطاف بالبلاد إلى الدخول في مناطق خارجة عن السيطرة". 

ووفقاً لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية فإن 9 ملايين مواطن أي نحو ربع عدد السكان البالغ عددهم 41 مليونا، تحت مستوى خط الفقر في العراق،كما صرحت مديرة دائرة الرعاية الاجتماعية التابعة لالوزارة ذكرى عبد الرحيم، لقناة "العراقية" الرسمية. 

 

التدابير الوقائية

يعتقد الكثير من العراقيين أن الحد من مخاطر الكوارث مسألة لا تنحسر في المهام الحكومية بل تتعلق أيضاً بنمط حياة الفرد.

يقول أحمد نادر، البالغ من العمر 31 عاماً، لـ "ارفع صوتك": "كان من الممكن تفادي ما يحدث من كوارث لو أخذ الذين تعاقبوا على الحكم في البلاد القضية بعين الاعتبار، وحاولوا إيجاد التدابير الوقائية، مثل الحد من مشكلة التصحر".

ويضيف أحمد الذي كانت له مشاركات تطوعية لعديد من حملات التوعية والتثقيف أن "التصحر مشكلة من بين العديد لم تلتزم الجهات الحكومية بمنع اتساعها الخطير بناء على الأساليب المعرفية والعلمية على الرغم من التكاليف المالية الهائلة التي يتم صرفها". 

ويرى أن "التدابير الضعيفة وإهمال الحكومات المتعاقبة دفعت الفرد العراقي إلى الشعور باللامبالاة من الخطر الحقيقي، عبر اتباع سلوكيات وتوجهات وانماط حياة لا تمت صلة بالحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية". 

ويشير أحمد إلى أن ما يحدث الآن من حملات للتوعية والتثقيف، على الأرجح، ليست بالمستوى الذي من الممكن أن يغير الحال نحو الأفضل، ولسبب بسيط يتعلق بعدم قدرة الكثير من الأفراد على الثقة بالمسؤولين، بل أن "منهم من يرى أن هناك خطة لتدمير البلاد"، وفقاً لتعبيره.

ويفقد العراق سنوياً 100 ألف دونم جراء مشكلة التصحر والزحف الصحراوي، والأخطر من ذلك تصاعد وتيرة الكثبان الرملية في مناطق لطالما كانت خصبة وواعدة في الزراعة وتأمين مخرجات الأمن الغذائي للبلد، بحسب وزير البيئة جاسم الفلاحي.  

 

حماية كل فرد

يأتي هذا بالتزامن مع  اليوم الدولي للحد من الكوارث غاية للاعتراف بالتقدم المحرز في الحد من مخاطر الكوارث والخسائر في الأنفس وسبل العيش والصحة.

ويُركز موضوع احتفالية لعام العام 2022 على (ز) من الغايات العالمية السبع التي حُددت بغية دعم عملية تقييم التقدم العالمي المحرز نحو تحقيق النتيجة المنشودة والهدف المتوخى من إطار سينداي. 

وتنص الغاية (ز) على "الزيادة بدرجة كبيرة فيما هو متوافر من نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة ومن المعلومات والتقييمات عن مخاطر الكوارث وفي إمكانية استفادة الناس بها بحلول عام 2030".

وتجلت الحاجة الملحة إلى تحقيق تلك الغاية في مارس 2022 بإعلان الأمين العام للأمم المتحدة أن "الأمم المتحدة ستقود إجراءات جديدة لضمان حماية كل فرد على وجه المعمورة بإتاحة نظم إنذار مبكر في غضون خمس سنوات".

والهدف الأساس لإطار سنداي هو تجنب التسبب في مخاطر جديدة وتقليل المخاطر الحالية. وعندما لا يتحقق ذلك، يمكن لنظم الإنذار المبكر وإجراءات التأهب المرتكزة على الناس أن تتيح القدرة على اتخاذ إجراءات مبكرة لتقليل الضرر الذي يلحق بالناس وسبل عيشهم وأموالهم.

مواضيع ذات صلة:

فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.
فقد تنظيم داعش مصدر تمويله الرئيسي، النفط، بعد خسارته لأراضيه في سوريا والعراق.

يبدو تنظيم داعش، عندما يتعلق الأمر بالتمويل والبحث عن مصادر دخل تنعش موارده المتدهورة، أشبه بكيان متمرس في عالم المافيا والجريمة المنظمة. الكثيرون، بمن فيهم أمراء كبار، انشقوا عنه حينما صدمتهم هذه الحقيقة. 

قيادة التنظيم نفسها تدرك جيدا أن تسليط الضوء على هذا الجانب من نشاطات التنظيم يقوض الصورة التي رسمها لنفسه أمام أتباعه وأنصاره. لذلك لم يتبنَّ يوما أي عملية قتل أو تخريب قام بها باسم جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية" رغم أن جزءا من جهوده، لا سيما في شرق سوريا، مكرس لهذا النشاط الشنيع.

 

الكلفة السلطانية

 

منذ خسارة التنظيم للمساحات الشاسعة التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، وما نجم عن ذلك من فقدانه لما تدره عليه المعابر وحقول النفط من موارد مالية كبيرة، فَعّل التنظيم عددا من "الخطط الاقتصادية" البديلة كان من بينها جباية ما يسميها "الكلفة السلطانية".

تعد " الكلفة السلطانية" نشاطا مدرا للدخل إلى جانب نشاطات أخرى ضمن "اقتصاد الحرب" تضخ في خزينة التنظيم أموالا طائلة، مثل التهريب، والاختطاف، وتجارة الآثار، والسطو على البنوك ومحلات الصرافة، واستحواذه على احتياطات العملة الصعبة والذهب في المدن التي اجتاحها، ونهب ممتلكات الطوائف الأخرى وغيرها.

تزامنت ثورة مواقع التواصل الاجتماعي مع الصعود السريع لتنظيم داعش عام 2013.
"داعش".. خلافة رقمية يطوقها مارد الذكاء الاصطناعي
الشركات التكنولوجية الكبيرة شرعت منذ 2017 في الاعتماد كليا على خوارزميات الذكاء الاصطناعي لرصد وحذف المواد التي تروج للتطرف العنيف على منصاتها، بينما اقتصر دورها في السابق على تكميل جهود فرق بشرية يقع على عاتقها عبء هذه العملية برمتها.

لعدة سنوات ظل التنظيم يجمع " الكلفة السلطانية" لاسيما في مناطق الشرق السوري، حيث تنتشر حقول النفط، والمساحات الزراعية، وممرات التهريب، والمتاجر ومحلات الصرافة. لكنه لم يكن يتحدث عن ذلك لا في إعلامه الرسمي ولا الرديف، بل وتحاشى الاشارة إليها حتى في مراسلاته الداخلية، لأنه يدرك أن جدلا محموما سينتج عن ذلك، وسيحتاج إلى فتاوى دينية وجهود دعائية كبيرة لإقناع أتباعه بـ"وجاهة" أفعاله، وقد خرج أعضاء سابقون في التنظيم ونشروا على قنواتهم الرقمية "أن إرغام المسلمين غصبا وبحد السيف على إعطاء جزء من حلالِهم لثلة من المفسدين في الأرض هو عمل عدواني لا يقوم به إلا أهل البغي وقطاع الطرق".

 

ضريبة على رعايا الخليفة!

 

ينبغي التفريق هنا بين ما ينهبه التنظيم ممن يعتبرهم "كفارا ومرتدين" والذي يسميه ب"الفيء" و"الغنيمة" وبين ما يجبيه باسم "الكلفة السلطانية". فالكلفة السلطانية هي ضريبة يؤديها "المسلمون ورعايا الخليفة" بالقوة والإكراه، أي أن المستهدفين بها هم في عرف التنظيم من المسلمين الذين "لا تحل أموالهم ودماؤهم" ولا تدخل "الكلفة السلطانية" أيضا ضمن الزكاة الواجبة التي تتم جبايتها قسرا من المسلمين من طرف أمنيي التنظيم.

وبعد انكشاف أمر عمليات السطو والنهب هذه لم يجد التنظيم بدا من الحديث عنها في مراسلاته الداخلية، وانتداب أحد شرعييه لصياغة فتوى لتسويغها من الناحية الدينية.

صاغ أبو المعتصم القرشي، وهو أحد كوادر "المكتب الشرعي" لـ"ولاية الشام" فتوى مطولة في 12 صفحة، وحشد فيها مجموعة من النصوص الدينية والقواعد الأصولية التي اعتبرها "أدلة شرعية" على جواز نهب أموال المسلمين بالقوة والإكراه!.

عَرّف القرشي الكلفة السلطانية بأنها " الأموال التي يطلبها الإمام من الناس لأجل مصلحة شرعية". ولعجزه عن إيجاد نصوص قطعية من الكتاب والسنة لتبرير هذه "البدعة الداعشية"، فقد لجأ إلى القواعد الأصولية من قبيل" يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام" و" درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، و" تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما"، و"ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

يعني هذا ببساطة أن مصلحة استمرار عمليات التنظيم والحفاظ على قوته ومقدراته مقدمة على مصالح الناس الأخرى، وأن تواصل عمليات التنظيم باعتبارها "جهادا مقدسا"  إذا لم يتم إلا بالسطو على أموال الناس فيجب السطو عليها.

أكد القرشي في نص فتواه جواز استخدام العنف والقوة لجباية الأموال، قائلا: "لا شك أن المال عصب الجهاد، والإعداد لا يكون إلا به، فتحصيله وتوفيره واجب على الإمام ولو بالقوة والإكراه"، ومن امتنع عن أداء "الكلف السلطانية جاز للإمام أو من ينوب عنه أن يعزره بشكل يكون رادعا له ولغيره حتى يؤدي ما عليه من الحقوق المالية في هذا الشأن".

أما الفئات الاجتماعية المستهدفة بهذه الضريبة، فقد قدم أبو المعتصم سردا طويلا بأصحاب المهن والمحلات التجارية والأطباء والصرافين والفلاحين والمدارس والكليات وتجار الدجاج والبيض وتجار المواشي والمستشفيات. ولم يترك أي نشاط مدر للدخل إلا وأشار إليه ضمن الذين فرض عليهم دفع "الكلف السلطانية"، ولم يستثن سوى أصحاب البسْطات على الأرصفة.

أخطر ما في الفتوى هو أن الممتنع عن أداء ما يطلبه التنظيم من أموال سيكون مصيره القتل والحكم عليه بالردة، و" طريقة استخدام القوة تتفاوت حسب المعاندة والممانعة بين التهديد، والإتلاف لبعض المال، أو التعزير، أو التغريم المالي وحتى الجسدي، ثم القتل إذا استعان الممتنع بشوكة الكفار والمرتدين على المجاهدين فعندها يُطبق عليه حكم الردة" حسب تعبير أبي المعتصم القرشي.

 

معاناة الناس في شرق سوريا

 

في شرق سوريا، يتم استخلاص هذه الضريبة بعد توجيه رسائل تهديد بأرقام دولية عبر تطبيق واتساب إلى المعنيين، وتخييرهم بين دفع "السلطانية" أو مواجهة خلايا الاغتيال، بعد تخريب ممتلكاتهم وتقويض مشاريعهم التجارية والاستثمارية.

وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد ارتفعت هذا العام نسبة تلك الضرائب إلى حد كبير جداً مقارنة بالسنوات الفائتة، حتى بلغت نحو 616 ألف دولار من تجار النفط والمستثمرين.

وحصل المرصد على إفادة من أحد العاملين في شركة مستثمرة في قطاع النفط في المنطقة الشرقية (دير الزور) تقول بأن الشركة رفضت دفع كامل المبلغ المطلوب منها تحت مسمى "الكلفة السلطانية"، والتي قدرها التنظيم بنصف مليون دولار أميركي، ودفعت بدلها 300 ألف دولار، لكن التنظيم هدد سائقي صهاريج المحروقات التي تعمل لصالح الشركة بالاستهداف إذا لم يتم دفع المبلغ كاملا في غضون أسابيع، ولم يعد لدى الشركة خيار آخر سوى تدبير ما تبقى من المبلغ.

مستثمر آخر في قطاع النفط توصل برسالة عبر تطبيق الواتساب من رقم دولي مفادها بأن عليه دفع "الكلفة السلطانية" البالغ قدرها 75 ألف دولار، وعدم إخبار أي جهة تابعة لقسد أو التحالف الدولي بذلك ووجهت له تهديدات في حال التبليغ أو عدم دفع المبلغ خلال أسبوع، وأن خلايا التنظيم ستقوم بزرع عبوة في سيارته أو حرق بئر النفط الذي يعود له.

ولفت المرصد إلى أن خلايا داعش في بادية ريف دير الزور الشرقي تفرض ضرائب تتراوح بين 1000 و3500 دولار، في مناطق ذيبان وحوايج ذيبان وجديد بكارة، على المستثمرين الذين يعملون على توريد المحروقات إلى "سادكوبى" التابعة للإدارة الذاتية في دير الزور.

يعمد التنظيم أيضا إلى حرق المحاصيل الزراعية التي تعود للفلاحين الذين رفضوا الرضوخ لابتزازه ودفع الأموال التي يطلبها منهم، ورمي القنابل اليدوية على منازل الأثرياء، وعيادات الأطباء، وقد هرب عدد من الأطباء من المنطقة الشرقية بعدما أثقل التنظيم كاهلهم بالضرائب و"المكوس"، ولا سيما وقد وضعهم في رأس قائمة أهدافه لأنهم -حسب اعتقاده- يجنون الأموال أكثر من غيرهم.