العراق

استقدام الكفاءات الطبية للعراق.. حل لأزمة "ستنتهي قريباً"

ارفع صوتك
19 أكتوبر 2022

منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وجراء الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق، بدأت هجرة الكثير من الخبراء العراقيين، أطباء ومهندسين وعلماء وأكاديميين وغيرهم، وبعد عام 2003 وقعت عمليات اغتيال وابتزاز ضد الكثير من العلماء وأصحاب التخصصات النادرة، ما فاقم تدهور الأوضاع المعيشية بالنسبة لمن تبقى، ودفع بالكثيرين منهم للفرار.

وشكلت دول الهند وتركيا ولبنان وإيران، خلال العقدين الماضيين، أهم الوجهات التي يقصدها المرضى في العراق بعد تراجع القطاع الصحي والافتقار إلى أطباء ماهرين في مجالات حساسة ودقيقة تتعلق بإجراء عمليات دقيقة ومعقدة، مثل القلب المفتوح والأوعية الدموية وتحدّب العمود الفقري.

وغالباً ما تعتمد وزارة الصحة في التعامل مع تلك الحالات، بإرسالها إلى إحدى الدول المذكورة، ما يكلف الدولة أموالاً كبيرة وكذلك الحال لدى المرضى ممن يقصدون الاستطباب على حسابهم الخاص.

لحل هذه المشكلة، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، لـ"ارفع صوتك"، إن "الخطة الحالية تعتمد على زيادة نسب الاستقدام في الاختصاصات المفقودة، مقابل التقليل من عمليات الإخلاء الطبي بسبب الصعوبات التي تواجه إرسال المريض إلى الخارج، المتمثلة بالجانب النفسي والاجتماعي".

كما اتجهت الوزارة نحو الاستقدام الطبي إلى داخل العراق، ما يجعل التكلفة أقل وأسهل للمريض، كونه يتعالج داخل البلاد، حسب البدر، مضيفاً  "هناك فرق طبية أجنبية تعمل في بابل، وفي كربلاء في مستشفى ابن سينا". 

ويتابع أن "وزارة الصحة تحاول من خلال عمليات الاستقدام للوفود الطبية تطوير قدرات ومهارات العاملين العراقيين في تلك الاختصاصات بعد اكتساب الخبرات اللازمة".

ويوضح البدر أن "هنالك ضوابط صارمة وضعت من قبل وزارة الصحة بشأن استقدام الاختصاصات الطبية وبالتنسيق مع نقابة الأطباء والنقابات الأخرى ذات العلاقة، من بينها أن يكون الطبيب الموفد أو ممن يعمل في المجال الطبي حاصلاً على شهادة أكاديمية معترف فيها دولياً ومعرفة لدى الجهات العراقية".

"والاستقدام إلى العراق لا ينحسر بندرة تلك الاختصاصات، إنما أيضاً بعدم توفر معدات وأجهزة معينة تتعلق بإجراء بعض الفحوصات والعمليات، لذا فإن وزارة الصحة لديها إستراتيجية بإكساب الخبرات ونقلها للبلاد وتوفير الاحتياجات المادية واللوجستية اللازمة للممارسة من قبل المتخصصين في مؤسساتنا، لكن الأمر يتطلب التدرج شيئاً فشيئاً"، يقول البدر.

من جهته، يقول نقيب الأطباء جاسم العزاوي: "لدينا الكثير من الملاحظات بشأن عمليات الاستقدام والإخلاء الطبي، من بينها الضوابط والمعايير المعتمدة في عمليات جلب تلك الاختصاصات وأهميتها".

ويؤكد لـ"ارفع صوتك"، أن "وزارة الصحة سحبت يد النقابة من هذا الأمر، وليس لدى الأخيرة أي دور في عمليات الاستقدام للوفود الطبية، بحجة تنفيذ قانون تأسيس المؤسسات الصحية غير الحكومية الاتحادي المرقم 25 لعام 2015".

ويوضح العزاوي: "هناك إجراءات خاصة في وزارة الصحة، إذ يصدر الطلب من لجنة خاصة بالتصاريح الأمنية تضم أعضاء من وزارتي الصحة والداخلية وجهاز المخابرات الوطني، لاستقدام طبيب من خارج العراق، بالتالي يحتاج الموضوع إلى الموافقة سواء في القطاع الخاص أو العام".

"وليس هنالك إشكالية من قبل النقابة في استقدام الأطباء والممارسة الصحية في المجالات النادرة والمعقدة، لكن الأمر يتعلق في كفاءة تلك الشخصيات والحاجة الحقيقية إذا ما كان العراق متعذراً عن تأدية تلك العمليات (الطبية)"، يبين العزاوي.

ويتابع: "الكثير من المستشفيات الأهلية تعمل على جلب أطباء في مجالات متوفرة، مثل إجرء عمليات الزائدة الدودية والسمنة وغيرها، لرخص تكاليفها مقارنة بالطبيب العراقي".

وينوه العزاوي إلى أن "النقابة تحركت من أجل ذلك الغرض، وفاتحت دوائر ومؤسسات معنية، من بينها وزارتا الداخلية والصحة، لكن لم نحصل على أي استجابة".

ويشير إلى أن بعض المستشفيات الحكومية تمتلك أكثر من 40 جراحاً، لكن لا توجد سوى صالة واحدة لغرفة العمليات، بالتالي فإن البنى التحتية قد تكون السبب الرئيس في هدر الكثير من الطاقات والاختصاصات المحلية التي يمكن الاستفادة منها والاستغناء عن الإخلاء الطبي لو أتيح لها المجال.

ويختم العزاوي حديثه، بالقول إن "العراق، وبحسب لجنة القبول المرقمة 92 في وزارة التخطيط، سيكون لديه اكتفاء ذاتي عام 2028 ولن يحتاج إلى أطباء أجانب، نظراً لرفد كليات الطب في العراق مجال العمل بأكثر من 8 آلاف طبيب سنوياً".

وكان "ارفع صوتك"، نشر تقريرين سابقاً، عن هجرة الأطباء السوريين للعمل في العراق، والحديث عن أبرز العوائق التي تواجههم هناك بالنسبة للعقود التي يوقعونها من المشافي والعيادات التي توظفهم، وفي نفس الوقت عن أهمية هذا العمل بالنسبة لهم لرفد عائلاتهم في سوريا بالأموال، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها بلادهم.

"خداع وابتزاز".. معاناة أطباء سوريين هاجروا للعمل في العراق
لم يكن الطبيب السوري إبراهيم، البالغ من العمر 43 عاما يتوقع أن ينتهي الأمر به في العراق مهددا بالترحيل في أي لحظة، وهو الذي غادر سوريا منتصف العام الحالي بهدف البحث عن فرصة أفضل له ولعائلته، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وانهيار العملة السورية وتضاؤل الرواتب.
ارفع صوتك

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.