استقدام الكفاءات الطبية للعراق.. حل لأزمة "ستنتهي قريباً"
منذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي، وجراء الحصار الاقتصادي الذي فُرض على العراق، بدأت هجرة الكثير من الخبراء العراقيين، أطباء ومهندسين وعلماء وأكاديميين وغيرهم، وبعد عام 2003 وقعت عمليات اغتيال وابتزاز ضد الكثير من العلماء وأصحاب التخصصات النادرة، ما فاقم تدهور الأوضاع المعيشية بالنسبة لمن تبقى، ودفع بالكثيرين منهم للفرار.
وشكلت دول الهند وتركيا ولبنان وإيران، خلال العقدين الماضيين، أهم الوجهات التي يقصدها المرضى في العراق بعد تراجع القطاع الصحي والافتقار إلى أطباء ماهرين في مجالات حساسة ودقيقة تتعلق بإجراء عمليات دقيقة ومعقدة، مثل القلب المفتوح والأوعية الدموية وتحدّب العمود الفقري.
وغالباً ما تعتمد وزارة الصحة في التعامل مع تلك الحالات، بإرسالها إلى إحدى الدول المذكورة، ما يكلف الدولة أموالاً كبيرة وكذلك الحال لدى المرضى ممن يقصدون الاستطباب على حسابهم الخاص.
لحل هذه المشكلة، يقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، لـ"ارفع صوتك"، إن "الخطة الحالية تعتمد على زيادة نسب الاستقدام في الاختصاصات المفقودة، مقابل التقليل من عمليات الإخلاء الطبي بسبب الصعوبات التي تواجه إرسال المريض إلى الخارج، المتمثلة بالجانب النفسي والاجتماعي".
كما اتجهت الوزارة نحو الاستقدام الطبي إلى داخل العراق، ما يجعل التكلفة أقل وأسهل للمريض، كونه يتعالج داخل البلاد، حسب البدر، مضيفاً "هناك فرق طبية أجنبية تعمل في بابل، وفي كربلاء في مستشفى ابن سينا".
ويتابع أن "وزارة الصحة تحاول من خلال عمليات الاستقدام للوفود الطبية تطوير قدرات ومهارات العاملين العراقيين في تلك الاختصاصات بعد اكتساب الخبرات اللازمة".
ويوضح البدر أن "هنالك ضوابط صارمة وضعت من قبل وزارة الصحة بشأن استقدام الاختصاصات الطبية وبالتنسيق مع نقابة الأطباء والنقابات الأخرى ذات العلاقة، من بينها أن يكون الطبيب الموفد أو ممن يعمل في المجال الطبي حاصلاً على شهادة أكاديمية معترف فيها دولياً ومعرفة لدى الجهات العراقية".
"والاستقدام إلى العراق لا ينحسر بندرة تلك الاختصاصات، إنما أيضاً بعدم توفر معدات وأجهزة معينة تتعلق بإجراء بعض الفحوصات والعمليات، لذا فإن وزارة الصحة لديها إستراتيجية بإكساب الخبرات ونقلها للبلاد وتوفير الاحتياجات المادية واللوجستية اللازمة للممارسة من قبل المتخصصين في مؤسساتنا، لكن الأمر يتطلب التدرج شيئاً فشيئاً"، يقول البدر.
من جهته، يقول نقيب الأطباء جاسم العزاوي: "لدينا الكثير من الملاحظات بشأن عمليات الاستقدام والإخلاء الطبي، من بينها الضوابط والمعايير المعتمدة في عمليات جلب تلك الاختصاصات وأهميتها".
ويؤكد لـ"ارفع صوتك"، أن "وزارة الصحة سحبت يد النقابة من هذا الأمر، وليس لدى الأخيرة أي دور في عمليات الاستقدام للوفود الطبية، بحجة تنفيذ قانون تأسيس المؤسسات الصحية غير الحكومية الاتحادي المرقم 25 لعام 2015".
ويوضح العزاوي: "هناك إجراءات خاصة في وزارة الصحة، إذ يصدر الطلب من لجنة خاصة بالتصاريح الأمنية تضم أعضاء من وزارتي الصحة والداخلية وجهاز المخابرات الوطني، لاستقدام طبيب من خارج العراق، بالتالي يحتاج الموضوع إلى الموافقة سواء في القطاع الخاص أو العام".
"وليس هنالك إشكالية من قبل النقابة في استقدام الأطباء والممارسة الصحية في المجالات النادرة والمعقدة، لكن الأمر يتعلق في كفاءة تلك الشخصيات والحاجة الحقيقية إذا ما كان العراق متعذراً عن تأدية تلك العمليات (الطبية)"، يبين العزاوي.
ويتابع: "الكثير من المستشفيات الأهلية تعمل على جلب أطباء في مجالات متوفرة، مثل إجرء عمليات الزائدة الدودية والسمنة وغيرها، لرخص تكاليفها مقارنة بالطبيب العراقي".
وينوه العزاوي إلى أن "النقابة تحركت من أجل ذلك الغرض، وفاتحت دوائر ومؤسسات معنية، من بينها وزارتا الداخلية والصحة، لكن لم نحصل على أي استجابة".
ويشير إلى أن بعض المستشفيات الحكومية تمتلك أكثر من 40 جراحاً، لكن لا توجد سوى صالة واحدة لغرفة العمليات، بالتالي فإن البنى التحتية قد تكون السبب الرئيس في هدر الكثير من الطاقات والاختصاصات المحلية التي يمكن الاستفادة منها والاستغناء عن الإخلاء الطبي لو أتيح لها المجال.
ويختم العزاوي حديثه، بالقول إن "العراق، وبحسب لجنة القبول المرقمة 92 في وزارة التخطيط، سيكون لديه اكتفاء ذاتي عام 2028 ولن يحتاج إلى أطباء أجانب، نظراً لرفد كليات الطب في العراق مجال العمل بأكثر من 8 آلاف طبيب سنوياً".
وكان "ارفع صوتك"، نشر تقريرين سابقاً، عن هجرة الأطباء السوريين للعمل في العراق، والحديث عن أبرز العوائق التي تواجههم هناك بالنسبة للعقود التي يوقعونها من المشافي والعيادات التي توظفهم، وفي نفس الوقت عن أهمية هذا العمل بالنسبة لهم لرفد عائلاتهم في سوريا بالأموال، نتيجة الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها بلادهم.