في كل صباح بعد استيقاظها مباشرة من النوم تتحسس بثينة (52 عاماً)، بقلق خواء مكان الثدي، كمن أضاعت شيئاً عزيزاً تتحسس الفراغ داخلها فتتذكر الألم الذي يثقل هواء رئتيها، ثم تنهار باكية.
هذا حالها كل يوم تقريباً، بعد أشهر قليلة من إجراء عملية استئصال ثديها الأيسر، فهي لم تعد تستغني عن قطن تدسه في فراغ حمالة صدرها، كما تقول لـ "ارفع صوتك".
"منذ تلك الحادثة وأنا لا أراني امرأة مُتكاملة"، تقول بثينة من العاصمة العراقية بغداد، التي اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي في مرحلته الثالثة، بعد أن خضعت لسلسلة فحوصات دفعتها في النهاية لتلقي علاجها الطويل.
وتضيف بثينة، وهي متزوجة ولديها ثلاثة أبناء: "المشكلة، بالنسبة لي، كانت ولا تزال في كيفية التعايش مع المرض وأعراضه وتداعياته. فالأمر يحتاج للكثير، وربما أقله استيعاب نظرات من حولك، كلما تناولت أحاديثهم إصابتك بالسرطان".
وتشير إلى أنها لم تدرك في يوم من الأيام بأنه من الممكن أن تصاب بسرطان الثدي "ولا أعرف لماذا كنت أفكر بهذه الطريقة، ولكن بعد أن اكتشفت وجود كتلة في الثدي الأيسر بدأ الشعور بالقلق يتزايد لديّ، فقررت الخضوع للفحص، وكانت النتيجة استئصاله".
وأعلنت منظمة الصحة العالمية، في شهر شباط الماضي، عن وجود 35 ألف مصاب بالسرطان في العراق، 57% منهم نساء.
"أنا محظوظة"
عندما راجعت نوال (46 عاماً)، الطبيبة المختصة بالأمراض النسائية والتوليد، كان الأمر آنذاك، يتعلق باضطرابات الدورة الشهرية، لتتسارع الأحداث تلو ذلك، وتكتشف إصابتها بسرطان الثدي.
تقول نوال التي تعمل في وظيفة حكومية وهي غير متزوجة: "الشكوك دفعت الطبيبة بعد ظهور نتائج الفحوصات إلى إحالتي لمركز مختص بفحص الأورام السرطانية، عندها أدركت إصابتي، وكان المرض في مرحلته الأولى".
"لذا فأنا محظوظة لنجاتي منه، على الرغم من أنني خضعت للعلاج بالإشعاع بعد استئصال الكتلة الورمية لمنعها من الانتشار في الجسم كافة"، تتابع نوال.
وبحسب وزارة الصحة العراقية، فإن المعدل السنوي للإصابة بمرض السرطان يبلغ 2500 حالة، 20% منها إصابات بسرطان الثدي، وتعاني البصرة من أعلى معدلات الإصابة بين بقية المحافظات العراقية.
"ندرة العلاجات"
تعد المشكلة الأساس في العراق بعزوف النساء عن الفحص المبكر لسرطان الثدي، إذ لا يقمن بمراجعة الأطباء إلاّ عند تطور المرض ووصوله لمراحله المتأخرة.
لذا ظهرت العديد من الحملات التي تطلقها وزارة الصحة العراقية بالتعاون مع منظمات، أو متطوعين، للتوعية بضرورة إجراء الفحص المبكر،من أجل تلافي المراحل الصعبة.
يقول أمين عام مجلس السرطان في وزارة الصحة والمتخصص بالأورام في مستشفى الأورام التعليمي دكتور خضير الرواق، لـ "ارفع صوتك": "الهدف من الحملات وخاصة في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، تحفيز النساء والفتيات على الفحص المبكر غاية في تشخيص المرض وعلاجه قبل انتشاره".
ويصادف يوم 21 أكتوبر، يوماً صحياً عالمياً للتوعية بهذا المرض. وتعد الإصابة بالمرحلتين المتأخرتين الثالثة والرابعة من سرطان الثدي، الأكثر شيوعاً في العراق، خاصة بين النساء بعمر 40 عاماً وأكثر.
ويؤكد الرواق، أن "المرحلة الأولى وكذلك المرحلة الثانية من سرطكان الثدي، تشهدان نسب شفاء عالية، تصل إلى أكثر من 90%، لذا تحاول الوزارة أن تكثف من حملات التوعية والتثقيف بضرورة الفحص الدوري المبكر، وهو متوفر بشكل مجاني في المراكز الصحية التابعة للوزارة".
في المقابل، ترى الناشطة الحقوقية رنا أحمد، أن مشكلة سرطان الثدي لا تتعلق في تشخيص الإصابة بعد الفحص المجاني الذي تعلن عنه دوماً وزارة الصحة العراقية، بل في العلاج، وهو ليس بمتناول جميع المريضات بالسرطان.
وتوضح لـ"ارفع صوتك": "ندرة العلاجات في مراكز الأورام السرطانية الحكومية، تدفع للكثير من المصابات إلى اللجوء للمراكز الخاصة وتحمل نفقات العلاج، ومن شأن ذلك أن يتسبب بحرمان المريضات الفقيرات من العلاج".
وتشير أحمد، إلى "ضرورة التفات وزارة الصحة العراقية لهذا المسألة، لأن المشكلة لا تنحسر فقط في الفحص، بل عليهم توفير العلاجات كاملة كي يتسنى لكل مصابة أن تعالج نفسها من دون الحاجة لتوفير تكاليف مالية مهولة".