احتل الاقتصاد الجزء الأكبر من خطاب رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقي، مصطفى الكاظمي، الذي قال الثلاثاء، إنه يأمل أن يكون ذلك "الخطاب الأخير" بصفته رئيسا للحكومة، بعد تكليف محمد السوداني لتشكيل حكومة جديدة.
وكان للأمن والفساد، خاصة بعد الكشف عن سرقة مالية ضخمة من مصرف الرافدين، حصة كبيرة أيضا في خطاب الكاظمي، وكذلك التحديات السياسية.
وفيما اتفق خبراء اقتصاد مع فكرة وجود نجاحات مالية حققتها الحكومة الحالية، يقول خبراء في المجالين الأمني والسياسي لموقع "الحرة" إن فترة الكاظمي شهدت في ترديا في الأمن، وعجزا عن معالجة ملفات خطيرة.
الاقتصاد
وأشاد الكاظمي بإنجازات حكومته الاقتصادية، وقال إنه استلم الحكومة وهي على حافة انهيار اقتصادي حقيقي، بالإضافة إلى تحديات وضع كورونا وانهيار أسعار النفط، وكذلك الصراع الدولي.
وأشاد بخطته الإصلاحية المعروفة بـ"الورقة البيضاء"، وقال "نجحنا بأن ننقذ اقتصادنا وانتقلنا به من مرحلة الانهيار إلى مرحلة النمو، والآن سجل العراق حسب تقرير دولي صدر الشهر الجاري، أسرع نمو بالشرق الأوسط وثاني دولة بالعالم بنسبة نمو 9,3%".
ويقول الخبير الاقتصادي والمستشار الحكومي السابق، مظهر صالح، إن النجاحات التي تحدث عنها الكاظمي في خطابه حقيقية.
ويتابع صالح في حديث لموقع "الحرة" إن حكومة الكاظمي واجهت أزمة مزدوجة مالية وصحية، تمثلت بتدهور عائدات النفط بنسبة 40٪ عن مستويات العام 2019 مع شيء من الجفاف ونقص المياه، رافقها ركود اقتصادي خطير".
ويضيف صالح أن الركود تمثل في أن نمو الأسعار السنوي كان أقل من 1 بالمئة، فيما كانت مستويات البطالة 23 بالمئة من قوة العمل، ونمو الناتج المحلي كان في الاتجاه السالب (-11 بالمئة).
وانقلب اتجاه النمو في 2021، وفقا لصالح، حيث وصل إلى 9,3 بالمئة، بسبب "زيادة كميات النفط العراقي المنتج وبأكثر من واحد مليون برميل يوميا مع زيادة مرافقة في الأسعار النفطية بلغت نسبة التغير 33 بالمئة".
كما أن "دورة الأعمال غير النفطية رافقها نشاط نمو استثنائي في قطاعات النقل والاقتصاد الرقمي والإسكان والتشييد"، بحسب صالح، و"ما رافقها من محركات قوية في درجة الإعمار ولاسيما في المناطق المحررة وغيرها، ولاسيما بعد أن اعتمد البنك المركزي العراقي سياسة تيسير ائتماني داعمة لقطاع الإسكان والتشييد وكذلك قروض مبادرة الشباب والصناعة والزراعة والتي أسهمت بنصف الزيادة الحاصلة في معدل النمو في الناتج المحلي الاجمالي للعراق".
وينصح صالح الحكومة المقبلة بالاستجابة لعدة تحديات أولها نقص المياه والموارد الزراعية، وارتفاع نسب التصحر والهجرة من الأرياف إلى المدن، وكذلك تفاقم مستوى البطالة.
ودعا صالح إلى اعتماد استراتيجية تشغيل متماسكة ومواجهة معدلات البطالة التي يقدر حدها الأدنى الإجمالي بنحو 16٪ من إجمالي السكان الناشطين اقتصاديا والأخذ بالسياسات الاقتصادية التي تنشط عمل القطاع الخاص من خلال إشاعة التمويل الميسر بما يحقق فرص عمل متساوية للجميع.
الفساد
وانتهت فترة رئاسة الحكومة الحالية بفضيحتين كبيرتين على الجانب المالي، وترتبط الفضيحتان بمصرف واحد هو مصرف الرافدين.
الأولى كانت عقدا وقعه المصرف يلزمه بدفع تعويضات تقدر بـ600 مليون دولار لشركة بوابة عشتار لخدمات الدفع المالي، تراجعت الشركة – وفق تصريحات إعلامية- عن استلامه على الرغم من حكم القضاء لها بذلك، بعد الضجة الكبيرة التي رافق الكشف عن الحكم الذي صدر في أغسطس الماضي.
أما القضية الثانية فهي اختفاء مبلغ 2.5 مليار دولار من حسابات الضرائب الحكومية المودعة لدى المصرف ذاته.
وسبق القضيتين استقالة وزير المالية العراقي علي علاوي، الذي كتب في خطاب استقالته من منصبه، عن وجود تحديات كبيرة وجهات سياسية حاولت الضغط على وزارته وعليه شخصيا.
وعقب خطاب الكاظمي، أصدر علاوي بيانات ذكر فيه الضغوطات مرة أخرى، وقال إنه أبلغ رئيس الحكومة الكاظمي بوجود وضع خطير قد يتسبب في ضياع أموال هائلة، وقال إنه قال للكاظمي إن "الوزارة تلتهم من الداخل" وإنه "لا يمكنه الاستمرار في هذا الوضع".
ويقول الكاظمي في خطابه الأخير إنه اتبع "سياسة الصمت" منذ توليه الحكومة حتى "لا يزيد إحباط العراقيين"، وأضاف أن "الدولة تعلم كل شيء ولديها ملفات لو تم كشفها فستحصل زلازل"، وكرر أنه استخدم سياسة "الصمت والصبر" حتى لا يزيد الإحباط العام.
ويقول الصحفي والخبير الإعلامي مهند الغزي لموقع "الحرة" إن سياسة الصمت تسببت في الحقيقة بزيادة الإحباط العام.
ويضيف أن صمت الكاظمي أكد الفهم الشائع لدى الرأي العام العراقي بأن الحكومة تتستر على سرقات السياسيين، ما أدى إلى زيادة الإحباط والعداء للحكومة بين الناس.
ويضيف "كانت هناك بارقة أمل مع الكاظمي على اعتبار إنه ليس من نفس النسيج الحزبي الحاكم، لكنه أيضا أضاع الفرصة ولم يستطع ان يمسك خيطا واحدا من خيوط الفساد".
الأمن
وذكر الكاظمي عدة تحديات أمنية منها ثلاثة محاولات اغتيال تعرض لها، كان أبرزها استهداف منزله بطائرة مسيرة.
مع هذا قال إن هناك نجاحات أمنية تحققت على صعيد مكافحة تنظيم داعش.
ويقول الخبير الأمني، واللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي إن "الحكومة حققت نجاحات في مكافحة تنظيم داعش، أبرزها اعتقال كثير من قادة التنظيم والمساهمة في قتل آخرين منهم خارج العراق".
لكن القيسي يقول لموقع "الحرة" إن الحكومة فشلت في ملفات أخرى، منها ملفات الاعتداءات الإيرانية والتركية على السيادة، والقصف المتكرر على الأراضي العراقية، والصواريخ التي تطلق على المقرات الحكومية العراقية ومطاراتها في بغداد وكردستان، وملف تقديم منفذي عمليات الاغتيال إلى القضاء.
ويضيف القيسي "الأمن لا يتجزأ، من الاشتباكات التي اندلعت في البصرة بدون أن يتم محاسبة أحد من مرتكبيها، وحتى المعارك العشائرية المستمرة بدون حساب، وإلى اقتحام المجموعات المسلحة المنطقة الخضراء وتهديد رئيس الوزراء، وإلى حصار المنطقة الخضراء للإفراج عن مجموعة اعتقلتها الحكومة بتهمة إطلاق الصواريخ".
ويعتقد القيسي أن هذا كله يعتبر "فشلا" في الجانب الأمني، مما يمثل تحديا للحكومة الجديدة.
ولا يزال أمام محمد شياع السوداني، المكلف بتشكيل الحكومة، نحو 20 يوما للإعلان عن تشكيلته، لكن يُعتقد أنه سيعلن عنها الأسبوع المقبل في جلسة للبرلمان.
وسيصبح شياع - حال التصويت على حكومته بالموافقة - رئيس الوزراء الجديد خلفا للكاظمي.