العراق

محلل سياسي: إعادة مجالس المحافظات العراقية "تصحيح لخطأ 2019"

دلشاد حسين
10 نوفمبر 2022

تثير عودة مجالس المحافظات مجددا العام المقبل، تساؤلات الشارع العراقي حول سلطاتها وكيفية تعاملها مع الملفات الخدمية، خاصة بعد إنهاء عملها أواخر عام 2019 بقرار من البرلمان.

وجاءت نهايتها تلبية لمطالب احتجاجات تشرين، إثر تورط عدد من هذه المجالس بصفقات فساد وهدر للأموال.  

وينص المنهاج الوزاري للحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وتعديل قانون الانتخابات النيابية العامة خلال ثلاثة أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام.

في المقابل، يرى الكثير من العراقيين، أن مجالس المحافظات والنظام اللامركزي الذي نص عليه الدستور العراقي، سبب مختلف المشاكل والأزمات التي تشهدها البلاد.

يقول الخبير القانوني وائل البياتي لـ"ارفع صوتك"، إن "اعتبار أكثرية المواطنين مجالس المحافظات حلقة زائدة غير مفيدة، واللامركزية الإدارية في العراق فشلت في نطاق التطبيق، لذلك نجد أن البعض يدعو الى العمل بالمركزية الإدارية وهذا الكلام يواجه إشكالية أساسية".

"تتمثل الإشكالية في أن اللامركزية أقرت بموجب الدستور وأن مجالس المحافظات موجودة أيضا بأحكام الدستور، بالتالي لا يمكن القفز على النصوص الدستورية لتلبية المطالب الشعبية"، بحسب البياتي.

ويرى أن إنهاء اللامركزية الإدارية "يكون عبر توجه الدولة إلى تعديل أحكام الدستور وإعادة صياغة العلاقة بين المحافظات غير المنتظمة في الإقليم وبين المركز".

ويتابع البياتي: "إعادة صياغة هذه العلاقة لا يمكن أن تتجه نحو المركزية الإدارية، باعتبارها أسلوبا قديما في الإدارة لا يمكن قبوله في الوقت الحاضر، خصوصا في اتجاه الدولة العراقية نحو تطبيق الديمقراطية".

ويؤكد أن "تجربة المجالس المحافظات كانت فاشلة، وحصلت فيها حالات فساد ومحاصصة حزبية وسوء إدارة للمشاريع، ما حوّل هذه المجالس من وظيفتها في تقديم الخدمات إلى مجالس سياسية تعتمد على ممارسة العمل السياسي وضرب الخصوم دون تحقيق الهدف الأساسي، وهو تقديم الخدمات للمواطنين".

"لذلك فإن أي تشريع لعملية مجالس المحافظات ينبغي أن تسبقه عملية إعادة صياغة"، يقول البياتي.

ويشدد على ضرورة أن تسبق عملية الدعوة  إلى انتخابات مجالس المحافظات عملية تعديل القانون (رقم 12 لسنة 2018) الخاص بانتخابات المجالس من خلال تقليل الأعداد الخاصة بمناصب مجالس المحافظة، وترصين عملية الدعاية الانتخابية ووضع سقف مالي للأنفاق، وترصين فصل خاص بالجرائم الانتخابية لضبط آلية اختيار ممثلي الشعب في المحافظات.

ويوضح البياتي: "يجب العمل على أحكام قانون المحافظات (رقم 21 لسنة 2008) لتعزيز آلية الرقابة على الجوانب المالية الخاصة بالإنفاق داخل هذه المجالس".

ويدعو في الوقت ذاته إلى تعزيز دور ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وأي جهة رقابية أخرى يختارها المشرّع العراقي بغرض فرض رقابتها على عمل هذه المجالس.

وأقر مجلس النواب العراقي في 26 نوفمبر 2019 مقترح قانون التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية (رقم 12 لعام 2018)، وجاء قراره ضمن سلسلة الإصلاحات التي اتخذتها السلطات العراقية لتهدئة الشارع الذي كان يشهد احتجاجات شعبية.

ونص التعديل على "إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم ومجالس الأقضية والنواحي التابعة لها، وعدم إجراء انتخابات مجالس جديدة، واستمرار المحافظ ونائبيه ورؤساء الوحدات الإدارية بممارسة المهام والصلاحيات المنصوصة عليها في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم (رقم 21 لسنة 2008) المعدل استثناءً من المادة (30) من القانون المذكور".

 

"ليس مطلب الغالبية"

في نفس السياق، يعتبر الناشط القانوني عمار سرحان، أن "إلغاء مجالس المحافظات مطلب عدد قليل من المواطنين وليس مطلب الغالبية".

ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "غالبية الشارع العراقي يطالب بانتخابات مجلس النواب وانتخابات مبكرة، حتى مظاهرات تشرين لم تطالب بإلغاء مجالس المحافظات، بل طالبت بحل مجالس المحافظات أو إقالة هذه المجالس وأعضائها وشخصيات السلطة وليست السلطة نفسها، لأنها تجاوزت المدة الدستورية وكانت غالبية أعضائها متورطة في قضايا فساد".

وكانت اللجنة القانونية النيابية في 29 أكتوبر الماضي، أكدت أن إقرار قانونين جديدين لمجلس النواب ومجالس المحافظات من أولويات الحكومة والبرلمان للدورة الحالية.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن عضو اللجنة باسم خشان، قوله إن "أهم عمل للحكومة الجديدة والبرلمان هو حسم قانوني مجلس النواب ومجالس المحافظات لأثرهما الكبير في استقرار العملية السياسية".

وشدد خشان على "ضرورة أن يكون تعديل إقرار جديد للقانونين، الأخير لهما ويحدد بفقرة ضمن القانونين حتى لا يسمح للقوى السياسية إقرار قانون جديد في كل دورة، بما يتناسب مع مصلحة الأحزاب التقليدية".

من جهته، يعتبر المحلل السياسي علي بيدر، قرار مجلس النواب عام 2019 بإلغاء مجالس المحافظات "غير دستوري"، مشيرا إلى أن البرلمان الحالي يحاول إعادة تصحيح هذا الخطأ عبر إعادة الحياة لمجالس المحافظات.

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "مسار الأحداث في البلاد لم يصحح بعد إنهاء مجالس المحافظات، لذلك لم تكن هذه المجالس السبب الحقيقي لتدهور أوضاع البلد، بل السبب الحقيقي متعلق بإعادة هيكلة المنظومة السياسية، وبالشخصيات غير الكفؤة المتواجدة في هذه المواقع، لذلك على المواطن أن يختار شخصيات أفضل لتمثيله كي تتمكن هذه المجالس من لعب دورها التشريعي والرقابي وفق الدستور". 

دلشاد حسين

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.