محلل سياسي: إعادة مجالس المحافظات العراقية "تصحيح لخطأ 2019"
تثير عودة مجالس المحافظات مجددا العام المقبل، تساؤلات الشارع العراقي حول سلطاتها وكيفية تعاملها مع الملفات الخدمية، خاصة بعد إنهاء عملها أواخر عام 2019 بقرار من البرلمان.
وجاءت نهايتها تلبية لمطالب احتجاجات تشرين، إثر تورط عدد من هذه المجالس بصفقات فساد وهدر للأموال.
وينص المنهاج الوزاري للحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، على إجراء انتخابات مجالس المحافظات، وتعديل قانون الانتخابات النيابية العامة خلال ثلاثة أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام.
في المقابل، يرى الكثير من العراقيين، أن مجالس المحافظات والنظام اللامركزي الذي نص عليه الدستور العراقي، سبب مختلف المشاكل والأزمات التي تشهدها البلاد.
يقول الخبير القانوني وائل البياتي لـ"ارفع صوتك"، إن "اعتبار أكثرية المواطنين مجالس المحافظات حلقة زائدة غير مفيدة، واللامركزية الإدارية في العراق فشلت في نطاق التطبيق، لذلك نجد أن البعض يدعو الى العمل بالمركزية الإدارية وهذا الكلام يواجه إشكالية أساسية".
"تتمثل الإشكالية في أن اللامركزية أقرت بموجب الدستور وأن مجالس المحافظات موجودة أيضا بأحكام الدستور، بالتالي لا يمكن القفز على النصوص الدستورية لتلبية المطالب الشعبية"، بحسب البياتي.
ويرى أن إنهاء اللامركزية الإدارية "يكون عبر توجه الدولة إلى تعديل أحكام الدستور وإعادة صياغة العلاقة بين المحافظات غير المنتظمة في الإقليم وبين المركز".
ويتابع البياتي: "إعادة صياغة هذه العلاقة لا يمكن أن تتجه نحو المركزية الإدارية، باعتبارها أسلوبا قديما في الإدارة لا يمكن قبوله في الوقت الحاضر، خصوصا في اتجاه الدولة العراقية نحو تطبيق الديمقراطية".
ويؤكد أن "تجربة المجالس المحافظات كانت فاشلة، وحصلت فيها حالات فساد ومحاصصة حزبية وسوء إدارة للمشاريع، ما حوّل هذه المجالس من وظيفتها في تقديم الخدمات إلى مجالس سياسية تعتمد على ممارسة العمل السياسي وضرب الخصوم دون تحقيق الهدف الأساسي، وهو تقديم الخدمات للمواطنين".
"لذلك فإن أي تشريع لعملية مجالس المحافظات ينبغي أن تسبقه عملية إعادة صياغة"، يقول البياتي.
ويشدد على ضرورة أن تسبق عملية الدعوة إلى انتخابات مجالس المحافظات عملية تعديل القانون (رقم 12 لسنة 2018) الخاص بانتخابات المجالس من خلال تقليل الأعداد الخاصة بمناصب مجالس المحافظة، وترصين عملية الدعاية الانتخابية ووضع سقف مالي للأنفاق، وترصين فصل خاص بالجرائم الانتخابية لضبط آلية اختيار ممثلي الشعب في المحافظات.
ويوضح البياتي: "يجب العمل على أحكام قانون المحافظات (رقم 21 لسنة 2008) لتعزيز آلية الرقابة على الجوانب المالية الخاصة بالإنفاق داخل هذه المجالس".
ويدعو في الوقت ذاته إلى تعزيز دور ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة وأي جهة رقابية أخرى يختارها المشرّع العراقي بغرض فرض رقابتها على عمل هذه المجالس.
وأقر مجلس النواب العراقي في 26 نوفمبر 2019 مقترح قانون التعديل الثاني لقانون انتخابات مجالس المحافظات والأقضية (رقم 12 لعام 2018)، وجاء قراره ضمن سلسلة الإصلاحات التي اتخذتها السلطات العراقية لتهدئة الشارع الذي كان يشهد احتجاجات شعبية.
ونص التعديل على "إنهاء عمل مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم ومجالس الأقضية والنواحي التابعة لها، وعدم إجراء انتخابات مجالس جديدة، واستمرار المحافظ ونائبيه ورؤساء الوحدات الإدارية بممارسة المهام والصلاحيات المنصوصة عليها في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم (رقم 21 لسنة 2008) المعدل استثناءً من المادة (30) من القانون المذكور".
"ليس مطلب الغالبية"
في نفس السياق، يعتبر الناشط القانوني عمار سرحان، أن "إلغاء مجالس المحافظات مطلب عدد قليل من المواطنين وليس مطلب الغالبية".
ويضيف لـ"ارفع صوتك"، أن "غالبية الشارع العراقي يطالب بانتخابات مجلس النواب وانتخابات مبكرة، حتى مظاهرات تشرين لم تطالب بإلغاء مجالس المحافظات، بل طالبت بحل مجالس المحافظات أو إقالة هذه المجالس وأعضائها وشخصيات السلطة وليست السلطة نفسها، لأنها تجاوزت المدة الدستورية وكانت غالبية أعضائها متورطة في قضايا فساد".
وكانت اللجنة القانونية النيابية في 29 أكتوبر الماضي، أكدت أن إقرار قانونين جديدين لمجلس النواب ومجالس المحافظات من أولويات الحكومة والبرلمان للدورة الحالية.
ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن عضو اللجنة باسم خشان، قوله إن "أهم عمل للحكومة الجديدة والبرلمان هو حسم قانوني مجلس النواب ومجالس المحافظات لأثرهما الكبير في استقرار العملية السياسية".
وشدد خشان على "ضرورة أن يكون تعديل إقرار جديد للقانونين، الأخير لهما ويحدد بفقرة ضمن القانونين حتى لا يسمح للقوى السياسية إقرار قانون جديد في كل دورة، بما يتناسب مع مصلحة الأحزاب التقليدية".
من جهته، يعتبر المحلل السياسي علي بيدر، قرار مجلس النواب عام 2019 بإلغاء مجالس المحافظات "غير دستوري"، مشيرا إلى أن البرلمان الحالي يحاول إعادة تصحيح هذا الخطأ عبر إعادة الحياة لمجالس المحافظات.
ويوضح لـ"ارفع صوتك": "مسار الأحداث في البلاد لم يصحح بعد إنهاء مجالس المحافظات، لذلك لم تكن هذه المجالس السبب الحقيقي لتدهور أوضاع البلد، بل السبب الحقيقي متعلق بإعادة هيكلة المنظومة السياسية، وبالشخصيات غير الكفؤة المتواجدة في هذه المواقع، لذلك على المواطن أن يختار شخصيات أفضل لتمثيله كي تتمكن هذه المجالس من لعب دورها التشريعي والرقابي وفق الدستور".