70 في المئة من حالات الطلاق تتم بناء على طلب الزوجة.

تنتهي 28 في المئة من حالات الزواج في العراق بالطلاق، وفقاً لإحصاءات مجلس القضاء الأعلى، التي تكشف أن نصف تلك الحالات تقع بسبب الأوضاع الاقتصادية، إلى جانب أسباب إضافية في مقدمتها الزواج المبكر، والخيانة الإلكترونية، والمخدرات، وتدخل الأهل، والعنف الأسري.

وتشير الإحصائيات إلى أن 70 في المئة من قضايا الطلاق يتم رفعها من قبل النساء، وأن أغلب الراغبات في الطلاق يتنازلن عن حقوقهن في سبيل الانفصال.

ولتجنب الخضوع لجلسات الصلح التي يحاول القضاة من خلالها التوفيق بين الزوجين، تقع أغلب حالات الطلاق خارج أروقة المحاكم، حيث يتم اللجوء إلى مكاتب شرعية للحصول على عقود الطلاق التي يتم تصديقها في المحكمة.

في عام 2004، سجل العراق 28600 حالة طلاق، وفي العام 2011، بيلغ الرقم 59500 حالة، ليستمر عدّة سنوات في المعدل، قبل أن يقف في العام 2021، مسجلاً 73300 حالة طلاق، وهي إحصاءات لا تشمل إقليم كردستان.

رغم زيادة الأرقام، لا يحتل العراق مرتبة متقدمة في معدلات الطلاق على مستوى الوطن العربي، حيث تتصدر الكويت معدلات الطلاق عربياً بنسبة بلغت 48 في المئة، تليها مصر التي سجل الطلاق فيها نسبة 40 في المئة.

وفي المركزين الثالث والرابع، حلت الأردن وقطر بنسب طلاق وصلت إلى 37.2 في المئة، و37 في المئة  على التوالي. فيما تساوت لبنان مع الإمارات في المركز الخامس بنسبة 34 في المئة.

 

الزواج المبكر

 

تتعدد أسباب الطلاق بين الزوجين بتعدد حالات الطلاق ذاتها، يقول المحامي عمار حسن لـ"ارفع صوتك"، ويتابع: " يوجد أسباب مشتركة بين أغلب حالات الطلاق، وهي الزواج المبكر والخيانة الزوجية، وتردي الوضع الاقتصادي، وغياب لغة الحوار المشتركة بين المتزوجين خصوصا إذا كانا من بيئات مختلفة، إضافة إلى أسباب دينية وتعدّد الزوجات".

وبحسب حسن، فإن "أغلب عقود الزواج في المحاكم العراقية تعود لشباب بأعمار تتراوح بين 16 و21 عاماً"، هذه الأعمار الصغيرة كانت نتائجها تسجيل 1498 حالة طلاق لفتيات لم يبلغن 15 عاما خلال العام 2020، ارتفع الرقم إلى 2594 حالة خلال العام 2021".

وبحسب تقارير مجلس القضاء الأعلى فان الزواج المبكر يفتقر إلى اكتمال النضوج العقلي للزوج والزوجة فيما يتعلق بتحمل أعباء الزواج وتكوين أسرة، إضافة إلى البطالة وتفاوت المستوى الثقافي والعلمي بين الزوجين.

ونقلت التقارير عن القاضي عمار هادي علوان مطالبته "بتحديد سن قانوني للزواج وهو ثمانية عشر عاماً وتشديد العقوبة على الزواج خارج المحاكم، وتقديم مشروع قانون يتشدد في إجراءات الزواج والطلاق على أن يتضمن هذا المشروع عقوبات جزائية مالية رادعة بحق المخالفين".

وكانت ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في العراق، ريتا كولومبيا، قد قالت إن 35 في المئة من العراقيات يتزوجن قبل بلوغهن سن 18 عاما، أكثر من 10 في المئة منهن يتزوجن قبل بلوغهن سن 15 عاما.

وبين في تصريحات صحفية أن "المشكلة لا تتوقف عند زواج العراقيات في سن مبكرة، بل نرى أن معدلات الطلاق لمن تزوجن مبكراً في ارتفاع مستمر أيضاً (..)المتزوجات في هذه السنّ غالباً لا يتمكنَّ بعد الزواج من إكمال تعليمهن، وأيضاً لصغرهن وقلة خبرتهن بالحياة، ما يجعلهن أقل قدرة على توفير نوعية حياة أفضل لأطفالهن إذ يمكن أن يضيعن الكثير من الفرص في تنميتهم شخصياً".

 

النساء الأكثر طلباً للطلاق

 

"تشكل الحالة الاقتصادية ما نسبته 50 في المئة من أسباب الطلاق"، وفقاً لبحث نشره مجلس القضاء الأعلى على موقعه الإلكتروني، لكن تردي الوضع الاقتصادي هو جزء من أسباب كثيرة أخرى أهمها "التدخلات الاجتماعية، وتفاوت المستوى العلمي والثقافي بين الشريكين".

ونقل التقرير عن القاضي سعد الإبراهيمي، قوله إن "حوالي 70 في المئة من طلبات الطلاق تقدمها الزوجة التي عادة ما تكون متضرّرة، لذلك تلجأ بعضهن إلى التنازل عن جميع الحقوق في سبيل الانفصال".

وأظهر البحث أن غالبية قضايا الطلاق تأتي من المتزوجين حديثاً، والذين لم يمض أكثر من خمس سنوات على ارتباطهم، فيما تقل النسبة في الأعمار المتقدمة من المتزوجين لفترات طويلة، وفي هذه الحالات يطلب فيها الزوج الطلاق لأسباب تتعلق بالإهمال وعدم الاهتمام وتحريض الأبناء.

حصلت أم رضا على الطلاق من زوجها بعد أكثر من تسعة أعوام من الزواج، وهي اليوم في سن الـ27 وتعمل في معمل للخياطة.

 وتقول لـ"ارفع صوتك"، إن طليقها "تزوج من امرأة ثانية بعقد شرعي خارج المحكمة وهجر بيت الزوجية لأكثر من عامين".

"المجتمع لم يعد مثل السابق"، وجهة النظر هذه تعززها كما تقول "طلبات الطلاق الكثيرة التي تقدمها النساء، فقبل عقدين أو أكثر كان يتم إجبار المرأة على البقاء مع الزوج لأسباب عشائرية وعائلية"، لكن اليوم "نرى أن هذا الأمر لم يعد موجوداً كالسابق مع إمكانية خروج المرأة للدراسة والعمل لإعالة نفسها وأطفالها".

ما كان لأم رضا أن تقف على قدميها  لولا مؤارزة العائلة، لكنها ترى أن الكثير من النساء "أُجبرن على البقاء ضمن حياة زوجية تعيسة كونهن غير قادرات على إعالة أنفسهن أو الوقوف بوجه العادات والتقاليد".

 

الخيانة الإلكترونية

 

يرصد الباحث الاجتماعي، رحيم الشمري، عوامل جديدة ساهمت في ارتفاع نسب الطلاق تدريجياً منذ عام 2004،  ويقول: "إضافة إلى العوامل الأساسية المعروفة من مشكلات البطالة والزواج المبكر والاعتماد على الأهل، دخل العامل التكنولوجي كمسبب جديد للانفصال بين الأزواج، لاسيما الشباب"، كما يبيّن في حديثة لـ "ارفع صوتك".

وبحسبه: "انشغال الشباب بالتعارف عبر مواقع التواصل وترك العلاقات الاجتماعية الحقيقية على أرض الواقع ساهم في ارتفاع نسب الطلاق، إضافة إلى تلفزيون والمسلسلات وخصوصاً التركية التي ترفع من توقعات الشباب للحياة خلال الزواج بشكل غير واقعي".

من خلال عمله في محاكم الأحوال الشخصية رصد قاضي الأحوال الشخصية، موفق سامي، العديد من قضايا الطلاق بسبب اكتشاف أحد الزوجين وجود علاقة "فيسبوكية" للشريك.

ارتفاع حالات الطلاق نتيجة للخيانة الإلكترونية، دفعت تقرير مجلس القضاء الأعلى لوصف مواقع التواصل الاجتماعي، بمواقع "التباعد".

دور سلبي لمكاتب المأذون الشرعي

يعترف مجلس القضاء الأعلى بالدور السلبي الذي تلعبه مكاتب المأذون الشرعي في زيادة نسب الطلاق، ويتقاضى المكتب 100 ألف دينار (70 دولار) عن إيقاع الطلاق، ما يجعلها غير مهتمة بمحاولة التقريب بين الزوجين.

 جاء ذلك في تقرير عن مكاتب المأذون الشرعي نشره مجلس القضاء الأعلى على موقعه الإلكتروني، وقال التقرير: "أسهمت تلك المكاتب في زيادة حالات الطلاق ، لأنهم جعلوا إيقاع الطلاق أمامهم بطريقة سهلة وغير مسؤولة مقابل الحصول على الأجر، فلا يقفون على أسباب الطلاق ولا يقدمون أية نصيحة لمن يروم الانفصال"، وتابع التقرير "أغلب حالات الطلاق التي تقع أمامهم تكون مخالفة للشرع والقانون كونهم يجهلون الكثير من المعاملات القانونية والشرعية".

ونقل التقرير عن القاضي مرتضى سليم، قوله: "عمل المأذون الشرعي في البلاد ينقصه التنظيم والمعرفة بالأحكام الشرعية وهناك أشخاص غير مؤهلين يقومون بهذه المهام ما يضع المحاكم أمام مشاكل جمة تتمثل بعدم صحة المعلومات المدونة في الحجة الشرعية أو عدم حضور أطرافها".

وأضاف: "أغلب أصحاب هذه المكاتب ليسوا على درجة من التفقه في الأحكام الشرعية بل إن قسماً منهم لم يطلع على تلك الأحكام، ويقوم بإصدار الحجج دون إلمام بآثارها، ما يترتب على ذلك بطلان وقائع الزواج والطلاق، لا بل وصل التمادي ببعضهم إلى إصدار الحجج مع علمه بعدم صحتها والاحتجاج بأن مسؤولية التحقق من توفر الشروط الشرعية في الواقعة تقع على عاتق المحكمة".

 

قضايا مضحكة مبكية

 

الكثير من حالات الطلاق تتم خارج أروقة المحاكم، وفقاً للمحامي، عمار حسن، مشيراً إلى استعانة العوائل بشيخ (رجل دين) لإيقاع الطلاق، يأتي بعد ذلك دور المحكمة للمطالبة بالحقوق.

ويقول: " أغلب قصص الطلاق تكون غير معروفة تماماً لأنها تصل إلى المحكمة منتهية (..) بعض القصص تصل إلى المحكمة بتفاصيل مضحكة جداً، لكنها موجودة على أرض الواقع"، ومن تلك الحالات، يتذكر: " في واقعة طلاق وقعت خارج المحكمة لزوجين مرّ على زواجهما خمسة أعوام، ولديهما طفلين، فوجئنا بأن السبب كان عدم تحضير الزوجة لطبق سلطة على الغداء".

ومن القصص المُبكية، يورد: "تعرضت زوجة للتحرّش من أحد أقارب الزوج، وحين أبلغت العائلة بالحادثة تعرضت للعنيف، ولاحقاً الطلاق".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.