صورة لـ"أم فهد" ملتقطة من فيديو حفلة عيد ميلاد- قناة زهير العطواني على يوتيوب
صورة لـ"أم فهد" ملتقطة من فيديو حفلة عيد ميلاد- قناة زهير العطواني على يوتيوب

أثارت أحكام مجلس القضاء الأعلى بالحبس على مجموعة من مشاهير مواقع التواصل، ممن تم إلقاء القبض عليهم بتهمة "المحتوى السيء"، ردود فعل متباينة بين رواد مواقع التواصل، ففي حين يرى المؤيدون أن قرارات المحكمة مهمة للسيطرة على "المحتوى الهابط"، يرى المعترضون أن على الحكومة متابعة قضايا الفساد الإداري وسارقي المال العام.

وكانت وزارة الداخلية أحالت خلال شهر يناير الماضي عددا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي إلى مجلس القضاء الأعلى للبت في المحتوى الذي يتم تقديمه من قبلهم، وأصدر القضاء حتى الآن أوامر بحبس أربعة منهم.

وأصدرت محكمة جنح الكرخ حكمين، الأول بحق غفران مهدي المعروفة باسم "أم فهد" بالحبس المخفف لستة أشهر، والثاني بحق حسن صجمة لمدة سنتين "لقيامهما بنشر عدة أفلام وفيديوهات تتضمن أقوال فاحشة ومخلة بالحياء والآداب العامة وعرضها على الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي" كما جاء في قرار المحكمة.

وأصدرت المحكمة أيضا حكماً بالحبس الشديد لمدة عام للمتهمين أحمد علي شلاش (الملقب بحمودي هيبة)، وعلي محمد جرمط (الشهير بعلي الشريفي).

وبحسب بيان لمجلس القضاء الأعلى، فإن الأحكام تمت "استناداً لأحكام المادة 403 من قانون العقوبات المرقم 111 لسنة 1969".

ويقول المحامي حيان الخياط لـ"ارفع صوتك" إن "أحكاماً عديدة صدرت بحق صناع محتوى وصف بأنه مسيء وهابط"، وجاءت هذه الأحكام "وفق المادة 403 التي قد تصل فيها العقوبة إلى الحبس لسنتين والغرامة أو بهما معا".

وتنص المادة على معاقبة كل من "كل من صنع أو استورد أو صدر أو حاز أو أحرز أو نقل بقصد الاستغلال أو التوزيع كتاباً أو مطبوعات أو كتابات أخرى أو رسوماً أو صوراً أو أفلاماً أو رموزاً أو غير ذلك من الأشياء إذا كانت مخلة بالحياء أو الآداب العامة".

ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من "أعلن عن شيء من ذلك أو عرضه على أنظار الجمهور، أو باعه أو أجره أو عرضه للبيع أو الإيجار ولو في غير علانية. وكل من وزعه أو سلمه للتوزيع بأية وسيلة كانت"، علماً إن المشرع في قانون العقوبات قد نص على "ظرف مشدد وذلك في حال ارتكبت الجريمة بقصد إفساد الأخلاق".

 

جدل على مواقع التواصل

 

أثارت الاحكام التي تم إصدارها جدلاً كبيراً على مواقع التواصل. أصل الجدل يعود إلى إنتشار الفساد المالي والإداري في العراق، والذي يعتبر العراقيون أن الحكومة لا تقوم بما يكفي لمحاربته.

وأيد زهير قاسم إجراءات وزارة الداخلية والمحكمة الاتحادية غرد على تويتر قائلا: "فرق بين حكومة تدعم المحتوى الهابط وحكومة تحارب هذا المحتوى السيء، الذي يسيء إلى قيم المجتمع العراقي ويصدر التافهين والتافهات على انهم وجه العراق"، مرفقاً تغريدته بصورة لرئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي وهو يلتقي أحد مشاهير مواقع التواصل.

في المقابل، قال حسين العراقي في بوست على فيسبوك: "القضاء الذي لا يطبق القانون على الجميع والذي يستثني أحدا دون الآخر، هو من يستحق أن يحاكم بتهمة الإساءة للذوق والآداب العامة". وأرفق رأيه بصورة للمتهم الرئيسي بقضية سرقة القرن نور زهير، الذي اختلس مبلغ 2.5 مليار دولار من أموال إيداعات الضرائب، دون أن يتم الحكم عليه أو حبسه حتى الآن.

ووصفت غادة أسعد قرار الحبس بأنه "غير منصف، كونه جاء بشكل مفاجئ، وكان الأفضل إصدار إنذار لأصحاب المحتوى السيء قبل إصدار الحكم النهائي بالحبس".

وغرد الإعلامي حسام الحاج: "أخشى أن تتمدد حملة مكافحة "المحتوى الهابط" لتصل إلى تقييد الحريات والأفكار والأيدولوجيات، وبالتالي فرض نسق مُحدد من الأفكار والآراء وما سواه سيُعامل على أنه ( محتوى هابط ) ..نحن سائرون بخطى ثابتة نحو تكميم الأفواه لضمان أكبر قدر ممكن لتسوير السلطة من الرأي المضاد ..!"

الإجراء الذي اتخذته وزارة الداخلية حث الكثير من مشاهير مواقع التواصل إلى حذف محتوياتهم السابقة، والتي يمكن أن تحيلهم إلى القضاء. منهم المطرب الشعبي العراقي الشهير سعدون الساعدي الذي نشر أغنية تتضمن عبارات "منافية للآداب العامة"، وطالب العراقيين بحذف الأغنية من حساباتهم. فيما أعلنت إيناس الخالدي انسحابها من مواقع التواصل الاجتماعي، وغلق جميع حساباتها، ونصحت الشباب والشابات الراغبين بالدخول إلى عالم السوشيال ميديا بالنشر عبر مواقع التواصل بسلوك الطريق الصحيح أو عدم الدخول فيه.

 

إجراءات الداخلية وتشدد القضاء

 

وكانت وزارة الداخلية أعلنت في بيان مقتضب منتصف يناير الماضي، عن "تشكيل لجنة لمتابعة المحتويات في مواقع التواصل ومعالجة الهابط منها وتقديم صانعيها للعدالة".

وأوضحت أن القضاء دعم مقترحات الأجهزة الأمنية حول ملف المحتوى على مواقع التواصل، فيما باشرت اللجنة عملها ووصلت إلى صناع المحتوى "الهابط" وألقت القبض عليهم.

وبالتزامن مع الإعلان، أطلقت وزارة الداخلية منصة إلكترونية تحمل اسم (بلغ) قالت عنها إنها خاصة بالإبلاغ عن المحتويات الإعلامية المنشورة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتتضمن إساءة للذوق العام وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي.

ووجه رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، اليوم، إعماما رسميا إلى رئاسة الادعاء العام وهيئة الإشراف القضائي ومحاكم الاستئناف كافة باتخاذ إجراءات مشددة ضد المحتوى السيء على مواقع التواصل جاء فيه أنه "لوحظ من خلال الرصد الإعلامي استخدام مواقع التواصل الإلكتروني لنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير أخلاقية إضافة إلى الإساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة بمختلف العناوين والمسميات لذا اقتضى اتخاذ الإجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب تلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام".

من جهته، فضل إعلام مجلس القضاء الأعلى عدم التصريح لـ"ارفع صوتك"، بعدد القضايا التي تم رفعها ضد مشاهير مواقع التواصل واكتفى بالقول: "تم الحكم حتى الآن على خمسة من أصحاب المحتوى السيء والذين تمت احالتهم إلى القضاء، والإجراءات ماضية بحق باقي المتهمين".

 أما مدير قسم الشائعات التابع لوزارة الداخلية العميد نبراس محمد فقال لـ"ارفع صوتك" إن "المواطن هو من يقدم الشكوى ضد أصحاب المحتوى السيء، ودور الوزارة يكون من خلال الرصد وإحالة المتهم إلى القضاء الذي يكيف الأحكام بناءً على جسامة الأفعال التي تمت من خلال مواقع التواصل".

 

ماذا يقول محامي أحد المتهمين؟

 

بدوره، قال محامي أحد المتهمين في قضايا المحتوى السيء والذي فضل عدم ذكر اسمه أن "المحكمة نظرت إلى قضايا المحتوى السيء بناءً على شكوى تقدمت بها وزارة الداخلية، لكن القرار الأول والأخير هو للمحكمة".

وأوضح أن وزارة الداخلية "أرفقت شكواها بفيديوهات للمحتوى الذي يتم عرضه على مواقع التواصل واعتبرتها المحكمة غير مطابقة أو منافية للآداب العامة"، وعلى هذا الأساس "أصدر مجلس القضاء الأعلى أحكامه على المتهمين كل حسب المواد وسجله السابق".

وفي معرض رده على سؤال لـ"ارفع صوتك" حول اختلاف الأحكام قال المحامي إن "اختلاف الأحكام بين متهم وآخر يأتي من وجود أو عدم قضايا سابقة أو أفعال مخلة لدى المتهم قبل نشرها للعامة على مواقع التواصل، وكذلك جسامة الفعل المرتكب".

وفي حالة كون الحكم مخففا "فإنه يأتي استناداً إلى المواد القانونية المرقمة 128 و130".

وتنص المادة رقم 128 من قانون العقوبات على أن" الأعذار إما أن تكون معفية من العقوبة أو مخففة لها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.