على الرغم من العقوبات المشددة في التشريعات والقوانين العراقية النافذة بحق المتورطين بسرقة وتجارة الآثار ، إلا أنها لم توقفها في محافظة ذي قار جنوب البلاد، التي تضم نحو 1200 موقع أثري، يعود معظمها إلى الحضارات السومرية والأكدية والبابلية والأخمينية والفرثية والساسانية والعصر الإسلامي.
وتعد محافظة ذي قار (مركزها الناصرية) من أغنى المحافظات بالمواقع الأثرية المهمة، إذ تضم بيت النبي إبراهيم (ع) وزقورة أور التاريخية، فضلاً عن المقبرة الملكية، وقصر شولكي ومعبد (دب لال ماخ) الذي يُعد أقدم محكمة في التاريخ.
يقول مدير آثار ذي قار، شامل الرميض، إن "90 موقعاً أثرياً يحظى فقط بحراسات أمنية، بالتالي تستمر عمليات النبش والسرقة في الأماكن الأخرى غير المحصنة".
ويوضح لـ"ارفع صوتك"، أن "العديد من المواقع الأثرية تتعرص باستمرار لعمليات نبش عشوائي وخصوصاً عند الغابات وهور الدلمج وتشوخر وعند أطراف المحافظة ، حيث يسعى السارقون للحصول على مقتنيات ثمينة مثل الذهب والنفائس، ما يخلف تدميراً للكثير من الجرار الفخارية الثمينة لأنهم لا يكترثون لقيمتها التاريخية".
وعلى العكس من حديث الرميض، قال مدير آثار مدينة أور، علي كاظم غانم لـ صحيفة "المدى" المحلية (24 مايو 2022)، إن سرقة الآثار "تراجعت بنسبة 95% مقارنة بحقبة ما بعد 2003، والسبب فتوى المرجعية الدينية بتحريم التجاوز على المواقع الأثرية ونهب الآثار".
وقال غانم، إن "عمليات النبش والسرقة كانت في السابق تطال المناطق النائية المحصورة بين محافظة ذي قار والديوانية والسماوة، بينما الحاصلة حالياً (قبل نحو عام) غالباً ما تكون ناجمة عن خطأ معين كإقامة مشروع دون مراجعة دائرة الآثار أو فتح مسار طريق وأمور أخرى مسيطر عليها".
وبين الحين والآخر، تعلن السلطات الأمنية عن تسلّم العديد من القطع الأثرية من قبل بعض الأفراد والتي يعود أغلبها إلى مئات السنين.
ويشير الرميض إلى أن "أغلب السارقين يقومون بتسليم الفخاريات والجرار والتماثيل وغيرها مما يعثرون عليه وتصعب المتاجرة به في أسواق التهريب ، فهدفهم الأساسي الذهب والمعادن غالية الثمن، لسهولة بيعها".
ويؤكد على "ضرورة تحرّك الجهات المعنية (السلطات) من أجل وضع حراسات أمنية، على أن يتم اختيار عناصرها من أبناء المناطق القريبة من المواقع الأثرية، خصوصاً أن أغلبها يقع قرب مناطق صحراوية وأخرى نائية".
وحسب (المادة 4- سابعا) من قانون الآثار والتراث رقم (55 لسنة 2002)، فإن الآثار، هي: "الأموال المنقولة وغير المنقولة التي بناها أو أنتجها أو كتبها أو رسمها أو صورها الإنسان ولا يقل عمرها عن مئتي سنة. وكذلك الهياكل البشرية والحيوانية والنباتية".
أما المواد التراثية فقد عرفتها الفقرة (ثامناً)، بأنها "الأموال المنقولة وغير المنقولة التي يقل عمرها عن مئتي سنة ولها قيمة تاريخية أو وطنية أو قومية أو دينية أو فنية يعلن عنها بقرار من وزير".
وضمن (المادة 15/ أولاً): "ُيمنع التجاوز على المواقع الأثرية والتراثية والتاريخية بما فيها التلول والأراضي المنبسطة التي عثر فيها على الملتقطات الأثرية، وإن لم يتم نشرها في الجريدة الرسمية وكانت في ظروف يمكن للشخص المعتاد العلم بها".
تأثير السرقات على التنقيب
حالياً، تنشط ثماني بعثات تنقيبية من الولايات المتحدة وبريطانيا وأيطاليا في محافظة ذي قار، ضمن مواقع أثرية عديدة، أبرزها: أور وأريدو وتلول الهباب لكش وتل النصر ولارسا.
يقول مدير قسم الآثار في كلية الاداب بجامعة ذي قار، مخلد ذياب، إن "عمليات النبش الجائر تسببت بخلط الأوراق وتعقيد المهمة أمام الباحثين، فعلى سبيل المثال وجدنا جراراً تعود للعصر الفرثي دفع بها اللصوص دون دراية إلى مواقع تنتمي لحقبة سلالة أور الثالثة".
ويضيف لـ"ارفع صوتك": "نتيجة ذلك، تحذر الفرق المختصة من التجمع عند بعض الأماكن الأثرية غير المكتشفة، كي لا تجذب أنظار عصابات سرقة الآثار إليها".
ويُعرب ذياب عن "أسفه الشديد نتيجة فقدان السيطرة والحماية لمئات المواقع الأثرية في المحافظة، وهو ما سمح بتواجد عصابات مختصة للسرقة والعبث"، على حد قوله.
ويشير إلى أن "بعض العصابات بدأت باستخدام تقنيات وأجهزة حديثة تكشف من خلالها الذهب والنفائس الثمينة عند عمليات بحثها في المواقع الأثرية".