منتسب في القوات الأمنية العراقية في البصرة
صورة أرشيفية لمنتسب في القوات الأمنية العراقية- تعبيرية

يخيم مشهد الخوف من عودة الاغتيالات على الشارع العراقي مجددا، إثر التراجع الأمني الذي شهدته محافظات عدة من البلاد خلال الأيام الماضية، وأسفر عن مقتل وإصابة نحو 22 شخصا، ثلاثة منهم اغتيلوا من قبل مسلحين مجهولين.

ولم تغب الاغتيالات عن المشهد العراقي طيلة السنوات العشرين الماضية، التي أعقبت سقوط النظام السابق وتشكيل العملية السياسية الحالية، ولطالما شكل الأطباء والناشطون والصحافيون والكتاب والفنانون والضباط وأساتذة الجامعات والتجار ووجهاء العشائر وعدد من السياسيين أبرز ضحايا هذه العمليات، التي تتصاعد بين الحين والآخر، وشهدت أوجها خلال احتجاجات أكتوبر 2019.

يقول الخبير الإستراتيجي علاء النشوع، إن "فصائل مسلحة موالية لإيران -لم يسمّها- تنضوي تحت جناح الحكومة مرتبطة بتنفيذ هذه العمليات، معتمدة في ذلك على نفوذها وتحكمها بمقدرات الدولة".

ويوضح لـ"ارفع صوتك": "هذه الفصائل لا تخضع لسلطة الدولة والقانون، بل أصبحت تسيطر على كل موارد البلاد وتسخرها لخدمة أهدافها وأهداف الأجندة الإقليمية المتمثلة بإيران، التي تعاني بدورها من حصار اقتصادي صارم أثر بشكل مباشر على قدراتها العسكرية والأمنية والسياسية".

ويرى النشوع أن هذه الفصائل "تستغل ما يتمتع به العراق من الدعم والتأييد الدولي الذي تحظى به حكومة محمد شياع السوداني، للقيام بمسلسل الاغتيالات من جهة، والعمل على إجراء تغييرات ديمغرافية من جهة أخرى، حيث تحتاج الفصائل لمناطق التغيير سعياً وراء الأجندة الإيرانية نحو   ساحل البحر المتوسط".

وكشفت تحقيقات القوات الأمنية العراقية واعترافات منفذي عدد من الاغتيالات والاختطافات، عن وقوف فصائل موالية لإيران خلفها، إلى جانب مسلحين تابعين لتنظيمي داعش والقاعدة، حيث تعلن عن تبنيها.

 

"شحن طائفي"

من جهته، يؤكد المحلل السياسي كتاب الميزان، على وجود "ارتباط بين عمليات الاغتيال في المحافظات التي شهدتها وتنوعها السكاني المذهبي والقومي".

ويشير إلى أن توقيت الاغتيالا مرتبط بالاستعداد السياسي للانتخابات، مبيناً لـ"ارفع صوتك": "الهدف هو التصعيد وشحن المنطقة طائفياً وإعادة التخندق الطائفي. وإلا من لديه المصلحة في اغتيال شخصيات سنية في منطقة تتمركز فيها فصائل مسلحة؟".

"كما أن فصائل مسلحة بدأت تنشط وتنفذ عمليات الاغتيال هذه، كي تستخدمها وتوظفها سياسياً وعقائدياً، فعندما تنتهي الجهات السياسية التي تحمي الفصائل المسلحة، ستحاول الأخيرة أن تعيد نفسها إلى الواجهة من جديد عبر الشحن الطائفي"، يتابع الميزان.

وأعلنت القوات الأمنية العراقية اغتيال مسلحين مجهولين للعقيد الركن الطيار، سعد محسن الدليمي، في محافظة الأنبار، أعقبه الإعلان عن اغتيال مسلحين للطبيب أحمد طلال المدفعي وسط مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى شرق العراق، وتبعها اغتيال مسلحين للمدرس المتقاعد عبد الرسول الأنباري في محافظة بابل جنوب بغداد.

وسبقت هذه الاغتيالات مقتل تسعة أشخاص من بينهم نساء، وإصابة 10 آخرين إثر هجوم شنه مسلحون، الاثنين الماضي، على عدد من الفلاحين أثناء تواجدهم داخل حقولهم الزراعية في قرية الجبايلة التابعة لقضاء الخالص في محافظة ديالى.

 

"تنافس سياسي"

ترفض الجهات الأمنية العراقية الحديث عن تراجع الملف الأمني الذي تسبب في حدوث هذه الهجمات، مؤكدة أن الأوضاع الأمنية مستقرة وتحت السيطرة، على الرغم من أن الأشهر الماضية شهدت اغتيالات عديدة استهدفت ضباطا سابقين وناشطين في جنوب العراق.

يوضح مسؤول أمني عراقي لـ"ارفع صوتك"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه، أن "القوات الأمنية بكافة تشكيلاتها بدأت التحقيق في جرائم الاغتيالات فوراً، وتنفيذ إجراءات رادعة للعصابات والجهات التي تقف خلفهت".

ويعدُ بأن الأجهزة الأمنية "ستتوصل إلى منفذي الاغتيالات في أقرب وقت"، مشددا على أن الحكومة العراقية "تعمل دائما للحفاظ على الأمن والاستقرار والتصدي للجماعات الإرهابية عبر الاعتماد على المعلومات الاستخبارية، وتنفيذ عمليات أمنية استباقية وتحديث مستمر للخطط العسكرية لمنع الخروقات الأمنية".

في نفس السياق، يقول المستشار القانوني في المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب، أزهر الشمري، إن تصاعد أعمال العنف والتراجع الأمني الذي شهده العراق مؤخرا بعد فترة من الهدوء النسبي، يأتي في نطاق "التنافس السياسي والانقسامات بين الكتل السياسية التي تلقي بظلالها على الواقع الأمني في بعض محافظات العراق".

ويؤكد لـ"ارفع صوتك": "من واجب الحكومة حماية المدنيين في أي ظرف كان، وبذل كافة الجهود لحماية المدن والقرى من أي هجوم، لكن عدم الكشف عن هوية الجهات أو الأشخاص المتورطين في تنفيذ هذه العمليات يشير إلى وقوف جهات متنفذة خلفها".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.