حقول نفط العراق ا ف ب
حقول نفطية عراقية، من أرشيف فرانس برس- تعبيرية

ما إن حدث القليل من التقارب بين بغداد وأربيل لحل القضايا العالقة بينهما، حتى ظهر عائق جديد، يتمثل بقرار هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، يقضي بمنع تصدير نفط إقليم كردستان العراق، ما من شأنه -حتال تطبيقه- إعادة المفاوضات بين الطرفين للمربع الأول.

وأصدرت هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في العاصمة الفرنسية، الخميس الماضي، حكمها النهائي بشأن تصدير نفط كردستان عبر تركيا في 23 مارس، حسب دعوى التحكيم المرفوعة من قبل العراق ضد تركيا، لمخالفتها أحكام "اتفاقية خط الأنابيب العراقية التركية" الموقعة عام 1973، لصالح العراق.

ويأتي القرار في وقت يواصل وفد من كردستان مفاوضاته مع وزارة النفط العراقية، للتوصل إلى اتفاق لتصدير نفط الإقليم إلى الخارج بعد قرار المحكمة.

وكشف بيان لوزارة النفط العراقية، الأحد الماضي، أن "نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة وزير النفط، حيان عبد الغني، عقد اجتماعاً مع وفد من كردستان، بحث خلاله الآليات والمعطيات الجديدة لصادرات الإقليم" بعد قرار باريس.

وحصل "ارفع صوتك" على معلومات من مصادر مطلعة على المفاوضات الجارية، تشير إلى اقتراب الجانبين من التوصل لاتفاق مبدئي على استمرار إقليم كردستان بتصدير نفطه، لحين المصادقة على قانون الموازنة الاتحادية- 2023، ومن ثم سيدير الجانبان الملف النفطي معاً.

وأضافت المصادر، أن الإقليم سيعاود تصدير النفط قريباً عبر ميناء جيهان التركي بعد أن توقف، الجمعة الماضي، إثر قرار محكمة باريس.

 

"بغداد ستخسر"

تعقيباً على ما سبق، يقول الخبير العراقي في قطاع النفط، كوفند شيرواني، إن القرار في حال تطبيقه "سيسبب توترا سياسيا بين الإقليم والحكومة الاتحادية، إضافة إلى الآثار الاقتصادية السلبية على كل من أربيل وبغداد. فالأخيرة ستخسر أيضاً إيرادات حوالي ٨٠ ألف برميل نفط يوميا، أي أكثر من ستة ملايين دولار يومياً".

في نفس الوقت، يستبعد شيرواني استمرار منع تصدير إقليم كردستان النفط بشكل نهائي، مبيناً لـ"ارفع صوتك": "لا أعتقد أن القرار سيمنع تصدير نفط الإقليم الا لفترة وجيزة، لأن البيان الصحافي لوزارة النفط الاتحادية، أشار إلى أهمية استمرار تدفق النفط مع الالتزام بمقررات الأوبك والأوبك بلس".

وكان رئيس حكومة إقليم كردستان، مسرور بارزاني، نشر السبت الماضي، تغريدة على تويتر يؤكد فيها: "تفاهماتنا الأخيرة مع بغداد وضعت لنا الأساس للتغلب على قرار التحكيم".

بينما أكدت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم، أن "قرار محكمة باريس لصالح الحكومة العراقية ضد تركيا، لن يؤثر على علاقات حكومة الإقليم مع الحكومة الاتحادية".

وأضافت في بيان، أن حكومة الإقليم أجرت في الأشهر الأخيرة، حوارات ومفاوضات متواصلة مع الحكومة الاتحادية، كان آخرها متعلقاً بملفي الموازنة، والنفط والغاز، وتم التوصل لاتفاق مبدئي.

يقول شيرواني: "الآن وأكثر من أي وقت آخر، أصبح تمرير قانون النفط والغاز العراقي أمرا ملحاً لاحتواء هذه الخلافات وتفادي أية خلافات أخرى مستقبلا".

"أعتقد أن الحل يكمن في التنسيق والتعاون الجاد بين الطرفين في ملف النفط والغاز خاصة في الجزء المتعلق بتسويق النفط وإدارة عوائده وفق الاستحقاقات الدستورية والوطنية"، يتابع شيرواني.

 

"لماذا الآن؟"

في 13 مارس الحالي، أعلن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، عن التوصل إلى اتفاق شامل للقضايا العالقة بين بغداد وإقليم كردستان.

وقال في مؤتمر صحافي: "لأول مرة تودع الإيرادات الكلية للنفط المنتج في الإقليم بحساب مصرف يخضع للإدارة الاتحادية".

وأضاف  أن "التفاهمات بين بغداد وأربيل كانت تؤكد مضيّ الطرفين باتجاه إقرار قانون النفط والغاز"، وفي حال وجود أي خلافات، هناك لجنة ترفع توصياتها إلى السوداني.

يقول الخبير الاقتصادي همام الشماع، لـ"ارفع صوتك"، إن قرار محكمة باريس "لن يكون له أي تأثير اقتصادي، لأنه وُلد في هذه الظروف كي يحل الإشكالات القائمة بين بغداد وأربيل".

ويوضح: "الدعوى مقامة منذ عام 2014 لكنها لم تحسم من قبل هيئة التحكيم، فلماذا الآن؟ لأن العلاقات بين بغداد وأربيل أصبحت من الناحية العملية إيجابية وتمت تسوية كل المشاكل تقريباً، وجاء هذا القرار ليضيف تسوية دولية على الخلافات بشأن النفط والغاز المصدَّر من إقليم كردستان".

ويشير الشماع، إلى أن الحكومة الاتحادية أدرجت 400 ألف برميل صادرات نفط كردستان ضمن مشروع الموازنة العامة لعام 2023، بمعنى أن الحكومة في بغداد ستعطي الموافقة لتركيا لتصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان، وهكذا تكون قوى دولية ساهمت في حل المشكلات العالقة بين أربيل وبغداد.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.