توقف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا لأكثر من سبعة أشهر
توقف تدفق النفط عبر خط الأنابيب بين العراق وتركيا لأكثر من سبعة أشهر

أنهى اتفاق مبدئي أبرم بين حكومتي بغداد وأربيل، خلافا دام  أكثر من عقد، بشأن النفط، ويستأنف بموجبه تصدير الذهب الأسود من الشمال عبر تركيا. 

وينصّ الاتّفاق الذي وُقّع بحضور رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني ورئيس وزراء كردستان العراق، مسرور برزاني، الثلاثاء، على أن تجري مبيعات نفط كردستان عبر شركة تسويق النفط العراقية "سومر"، ما يعني أنّ أربيل لن تدير بعد اليوم منفردةً ملف النفط. 

ويفتح الاتفاق الباب لاستئناف تصدير النفط عبر خط أنابيب بين العراق وتركيا، منذ أن توقف في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، وهو ما يكلف الموازنة العامة للدولة العراقية خسائر بحدود 30 إلى 35 مليون دولار يوميا، أي نحو مليار دولار شهريا من إيرادات الدولة، بحسب الخبير الاقتصادي العراقي، عبد الرحمن المشهداني لموقع "الحرة"، الذي أشار إلى أن الحكومة الاتحادية حددت سعر برميل النفط في الموازنة بـ70 دولارا. 

وأوقفت تركيا تدفق نحو 450 ألف برميل يوميا من الخام العراقي عبر خط أنابيب من منطقة فيش خابور الحدودية إلى ميناء جيهان التركي في 25 مارس الماضي بعد فوز العراق بدعوى تحكيم دولية من قبل غرفة تحكيم باريس لحل خلاف مستمر منذ 2010، بحسب المشهداني.

ويقول المشهداني، إن "قرار غرفة تحكيم باريس منع تركيا من تصدير نفط إقليم كردستان العراق دون موافقة الحكومة الاتحادية وهو ما عجل بتوقيع الاتفاق". 

ويضيف أنه "لولا قرار هيئة التحكيم الدولية كان من الممكن ألا يلتزم إقليم كردستان. وفي نفس الوقت، إذا استمرت تركيا في تنفيذ القرار، ولم تحل الحكومة الاتحادية المشكلة مع الإقليم، فهذا يعني أن بغداد ملتزمة بتسليم حصة الإقليم وهي 12.67 من الموازنة العامة بدون قيد أو شرط، باعتبار أن منع تصدير النفط كان من جهة خارجية وليس محليا". 

وتمثل التدفقات المتوقفة نحو 0.5 بالمئة فقط من إمدادات النفط العالمية، لكن هذا التوقف أجبر شركات النفط العاملة في المنطقة على وقف الإنتاج أو نقله إلى صهاريج تخزين تمتلئ سريعا وساهم أيضا في ارتفاع أسعار النفط الأسبوع الماضي إلى ما يقرب من 80 دولارا للبرميل.

والعراق هو ثاني أكبر دولة نفطية في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).

ويصدّر العراق ما معدّله 3,3 ملايين برميل من النفط الخام يومياً، ويشكّل الذهب الأسود أكثر من 90 في المئة من موارد الخزينة العراقية. 

ويقول المشهداني إن "إعادة تصدير النفط يضيف للموازنة موردا مهما ويقلل من نسبة العجر"، مشيرا إلى أن الخلاف النفطي بين بغداد وأربيل بدأ في 2010 قبل أن تتجه الأولى إلى التحكيم الدولي في 2014. 

ولا يزال أمام موازنة 2023 نحو شهر ونصف من المداولات في البرلمان، والتي من المفترض أن يتم تطبيقها بأثر رجعي بداية من العام الجاري.  

ويعتبر المشهداني أن برزاني قدم تنازلات في الاتفاق، حيث وافق على تشكيل لجنة مشتركة لتسويق النفط وتسليم الـ450 ألف برميل للحكومة الاتحادية، على أن يتم فتح حساب مصرفي مستقل لحكومة الإقليم لدى البنك المركزي العراقي، تشرف عليه الحكومة الاتحادية، على أن يقدم تقريرا رقابيا كل ثلاثة أشهر، واستحداث منصب معاون للمدير العام لشركة تسويق النفط العراقية، على أن ترشّح حكومة إقليم كردستان الاسم الذي سيشغل هذا المنصب الجديد. 

وقال السوداني خلال إفادة صحفية مشتركة مع برزاني "على الكل الالتزام بهذا الاتفاق و تنفيذه".

وأضاف أن الاتفاق مؤقت لحين الوصول إلى تشريع قانون الموازنة الذي قال إنه "سيغطي كل الالتزامات ويعالج كل المشاكل".

ويوضح المشهداني أن هذا الاتفاق صادقت عليه الحكومة الاتحادية، على أمل أن يشرع قانون النفط والغاز لاحقا من قبل البرلمان. 

وبحسب الخبير النفطي، يسار المالكي، فإنّ الاتّفاق "يمنح بغداد القدرة على الاطّلاع على قطاع النفط في كردستان العراق، حتّى لو كان الأمر يتعلّق في الوقت الحالي بجانب المبيعات فقط".

وأضاف لوكالة "فرانس برس" أنّ الاتفاق يمنح بالمقابل أربيل القدرة على "زيادة دخلها من خلال التوقف عن منح تخفيضات كبيرة" على مبيعاتها كما كانت تفعل سابقاً.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.