صورة لعناصر من القوات الخاصة العراقية في شوارع العاصمة بغداد في 27 أغسطس 2021
التعقيدات السياسية والأمنية في العراق تعيق جهود إنهاء ملف المفقودين

حكم القضاء العراقي، قبل أسبوعين، بالإعدام غيابيا على المتهمين بخطف الناشط المعروف في محافظة الناصرية "سجاد العراقي"، الذي اختطف في العشرين من سبتمبر عام 2020، ومصيره غير معروف حتى الآن.

وبالإضافة إلى سجاد، هناك نحو "مليون عراقي آخرين غير معروفي المصير، اختفوا في العقود التي تلت وصول صدام حسين – رئيس النظام العراقي السابق – إلى السلطة، والعقود التي تلت الإطاحة به"، وفقا للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري.

ولا يشمل هذا الرقم سوى المختفين في العقود الخمسة الأخيرة. فيما تعيش عائلات هؤلاء الضحايا على أمل الحصول على أي إشارات أمل للعثور على أبنائها، لكن مشكلة "الإفلات من العقاب" تعيق حل المشكلة.

مأساة متجددة

ويقول حسنين الركابي، وهو زميل سابق لسجاد تظاهر معه خلال احتجاجات تشرين (أكتوبر) 2019 في العراق إن "اختفاء سجاد يؤلم أكثر من مقتل زملائه الآخرين".

ويضيف الركابي لموقع "الحرة" أن زملائهم ممن قتلوا خلال التظاهرات، وهم بالعشرات "حصلوا على دفن، وحصلت عوائلهم على نهاية لقصتهم وإن كانت نهاية حزينة، لكن مع سجاد وغيره من المختفين فإن القصة لا تنتهي أبدا".

 الناشط سجاد العراقي خلال مشاركته بتظاهرة في ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية.

ويقول الركابي إن "هناك بعض الأشخاص حاولوا الإمعان بتعذيب عائلة سجاد، من خلال الاتصال بهم والادعاء أنهم يعرفون مصير ابنهم لمنحهم أملا كاذبا، وجعل جراحهم تتجدد كل يوم".

وحاولت القوات الأمنية العراقية تحرير سجاد لأشهر، لكنها فشلت في ذلك رغم أن الخاطفين معروفون.

واختطف سجاد من بين زملاء له، أصيب أحدهم برصاصة المختطفين، وتمكن زملائهم من التعرف على الخاطفين وتبليغ القوات الأمنية.

ورغم تدخل جهاز مكافحة الإرهاب، فإن الخاطفين لا يزالون طليقين إلى الآن، ويقول المحامي، سرور الشمري، إن "الاختفاء القسري يتزايد مع ضعف تطبيق القانون، حتى لو كانت مؤسسات الدولة قوية".

ويضيف الشمري، وهو ناشط حقوقي، لموقع "الحرة" أن الاختفاء القسري رافق العراقيين منذ عقود، حينما كانت الدولة هي من تقوم بإخفاء المعارضين والتخلص منهم، ومن ثم حينما تولت الجماعات المسلحة هذه المهمة".

ممارسة الاختفاء القسري

وتقول لجنة الأمم المتحدة إنها تشعر بقلق عميق لأن "ممارسة الاختفاء القسري كانت منتشرة على نطاق واسع في معظم أنحاء العراق على مدى فترات مختلفة، ولأن الإفلات من العقاب ومعاودة الإيذاء سائدان".

وتضيف أنها تلقت خلال زيارتها البلاد، في نوفمبر الماضي، "عددا كبيرا من شهادات ضحايا حالات الاختفاء، بما في ذلك الاختفاء القسري"، وقالت إن المشكلة "لا تزال تحدث".

ونقلت عن امرأة قولها للجنة "ذهب ابني لزيارة ابن عمه. اتصلت به بعد وقت قصير من مغادرته لأنه نسي الخبز الذي أردته أن يقدمه لابن أخي أجاب، قائلا إنه كان عند نقطة تفتيش وأن بعض الرجال في الزي العسكري كانوا يتفقدونه، وأنه سيعاود الاتصال بي بعد ذلك مباشرة. لم يفعل أبدا. ومنذ ذلك الحين، بحثت عنه في كل مكان، في جميع السجون، مع جميع السلطات. لكن لا شيء، لا شيء، لا شيء".

 وتقول اللجنة إن هذه الشهادة تسلط الضوء على "نهج نموذجي مستمر"

الاختفاء يشمل الجميع

وفي حين إن أغلب ضحايا الاختفاء القسري هم من الأقليات، كما يشير المحامي، سرور الشمري، إلا أن "الكابوس لا يفرق بين أحد" حسب وصفه.

ويشير إلى حالات اختفاء أصابت معارضي السلطة من الشيعة، مثل سجاد.

وتقول الأمم المتحدة إن من الأنماط المستمرة الأخرى "الاختفاء القسري المزعوم للأطفال، وخاصة الأطفال الإيزيديين الذين ولدوا بعد تعرض أمهاتهم للاعتداء الجنسي في مخيمات داعش".

نساء إيزيديات يعرضن صورا لضحايا قتلوا على يد تنظيم داعش

وأبلغت اللجنة، وفقا لبيانها، أن الأمهات "يجبرن، في بعض الحالات، على ترك أطفالهن في دور الأيتام بعد عودتهن إلى العراق، بنية إعادتهم إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن".

ومع ذلك، "عندما عدن إلى دار الأيتام، قيل للأمهات إن أطفالهن "أعطوا" لأسرة أخرى، ويزعمن أن ذلك كان بضلوع مباشر لبعض موظفي الدولة"، وفقا للجنة.

موجات الاختفاء

وتقول اللجنة أن التقديرات تشير إلى أن "نحو ربع مليون شخص إلى مليون شخص قد اختفوا منذ عام 1968، عام صعود حزب البعث إلى السلطة في العراق".

وتقول إن "هذا الرقم توزع على خمس موجات رئيسة، الموجة الأولى من 1968 إلى 2003، حيث يقدر أن ما يصل من 290 ألف شخص اختفوا، بضمنهم 100 ألف كردي".

صدام حسين يتحدث على التلفزيون العراقي.. أرشيفية

والموجة الثانية تقع بين عام 2003 إلى فترة ما قبل داعش، حيث "أسر الجيش الأميركي وحلفاؤه ما لا يقل عن 200,000 عراقي، منهم 96,000 محتجزون في  مرحلة ما في سجون تديرها الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة".

وتقول اللجنة إنه يُزعم أن المعتقلين اعتقلوا دون أمر قضائي لمشاركتهم في عمليات التمرد، بينما كان آخرون "مدنيين تواجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ".

أما الموجة الثالثة فقد حصلت خلال إعلان داعش ما أطلقوا عليه "الخلافة" على جزء من أراضي العراق، حيث شهدت البلاد جولات جديدة من عمليات الاختطاف والقتل الجماعي لجنود الجيش العراقي أو أفراد قوات الأمن  من عام 2014  إلى عام 2017 تحت سيطرة داعش.

وتضيف أن الموجة الرابعة كانت حينما "تدهور الوضع أكثر عندما قامت قوات الحشد الشعبي بعمليات عسكرية لاستعادة المدن الرئيسية من داعش.  وخلال هذه العملية، أخفت القوات الموالية للحكومة الآلاف من العرب السنة، ومعظمهم من الرجال والفتيان".

وتقول اللجنة إن "موجة أخرى من الاختفاء القسري وقعت خلال احتجاجات 2018-2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية".

وحثت اللجنة العراق على إدراج جريمة الاخفاء القسري كجريمة مستقلة في التشريعات القانونية، وأن يتم تشكيل "فرقة عمل" فولابة ومستقلة للتحقق بشكل منهجي من سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المحتجزين.

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية
الحرب أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية في قطاع غزة بما في ذلك المراكز التعليمية

مع بدء السنة الدراسية الجديدة في معظم أنحاء الشرق الأوسط، يجد تلاميذ قطاع غزة أنفسهم للعام الثاني على التوالي دون مدارس ينهلون منها العلم والمعرفة، مما حدا برهط من المسؤولين والأهالي إلى إيجاد بعض الحلول الفردية، وفقا لتقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

وكان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي الجديد رسميا هذا الأسبوع، في القطاع الذي يشهد حربا شرسة منذ أكثر من أحد 11 شهرا بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، المصنفة "منظمة إرهابية" في الولايات المتحدة ودول أخرى.

وأدى القصف إلى تدمير جزء كبير من البنية الأساسية الحيوية في القطاع الفلسطيني، بما في ذلك المراكز التعليمية، التي كانت تستوعب نحو مليون تلميذ تحت سن 18 عاماً، وفقاً للأمم المتحدة.

وفي ظل صعوبة تأمين مساحة آمنة لتدريس الأطفال، قررت وفاء علي، التي كانت تدير مدرسة بمدينة غزة قبل الحرب، فتح فصلين دراسيين في منزلها شمالي القطاع، حيث يتجمع العشرات من الأطفال لتعلم العربية والإنكليزية بالإضافة إلى مادة الرياضيات.

وقالت علي: "أرادت الأسر أن يتعلم أطفالها القراءة والكتابة بدلاً من إضاعة الوقت في المنزل، خاصة أن الحرب لن تنتهي قريبا".

ولا يستطيع المعلمون الوصول إلا إلى نسبة صغيرة من الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، التي بدأت بعد أن هاجمت حركة حماس إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.

وردًا على ذلك، شنت إسرائيل عملية عسكري أدت إلى مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع.

"نبذل قصارى جهدنا"

من جانبها، أوضحت آلاء جنينة، التي تعيش حاليا في خيمة بوسط قطاع غزة، أن طفلها البالغ من العمر 4 سنوات وابنتها ذات السبع سنوات، يتلقيان دروسًا في خيمة قريبة.

وقالت المراة البالغة من العمر 33 عاما، إنها زارت مؤخرا "مدرسة الخيام"، مضيفة: "لقد أحزنني ذلك. ليس لديهم ملابس أو حقائب أو أحذية. لكننا نبذل قصارى جهدنا".

وتقول وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، التي تدير عشرات المدارس بالقطاع، إن أكثر من ثلثي مدارسها دُمرت أو تضررت منذ بدء الحرب.

ووفقا للوكالة، فقد قُتل "مئات" الفلسطينيين الذين نزحوا إلى مرافق الأونروا، ومعظمها مدارس، بينما تؤكد إسرائيل
أن ضرباتها على المدارس وملاجئ الأونروا "تستهدف المسلحين الذين يستخدمون تلك المرافق"، وهو أمر تنفيه حركة حماس.

ورفضت هيئة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن التنسيق مع جماعات الإغاثة، التعليق، كما لم يستجب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي لطلب التعليق من الصحيفة الأميركية.

"بقع لليأس والجوع"

وقالت "الأونروا" إنها أطلقت برنامج العودة إلى التعلم، الذي سيجلب حوالي 28 ألف طفل إلى عشرات المدارس، لافتة إلى أن ذلك البرنامج سيركز على "الدعم النفسي والفنون والرياضة ومخاطر الذخائر المتفجرة، ثم سيتعمق أكثر في مواد القراءة والكتابة والرياضيات".

وفي هذا الصدد، قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، الأربعاء، على وسائل التواصل الاجتماعي: "الكثير من المدارس لم تعد مكانًا للتعلم. لقد أصبحت بقعا لليأس والجوع والمرض والموت".

وتابع: "كلما طالت فترة بقاء الأطفال خارج المدرسة.. كلما زاد خطر تحولهم إلى جيل ضائع. وهذه وصفة للاستياء والتطرف في المستقبل".

من جانبه، أوضح الباحث في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني بقطر، معين رباني، أن قطاع غزة "كان لديه معدلات تعليم عالية نسبيًا، على الرغم من نسب الفقر الكبيرة التي تسوده".

وأضاف رباني أن الفلسطينيين "سعوا منذ فترة طويلة إلى التعليم للتقدم وسط ظروف اقتصادية صعبة، حيث وقد وفرت لهم الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية مختلفة فرصًا تعليمية جيدة".

ولفت في حديثه للصحيفة الأميركية، إلى أن العديد من الفلسطينيين في غزة "اعتادوا على فقدان أراضيهم ومنازلهم وممتلكاتهم، وبالتالي اهتموا بالتعليم، لأنه أمر يمكنك أن تأخذه معك أينما ذهبت".

وهناك ثمن نفسي للابتعاد عن المدرسة على الأطفال أيضًا، إذ قالت ليزلي أركامبولت، المديرة الإدارية للسياسة الإنسانية في منظمة إنقاذ الطفولة الأميركية، إن قضاء عام بعيدًا عن المدرسة والأصدقاء والملاعب والمنازل خلال صراع مسلح عنيف، "يمثل إزالة للركائز الأساسية للاستقرار والسلامة للأطفال".

وشددت على أن "عدم اليقين والتوتر وفقدان المجتمع، يمكن أن يؤدي إلى تحفيز أنظمة الاستجابة الطبيعية للتوتر في الجسم، والتي يمكن أن تكون ضارة بمرور الوقت".

واستطردت حديثها بالتأكيد على أن "تكرار هذه الأعراض أو استمرارها لفترات طويلة، قد يؤدي إلى مجموعة من النتائج السلبية على الصحة العقلية، التي لا يتعافى منها الأطفال بسهولة".

وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، قد كشفت في وقت سابق هذا الشهر، أن الأطفال في قطاع غزة "هم الفئة الأكثر تضررًا" مما يحدث هناك، وهم بحاجة ماسة لدعم نفسي وتعليمي بشكل عاجل.

وقال الناطق باسم المنظمة، كاظم أبو خلف، في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الوضع الحالي في غزة "يتطلب استجابة عاجلة لمساعدة الأطفال الذين يعانون من فقدان التعليم والأضرار النفسية الجسيمة التي يتعرضون لها".

وشدد على أن "جميع الأطفال في القطاع يحتاجون إلى دعم نفسي، حيث فقد ما لا يقل عن 625 ألف طفل عامًا دراسيًا منذ بدء الحرب.. وبعض الأطفال تعرضوا لبتر أطرافهم وهم بحاجة إلى الخروج من القطاع لتلقي العلاج، فيما يعاني العديد من الأطفال من الخوف والقلق بسبب الحرب".