حكم القضاء العراقي، قبل أسبوعين، بالإعدام غيابيا على المتهمين بخطف الناشط المعروف في محافظة الناصرية "سجاد العراقي"، الذي اختطف في العشرين من سبتمبر عام 2020، ومصيره غير معروف حتى الآن.
وبالإضافة إلى سجاد، هناك نحو "مليون عراقي آخرين غير معروفي المصير، اختفوا في العقود التي تلت وصول صدام حسين – رئيس النظام العراقي السابق – إلى السلطة، والعقود التي تلت الإطاحة به"، وفقا للجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري.
ولا يشمل هذا الرقم سوى المختفين في العقود الخمسة الأخيرة. فيما تعيش عائلات هؤلاء الضحايا على أمل الحصول على أي إشارات أمل للعثور على أبنائها، لكن مشكلة "الإفلات من العقاب" تعيق حل المشكلة.
مأساة متجددة
ويقول حسنين الركابي، وهو زميل سابق لسجاد تظاهر معه خلال احتجاجات تشرين (أكتوبر) 2019 في العراق إن "اختفاء سجاد يؤلم أكثر من مقتل زملائه الآخرين".
ويضيف الركابي لموقع "الحرة" أن زملائهم ممن قتلوا خلال التظاهرات، وهم بالعشرات "حصلوا على دفن، وحصلت عوائلهم على نهاية لقصتهم وإن كانت نهاية حزينة، لكن مع سجاد وغيره من المختفين فإن القصة لا تنتهي أبدا".
ويقول الركابي إن "هناك بعض الأشخاص حاولوا الإمعان بتعذيب عائلة سجاد، من خلال الاتصال بهم والادعاء أنهم يعرفون مصير ابنهم لمنحهم أملا كاذبا، وجعل جراحهم تتجدد كل يوم".
وحاولت القوات الأمنية العراقية تحرير سجاد لأشهر، لكنها فشلت في ذلك رغم أن الخاطفين معروفون.
واختطف سجاد من بين زملاء له، أصيب أحدهم برصاصة المختطفين، وتمكن زملائهم من التعرف على الخاطفين وتبليغ القوات الأمنية.
ورغم تدخل جهاز مكافحة الإرهاب، فإن الخاطفين لا يزالون طليقين إلى الآن، ويقول المحامي، سرور الشمري، إن "الاختفاء القسري يتزايد مع ضعف تطبيق القانون، حتى لو كانت مؤسسات الدولة قوية".
ويضيف الشمري، وهو ناشط حقوقي، لموقع "الحرة" أن الاختفاء القسري رافق العراقيين منذ عقود، حينما كانت الدولة هي من تقوم بإخفاء المعارضين والتخلص منهم، ومن ثم حينما تولت الجماعات المسلحة هذه المهمة".
ممارسة الاختفاء القسري
وتقول لجنة الأمم المتحدة إنها تشعر بقلق عميق لأن "ممارسة الاختفاء القسري كانت منتشرة على نطاق واسع في معظم أنحاء العراق على مدى فترات مختلفة، ولأن الإفلات من العقاب ومعاودة الإيذاء سائدان".
وتضيف أنها تلقت خلال زيارتها البلاد، في نوفمبر الماضي، "عددا كبيرا من شهادات ضحايا حالات الاختفاء، بما في ذلك الاختفاء القسري"، وقالت إن المشكلة "لا تزال تحدث".
ونقلت عن امرأة قولها للجنة "ذهب ابني لزيارة ابن عمه. اتصلت به بعد وقت قصير من مغادرته لأنه نسي الخبز الذي أردته أن يقدمه لابن أخي أجاب، قائلا إنه كان عند نقطة تفتيش وأن بعض الرجال في الزي العسكري كانوا يتفقدونه، وأنه سيعاود الاتصال بي بعد ذلك مباشرة. لم يفعل أبدا. ومنذ ذلك الحين، بحثت عنه في كل مكان، في جميع السجون، مع جميع السلطات. لكن لا شيء، لا شيء، لا شيء".
وتقول اللجنة إن هذه الشهادة تسلط الضوء على "نهج نموذجي مستمر"
الاختفاء يشمل الجميع
وفي حين إن أغلب ضحايا الاختفاء القسري هم من الأقليات، كما يشير المحامي، سرور الشمري، إلا أن "الكابوس لا يفرق بين أحد" حسب وصفه.
ويشير إلى حالات اختفاء أصابت معارضي السلطة من الشيعة، مثل سجاد.
وتقول الأمم المتحدة إن من الأنماط المستمرة الأخرى "الاختفاء القسري المزعوم للأطفال، وخاصة الأطفال الإيزيديين الذين ولدوا بعد تعرض أمهاتهم للاعتداء الجنسي في مخيمات داعش".
وأبلغت اللجنة، وفقا لبيانها، أن الأمهات "يجبرن، في بعض الحالات، على ترك أطفالهن في دور الأيتام بعد عودتهن إلى العراق، بنية إعادتهم إلى ديارهم في أقرب وقت ممكن".
ومع ذلك، "عندما عدن إلى دار الأيتام، قيل للأمهات إن أطفالهن "أعطوا" لأسرة أخرى، ويزعمن أن ذلك كان بضلوع مباشر لبعض موظفي الدولة"، وفقا للجنة.
موجات الاختفاء
وتقول اللجنة أن التقديرات تشير إلى أن "نحو ربع مليون شخص إلى مليون شخص قد اختفوا منذ عام 1968، عام صعود حزب البعث إلى السلطة في العراق".
وتقول إن "هذا الرقم توزع على خمس موجات رئيسة، الموجة الأولى من 1968 إلى 2003، حيث يقدر أن ما يصل من 290 ألف شخص اختفوا، بضمنهم 100 ألف كردي".
والموجة الثانية تقع بين عام 2003 إلى فترة ما قبل داعش، حيث "أسر الجيش الأميركي وحلفاؤه ما لا يقل عن 200,000 عراقي، منهم 96,000 محتجزون في مرحلة ما في سجون تديرها الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة".
وتقول اللجنة إنه يُزعم أن المعتقلين اعتقلوا دون أمر قضائي لمشاركتهم في عمليات التمرد، بينما كان آخرون "مدنيين تواجدوا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ".
أما الموجة الثالثة فقد حصلت خلال إعلان داعش ما أطلقوا عليه "الخلافة" على جزء من أراضي العراق، حيث شهدت البلاد جولات جديدة من عمليات الاختطاف والقتل الجماعي لجنود الجيش العراقي أو أفراد قوات الأمن من عام 2014 إلى عام 2017 تحت سيطرة داعش.
وتضيف أن الموجة الرابعة كانت حينما "تدهور الوضع أكثر عندما قامت قوات الحشد الشعبي بعمليات عسكرية لاستعادة المدن الرئيسية من داعش. وخلال هذه العملية، أخفت القوات الموالية للحكومة الآلاف من العرب السنة، ومعظمهم من الرجال والفتيان".
وتقول اللجنة إن "موجة أخرى من الاختفاء القسري وقعت خلال احتجاجات 2018-2020 التي جمعت أشخاصا من جميع الخلفيات الدينية والعرقية".
وحثت اللجنة العراق على إدراج جريمة الاخفاء القسري كجريمة مستقلة في التشريعات القانونية، وأن يتم تشكيل "فرقة عمل" فولابة ومستقلة للتحقق بشكل منهجي من سجلات جميع أماكن الحرمان من الحرية مع أسماء جميع المحتجزين.