** FILE ** The toppled statue of Saddam Hussein is seen in Firdos Square downtown Baghdad in this April 9, 2003 file photo. The…
لحظة سقوط تمثال صدام حسين في ساحة "الفردوس" في العاصمة بغداد

نشرت وكالة "الأسوشيتد بريس" تحقيقاً حول مصير تمثال صدام حسين الذي أسقطه الجيش الأميركي ومواطنون عراقيون في التاسع من أبريل 2003 في ساحة الفردوس بعد سقوط العاصمة بغداد.

واتخذ إسقاط هذا التمثال رمزية لإسقاط نظام صدام حسين، لما كان يوليه هذا النظام من أهمية للتماثيل والنصب التي تتمحور بغالبيتها حول صدّام نفسه و"إنجازاته" العسكرية.

وجاء في تحقيق الوكالة أن تمثال ساحة الفردوس كان "جزءاً صغيراً من بين عدد هائل من الآثار والقصور التي أقامها صدّام لإظهار قوته". وقد أزيل مع باقي التماثيل والنصب التذكارية والصور العملاقة التي كانت تنتشر في سائر أنحاء العراق قبل سقوط النظام.

عن هذا الانتشار الواسع، يقول الباحث والكاتب اللبناني حازم صاغية في كتابه "بعث العراق": "تعرض الحيز العام في العراق لغزو المباني والتماثيل والنصب فضلاً عن الجداريات والشعارات". ويضيف:  "تأسست عبادة صدام موضوعاً للتعبير الثقافي".

لكن بعد 2003، اختفت جميع تماثيل ونصب وصور صدام من الحيز العام العراقي. وقد قام مواطنون عراقيون في مختلف المناطق بتلطيخ وتشويه هذه الصور والنصب والتماثيل قبل تحطيمها، وإزالتها لاحقاً بشكل كامل.

وقد تأسست في العراق لجنة تابعة لأمانة مجلس الوزراء سميت بـ"لجنة إزالة رموز النظام البائد". ومن غير المعروف ما حدث لتمثال صدام، بحسب "أسوشييتد بريس"، "لكن هواة جمع التذكارات أخذوا قطعاً منه.

وقالت مجموعة من جنود مشاة البحرية الأميركية الشباب من ولاية يوتا في عام 2003 إنهم قطعوا يد التمثال اليمنى وكان يعتزمون بيعها على موقع "إيباي الإلكتروني"، لكنها اختفت من حمولتهم أثناء محاولتهم تهريبها إلى الخارج في رحلة العودة مع الجيش.

وفي عام 2016، تتابع الوكالة، "قال تاجر تحف ألماني إنه اشترى ساق تمثال صدام اليسرى ثم أعاد بيعها على موقع "إيباي" مقابل أكثر من 100 الف دولار".

ويبدو أن صدّام حسين نفسه شاهد مباشرة عبر التلفاز صور سقوط تمثاله في ساحة الفردوس في بغداد، إذ ينقل شامل عبد القادر في كتابه "قصة سقوط صدام حسين"، عن تمارة التكريتي، بنت الأخ غير الشقيق لصدام، إن "عمها صدام كان يزورها في المنزل كل يوم وكان قد حضر يوم 7 أبريل 2003 وكانت معنوياته عالية. وقال: "اطمئنوا فنحن سننتصر في هذه المنازلة".

وأضافت أنه جاء إلى منزلهم يوم 9 ابريل، وكان يشاهد الأحداث عبر التلفاز ورأى الشعب العراقي وهو يسقط تمثاله بمساعدة المعدات الأميركية، وتألّم كثيراً وذهب ولم نره بعدها.

وخلال استجوابه صدام حسين بعد اعتقاله، سأله جون نكسون : "يا صدام أعرف أنك أمضيت حياتك في تثبيت مكان لك في تاريخ العراق وبذلت أفضل ما لديك من جهود لتخليد حكمك من خلال إقامة نصب تميز عهدك. كيف تشعر الآن وقد تمّ إسقاط كل هذه التماثيل؟

يقول نكسون في كتابه "استجواب الرئيس" إن صدّام "ضحك ضحكة خفيفة ورفع إصبعه وقال: أريد منك أن تصغي لي. لم أطلب أبداً من أحد أن ينصب لي تمثالاً. كثيراً ما كان أعضاء مجلس قيادة الثورة يقولون لي إنهم يريدون رفع صورتي في مكان ما أو إقامة تمثال لي، فكنت لا أوافق. ولكن القيادة كانت تتخطى رفضي، فمن أكون أنا لأتخطى قرار القيادة".

يقول نكسون إن الإجابة أذهلته، "فكنت أعرف أن صدام لا يتراجع أمام أتباعه"!.

لم يتبق ما يذكر بصدّام بشكل مباشر سوى بعض قصوره ويخوته، و"قوس النصر" في بغداد، الذي نصّبه صدّام شاهداً على ما يعتبره "انتصاره" في الحرب العراقية الإيرانية.

وقد خصص كنعان مكية كتاباً لهذا النصب عنوانه "قوس النصر.. الفن الشمولي في عراق صدام"، وكان قد أصدره بنسخة أولى في عام 1991 ثم وضع نسخة ثانية مزيدة ومعدلة بعد سقوط النظام.

وفيه يرى أن صدّام ونظامه استطاعا أن يضربا "اللاوعي العراقي في الصميم، حدّ تشويه إنسانيته"، وأن "القيم الجمالية التي أرساها الطاغية عبر الأجيال"، انتهت بعد سقوطه إلى "هبوط أخلاقي شامل يمثل خطراً على مستقبل كل عراقي".

يورد كتاب مكية حكاية نصب قوس النصر الذي "ترجع فكرته إلى صدام حسين شخصياً" وأنه هو "من رسم الفكرة الأصل عام 1986 وتدخّل وأقرّ كل تفصيلاتها وتغييراتها.. حتى افتتاح النصب أمام الجمهور العراقي في العام 1989".

وقد قرر صدام أن "يجعل نسخة مصبوبة من ذراعيه لتستخدم هيكلاً للقوس" بعد أن جرى "صبّهما بالجبس ثم ضخمتا بشكل هائل لتشكّلا قاعدة القوس".

و"أضاف إليها 2500 خوذة إيرانية مأخوذة من ساحات القتال، ومجمّعة في القاعدة حول ذراعي الرئيس، لترمز إلى رؤوس الإيرانيين القتلى الذين يزعم أنهم هزموا في الحرب".

جندي عراقي يمرّ تحت "قوس النصر" في صورة مؤرخة في 7 ابريل 2023

يناقش مكية في كتابه إشكالية إبقاء النصب كشاهد على استبداد النظام السابق أو إزالته بهدف النسيان، يقول: "مواجهة النصب عملية استذكار تقابلها عملية نسيان. ولكن النسيان لا يأتي بتدمير رموز أنظمة الماضي، لأننا في اللحظة التي نختار كشعب أن يتحول هذا النصب إلى رمز لاستذكار قسوة النظام السابق، ينقلب معناه الأصل الذي أراده صدام إلى عكسه تماماً، لن يعود رمزاً يمجد الاستبداد، بل شاهد على ذلك الاستبداد نفسه".

المزيد من المقالات

مواضيع ذات صلة:

Iranian President Pezeshkian visits Erbil
من زيارة الرئيس الإيراني لكردستان العراق- رويترز

استخدم الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان خلال زيارته الحالية إلى العراق اللهجة الكردية ليقول إن بين طهران وكردستان "علاقات جيدة"، في مؤشر واضح على تحسّن روابط بلاده مع الإقليم العراقي الذي يتمتع بحكم ذاتي واستهدفته ضربات إيرانية مرّات عدّة في السنوات الأخيرة.

فكيف تمكّن الإيرانيون وأكراد العراق من تسوية خلافاتهم؟

 

تقارب حقيقي؟

شهدت العلاقات بين جمهورية إيران الإسلامية وإقليم كردستان العراق، وهو تقليدياً حليف لواشنطن والأوروبيين في الشرق الأوسط، تحسناً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة.

وكثرت الزيارات التي أجراها مسؤولون من الجانبين والتصريحات الإيجابية.

وحضر كلّ من رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وابن عمّه رئيس الوزراء مسرور بارزاني جنازة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الذي قضى مع مسؤولين بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطّم طائرتهم في 19 مايو الماضي.

كذلك زار القائم بأعمال الخارجية الإيرانية علي باقري أربيل عاصمة الإقليم في يونيو الفائت.

ولدى خروجه الأربعاء من القصر الرئاسي في بغداد حيث اجتمع بنظيره العراقي عبد اللطيف رشيد، قال بزشكيان بالكردية لقناة "رووداو" المحلية الكردية "لدينا علاقات جيدة مع كردستان وسنعمل على تحسينها أكثر".

وزار نيجيرفان طهران ثلاث مرات في غضون أربعة أشهر، والتقى بارزاني المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي.

يقول مدير "المركز الفرنسي لأبحاث العراق" عادل بكوان لوكالة فرانس برس: "أصبحنا حالياً في مرحلة التطبيع" في العلاقات.

ويعود ذلك بالنفع على أربيل من ناحية "حماية أمنها واستقرارها ونموها الاقتصادي، ما يجعل تطبيع العلاقات مع جمهورية إيران الإسلامية ضروريا للغاية"، بحسب بكوان.

 

لماذا قصفت طهران إقليم كردستان؟

في السنوات الأخيرة، تعثّرت العلاقات بين أربيل وطهران بسبب الخلاف حول مجموعات مسلحة من المعارضة الكردية الإيرانية تتمركز في كردستان العراق منذ ثمانينيات القرن المنصرم بعد اندلاع حرب استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران.

على جانبي الحدود، كان الأكراد العراقيون والإيرانيون يتكلّمون اللهجة نفسها ويتشاركون روابط عائلية.

واستمرت المجموعات الإيرانية المعارضة وغالبيتها يسارية الميول وتندّد بالتمييز الذي يعاني منه الأكراد في إيران، في جذب الفارّين من القمع السياسي في الجمهورية الإسلامية. من هذه المجموعات حزب "كومله" الكردي والحزب الديموقراطي الكردستاني الإيراني اللذان تعتبرهما طهران منظمتين "إرهابيتين".

وكان لهذه المجموعات مقاتلون مسلحون، إلا أنهم كانوا ينفون تنفيذ أي عمليات ضد إيران عبر الحدود.

واتّهمت طهران هذه المجموعات بتهريب أسلحة بالتسلّل إلى أراضيها انطلاقاً من العراق وبتأجيج التظاهرات التي هزت إيران في أعقاب وفاة الشابة الكردية الإيرانية مهسا أميني في 16 سبتمبر 2022 بعدما أوقفتها شرطة الأخلاق لعدم امتثالها لقواعد اللباس الصارمة في الجمهورية الإسلامية.

في نهاية عام 2023، وبعد ضربات عدّة نفذتها إيران في العراق، تعهدت السلطات العراقية بنزع سلاح هذه الفصائل وإخلاء قواعدها ونقلها إلى معسكرات.

وقال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي للتلفزيون الإيراني الرسمي، الثلاثاء الماضي، إن الحكومة العراقية أغلقت 77 من قواعد هذه المجموعات قرب الحدود مع إيران ونقلت المجموعات إلى ست معسكرات في أربيل والسليمانية.

وأكّد أن استعدادات تجري لمغادرتها العراق إلى بلد ثالث.

 

ما التحديات التي لا تزال قائمة؟

في ظلّ اضطرابات جيوسياسية في الشرق الأوسط، استهدفت طهران كردستان مرّات أخرى، متهمة الإقليم بإيواء مواقع للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (موساد).

في يناير 2024 ووسط توترات إقليمية على خلفية الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، شنّت القوات الإيرانية هجوما على مواقع في إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى أنّها استهدفت "مقرا لجهاز الموساد". 

من جانبها، نفت الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان أن يكون "الموساد" متواجدا في الإقليم.

ويمكن كذلك قراءة التقارب الذي بدأته أربيل مع طهران في ضوء "الانسحاب" الأميركي المحتمل من العراق، بحسب عادل بكوان.

وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق.

وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.

وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في مقابلة تلفزيونية، الأحد الماضي، إن العاصمتين توصلتا إلى تفاهم حول جدول زمني لانسحاب قوات التحالف الدولي من العراق "على مرحلتين".

وأوضح أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى تمتدّ من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 وتشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق".

ولم تعد أربيل في السنوات الأخيرة في موقع قوة أمام الحكومة المركزية في بغداد التي تربطها بها علاقات متوترة.

يقول بكوان "كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بالتالي من العراق بالتالي من كردستان العراق، أصبحت أربيل أضعف في مواجهة بغداد (...) المدعومة بقوة من جمهورية إيران الإسلامية" المعادية لواشنطن.